الأباتي بو رعد زار الرّئيس عون على رأس وفد من الأنطونيّين
وللمناسبة، توجّه بو رعد إلى الرّئيس عون بكلمة قال فيها بحسب إعلام الرّهبانيّة:
"جئناكم اليوم يا فخامة الرّئيس للّقاء والتّبريك والدّعاء.
جئناكم من القليعة جنوبًا، من الميناء طرابلس شمالًا، من حوش حالا شرقًا، وما بينهم من أديار ورسالات أنطونيّة على امتداد الوطن. كثافة حضورنا تقول لوحدها مكانتكم الخاصّة في وجدان رهباننا ورهبانيّتنا.
لقد انتزعتم منّا حقّ السّبق في الزّيارات. أتيتمونا على الموعد بغتةً إلى دير مار أنطونيوس في عيد شفيعه وشفيع رهبانيّتنا، في عزّ انشغالكم بتأليف الحكومة وتسيير أمور الدّولة. هكذا حوّلتم زيارة التّبريك هذه زيارة إياب.
معكم صار لهذا القصر سيّد وللوطن وكيل حكيم، أمين على سيادته وعزّة أهله. لا نسوق هذه الخصال في معرض الإطراء ولستم ممّن يستسيغونه. ولكنّ هذا ما عرفناكم عليه أيّام قيادتكم للمؤسّسة العسكريّة، في الأيّام العصيبة. أمّا وقد توسّعت مهامّكم لتشمل رئاسة الجمهوريّة كلّها والدّولة بكافّة مؤسّساتها، فلا يسعنا إلّا أن نأمل خيرًا ونرجو عموم الخير بمسعاكم في جسم دولتنا السّقيم.
يجمعنا بكم حبّ الوطن بكلّ مواطنيه، والإيمان باللّه ونبذ التّقوقع والتّزمّت. تجمعنا ذكريات وتضحيات، وأحلام أيضًا ورؤى. وأبعد من المودّة الأكيدة والاحترام تجمعنا بكم الرّسالة. فرسالتكم الوطنيّة تتلاقى مع رسالتنا الرّهبانيّة وتتكاملان. وأكثر ما يجمع الرّهبانيّة بالدّولة هو العمل معًا لمصلحة خير عامّ. فالخير العامّ مصطلح ويا للأسف أضحى دخيلًا على لغتنا وقيمة باردة باهتة، لا تحرّك وجدانًا ولا تشحذ هممًا. فنحن اللّبنانيّون موصوفون بتفوّقنا كأفراد وتقهقرنا كجماعة. كلّ منّا يفكّر بذاته متوهّمًا أنّه إن كان هو أو جماعته بخير كان الوطن بألف خير. والحال أنّه إن لم تكن الدّولة، حاضنة الـمواطنين كلّهم، بخير فلن يسلم أيّ منّا ولن يهنأ. ولنا في الانهيار الماليّ والاقتصاديّ الكارثيّ الأخير خير عبرة، إن اعتبرنا.
نعلم يا صاحب الفخامة علم اليقين حجم التّحدّيات الّتي تواجهكم وتواجه شركاءكم في المسؤوليّة، ولسنا ممّن يؤمنون بالعصا السّحريّة. فنحن أهل مؤسّسات ونعي جيّدًا أنّ التّنظير والتّبسيط ورمي المسؤوليّة على الآخرين من شيم العبثيّين والعاجزين. فمشروع إصلاح بناء الدّولة يبدأ بمصالحة المـجتمع معها. فالدّولة عندنا كائن غريب يطلبه الجميع ويتطلّب منه حتّى تحين ساعة الواجبات فحينها يخرج كلّ منّا مطوّلات لإنكار أحقيّتها أو التّهرّب منها. ويتطلّب إصلاح الدّولة بصيرةً وعزمًا وصبرًا وتضحيات. والسّبيل إليه يمرّ حتمًا بالنّضال ضدّ الفساد على أنواعه وبكلّ ظواهره. والفساد آفة متغلغلة في عقولنا وسلوكنا حتّى كاد بعضنا يرى فيه قدرًا وهو ليس بقدر. فليس صحيحًا أنّ الالتزام بالقانون غريب عن طبعنا الشّرقيّ وعن عقليّتنا وأنّه لا مجال لتسيير أمورنا إلّا بالزّبائنيّة والمحسوبيّات. والصّحيح أنّ الصّدق والعدالة ونصرة الضّعيف هي من صلب شيمنا وما علينا إلّا أن نعود إليها ونجعلها أساسًا لاجتماعنا.
ما نقوله، يا فخامة الرّئيس، ليس بجديد عليكم ونعلم أنّنا في هذا المجال نبشّر مرتدًّا، على حدّ قول المثل الفرنسيّ. وإنّما نقوله لنعود ونؤكّد ما عاهدناكم به في عيد أب الرّهبان بالتزامنا معكم بكلّ ما أوتينا من عزم لتحقيق هذا الهدف السّامي الّذي يعود بالخير على كلّ اللّبنانيّين.
فباسم مجلسنا العامّ وباسم رؤساء أديارنا في لبنان الحاضرين هنا وباسم إخوتي الرّهبان جميعًا وباسمي أنا شخصيًّا نبارك اختياركم لرئاسة الجمهوريّة ونطلب من اللّه أن يبارك سعيكم الحميد لرعاية أبناء الوطن بالإنصاف والاستقامة والحقّ."
في المقابل رحّب الرّئيس بالوفد الزّائر، وأشار إلى أهمّيّة حضور وعمل الرّهبانيّة الأنطونيّة على امتداد الأراضي اللّبنانيّة، وقال: "إنّ الهمّ الوطنيّ مشترك والإصلاحات هي مطلب لبنانيّ قبل أن تكون مطلبًا دوليًّا، لأنّنا نريد إصلاح بيتنا الدّاخليّ. والإصلاح يبدأ بتغيير العقليّة والاعتماد على القضاء". لذلك أشار إلى الدّور الكبير الّذي تقوم به الرّهبانيّة على الصّعد كافّة لتعزيز هذا الإصلاح وتربية الأجيال القادمة على هذا النّهج الّذي يبني الوطن.
أخيرًا قدّم الأب العامّ هديّة تذكاريّة لعون عبارة عن أيقونة للقدّيس يوسف من المعهد الفنّيّ الأنطونيّ في الدّكوانة.