لبنان
06 نيسان 2021, 11:50

الأباتي الهاشم: نحن نؤمن أنّنا سنتخطّى جميع الأزمات مهما اشتدّت

تيلي لوميار/ نورسات
في جامعة الرّوح القدس- الكسليك، احتفل الرّئيس العامّ للرّهبانيّة اللّبنانيّة المارونيّة الأباتي نعمة الله الهاشم بالقيامة المجيدة، في قدّاس عاونه فيه أمين السّرّ العامّ الأب ميشال أبو طقّة ورئيس دير الرّوح القدس الأب جورج القزّي، وقد ألقى خلاله عظة تحت عنوان "بعد ضجيح الآلام هدوء القيامة"، فقال:

"ما زلنا نحتفل بذكرى الحدث الأبرز في تاريخ الكون والبشريّة، حدثِ الخلاص الّذي أتمّه يسوع المسيح ابنُ الله المتجسّد.

أوّلَ أمس احتفلنا بالقسم الأوّل من هذا الحدث، تذكّرنا آلام المخلّص وصلبه وموته ودفنه، وحملتنا الذّكرى إلى أورشليم إلى الأحداث الأخيرة الّتي سبقت الصّلب ورافقته، وأزعجنا الضّجيج الّذي اتّسمت به، والّذي يميّز أزمنة السّوء وتحكّم الشّرّ.

واليوم نحتفل بالقسم الثّاني من الحدث، بذكرى قيامة المخلّص، وانتصاره على الألم والموت. ويملأ قلوبَنا شعورٌ بالسّلام والفرح والهدوء الّذي تتميّز به أزمنة الخير.

مشهدُ أوّل أمس الصّاخب يقابله مشهدُ هدوء القيامة اليوم: الحدثُ الأعظم في تاريخ الكون حصل في هدأة اللّيل وسكونه.

ثقل مشهد الآلام والصّلب ودَمَويّتُهُ وما رافقه من صخب ومؤامرات وعنف لفظيّ وجسديّ، من قبل الحرّاس والجنود والشّعب وحتّى من اللّصّين، تقابله سكينةُ مشهدِ ملاكٍ بلباس أبيضَ في قبر فارغ.

إكتظاظ النّاس والرّؤساء والجنود وازدحامهم في دار رئيس الأحبار وفي بلاط بيلاطس، وعلى طريق الجلجلة وقرب الصّليب، يقابله بستان خال خاو إلّا من بعض نسوة وملاك.

صخب أحاديث المحاكمات، تقابله بشرى ملاك لنسوة خائفات،  

صمت يسوع أمام القضاء يقابله سلام يلقيه على النّساء وعلى التّلاميذ الّذين ظهر لهم بعد القيامة،

إجاباته المقتضبة القاطعة لرئيس الأحبار ولبيلاطس، يقابلها طول أناته في أحاديثه مع تلميذي عمّاوس والرّسل، وتوضيحُ أسس المهمّة الموكلة إليهم.

القيامة الّتي تشكّل التّغيير الأكبر في قوانين الطّبيعة، أيّ انتصار الحياة على الموت، وانتصار الخير على الشّرّ، حدثت دون أن تزعج أحدًا. حتّى الحرّاس النّائمين لم ينتبهوا لدحرجة الحجر عن باب القبر.

هذا لأنّ القيامة هي عملُ الله، وعمل الله يتميّز بالهدوء والسّكينة، كما نتعلّم من اختبار إيليّا النّبيّ عندما خرج من المغارة، ولم يكن الرّبّ لا في الرّيح ولا في الزّلزال ولا في النّار، إنّما في النّسيم اللّطيف. وهذا ما علّمنا إيّاه يسوع عندما شبّه ملكوت الله، الّذي هو عمل الله فينا، بحبّة الخردل أو بالبذار المزروعة في الأرض، الّتي تنمو وتكبر وتنضج، دون أن نلاحظ ذلك، بهدوء دون ضجيج.

والميزة الثّانية لعمل الله هي أنّه عملٌ خلاصيّ يشمل الجميع ولا يستثني أحدًا. فإنتصار يسوع بالقيامة لم يحمل الحياة والنّصر للرّسل والتّلاميذ وأنصاره فحسب، ولم يستتبع انتقامًا أو حتّى حسابًا قاسيًا لمجرمي الأمس، على اختلاف درجات مشاركتهم بالجريمة. غيابهم التّامّ عن المشهد بعد القيامة يعني أنّ مواجهة يسوع لم تكن معهم إنّما مع الشّرّ والخطيئة المسيطرين عليهم، وأنّ انتصاره على الموت هو انتصار لهم وليس عليهم.

واليوم، بالرّغم من يقيننا أنّنا نعيش زمن سوء، نحن نؤمن أنّ يسوع القائم من القبر يرافقنا كما وعدنا، وأنّنا سوف نتخطّى جميع الأزمات مهما اشتدّت، بقوّة الرّبّ ومعونته وبفضل ثبات وتضامن المخلصين من أبناء هذا الوطن، وبفضل صدق طموح الكثيرين من شبابه للعيش في وطن حرّ تحترم فيه المبادئ والحقوق الإنسانيّة وضمن دولة عصريّة غير فاسدة تعتمد فيها الشّفافيّة والمساواة، دون أن يشعر أيّ من مكوّناتها بالخطر والتّهديد، وبفضل صمود وتضحيات الخيّرين وعملهم على مختلف الصّعد وفي مختلف المواقع والقطاعات.

نذكر في قدّاسنا غبطة أبينا البطريرك مار بشارة بطرس الرّاعي الكلّيّ الطّوبى، سائلين له التّوفيق في قيادة كنيسة لبنان وفي مساعيه الهادفة للحفاظ على رسالة لبنان الإنسانيّة. كما نذكر في صلاتنا المسؤولين المدنيّين والعسكريّين وعلى رأسهم فخامة رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون، كي يلهمهم الرّبّ الحوار المنفتح الصّادق، والتّعالي على التّجريح، والتّرفّع عن تراكمات خلافات الماضي وتعقيداته، فيتمكّنوا من إنقاذ البلاد دون التّفريط بالمبادئ والقوانين وحقوق النّاس.  

نسأل الله، في هذا العيد الكبير، أن ينهي بقوّة قيامته زمن السّوء الّذي نعيش، ويعطي السّلام للعالم والخلاص من الأمراض والأوبئة لجميع البشر، وأن ينعم على وطننا لبنان بالهدوء والأمان والسّلام، فيعلم جميع المتخاصمين فيه أنّهم جميعًا ضحايا الشّرّ والفوضى وأنّه بالعودة إلى المصالحة والغفران والانتظام تحت حكم القانون والدّستور خلاص للجميع.  

نجدّد صلاتنا لخلاص لبنان وشعبه بشفاعة أمّنا العذراء مريم وشفاعة مار مارون ومار شربل وقدّيسي لبنان وشهدائه. آمين."