بيتسابالا: القلب الصّالح سيكون حرًا في اختيار الخير
وعلى ضوء هذا الإنجيل، يقول بيتسابالا بحسب موقع البطريركيّة الرّسميّ: "أَلا يَجوزُ لي أَن أَتَصَرَّفَ بِمالي كَما أَشاء؟ أَم عَينُكَ حَسودٌ لِأَنّي كَريم؟ (متّى 20، 15): هكذا اختتم إنجيل الأحد الماضي (متّى 20، 1- 16)، ما يسمّى بمثل عمّال السّاعة الأخيرة.
إنّ ربّ البيت في المثل يشبه الله تعالى، فهو متحرّر من أيّ حسابات، ومن أيّ شهوة للتّملّك، ومن أيّ غريزة للسّلطة.
وبما أنّه صالح، فإنّه يستطيع أن يفعل ما يريد، لأنّ كلّ ما يفعله سيكون حسنًا، بل جميلاً ويساعد على الحياة، ويقدّم الخير للجميع.
وبما أنّه صالح، فهو حرّ في أن يتصرّف مع عمّاله كما يريد، وأن يعامل الجميع بعدل، أيّ أن يعطي كلّ واحد ليس ما يستحقّه، بل ما يحتاجه، تمامًا كما يفعل الأب الّذي يعرف أولاده ويعطي كلّ منهم ما يحتاجه ليعيش: إنّه يعطي المزيد لمن هم في أمسّ الحاجة إليه.
الحرّيّة إذن تكون حقيقيّة فقط عندما يكون القلب صالحًا: فالقلب الصّالح سيكون حرًّا في اختيار الخير.
في مثل اليوم (متّى 21، 28 – 32) نرى أنّ قلب الإنسان ليس بالضّرورة حرًّا مثل قلب ربّ الكرم.
إنّ السّياق العامّ للفصل 21 من إنجيل القدّيس متّى يتمثّل بأن يسوع أنهى رحلته إلى القدس ودخل المدينة المقدّسة إلى كرمه.
يقوم بثلاثة أفعال قويّة وهامّة: دخل المدينة منتصرًا (متّى 21، 6-11)، وطرد التّجّار من الهيكل (متّى 21، 2-17)، وأخيرًا لعن شجرة التّين الّتي لا تثمر. (متّى 21: 18-22).
إنّها ثلاثة أفعال تعبّر عن الدّينونة المرتقبة لكرم الرّبّ، هذا الكرم المدعوّ لاستقباله والسّعي إلى التّحوّل بحسب دعوته الجديدة الّتي تقودنا نحو مجيء المسيح: يقول يسوع بشكل أساسيّ إنّ الوقت قد حان، فمن الضّروريّ إذًا تحويل القلب لقبول عطيّة الله.
إلّا أنّ هذه الأفعال تثير غضب رؤساء الكهنة وشيوخ الشّعب، الّذين يقتربون منه في الهيكل ويسألونه بأيّ سلطان تعمل هذه الأعمال؟ ومن أولاك هذا السّلطان؟ (متّى 21، 23).
ويسوع، كما يفعل غالبًا، لا يجيب على السّؤال مباشرة، بل يكشف عن مقاومة قلب الإنسان: جاءكم يوحنّا المعمدان كنبيّ داعيًا الجميع إلى التّوبة. لكن لم يدرك الجميع مدى أهمّيّة هذه الدّعوة.
ومن تعرّف عليه؟ ليس القادة، ولا الكهنة، بل الأخيرون، الخطأة، والعشّارون، والّذين لديهم التّواضع للتّوبة، والّذين يؤمنون بمجّانيّة عطيّة الله (متّى 21، 31 – 32).
وإنجيل اليوم يجيب يسوع على السّؤال المتعلّق بسلطته بهذا المثل.
كان لرجل ابنان أرسلهما للعمل في الكرم: قال الأوّل إنّه لا يريد، لكنّه تاب وذهب (متّى 21، 29). أمّا الثّاني فقبل على الفور، لكنّه لم يذهب.
قلب الإنسان، يخالف قلب الله، فهو غير قادر على اختيار الخير، لأنّه يميل إلى فعل ما يريده فقط، مثل الابن الأوّل. وإذ اختار كما فعل الابن الثّاني، فإنّه في أعماقه لا يريده، وبالتّالي فهو لا يتحرّك ساكنًا.
ما يسمح لنا بالانفتاح على إرادة أقوى، ليس الجهد، بل الثّقة المتواضعة بصلاح الله (متّى 21، 32) وهذا التّحوّل، وهو ممكن دائمًا، يؤدّي بنا إلى الاعتراف بحاجتنا إلى الخلاص، مثل العشّارين والبغايا، الّذين لم يبقوا عبيدًا لأخطائهم أو ليقينهم.
الإبن الأوّل في المثل، في اللّحظة الّتي يتحوّل فيها ويذهب إلى الكرم، يصبح ابنًا حقيقيًّا، لأنّ الابن يطيع؛ ولا يطيع مثل العبد، بل كمن يهتمّ بأمور أبيه، كمن يريد ما يريده والده.
لأنّ الآب حرّ ولا يريد إلّا الخير."