ابراهيم مكرما في مطرانية الروم الكاثوليك: لتكريس مفهوم لبنان الانسان والرسالة العابر للطوائف والمذاهب
والقى المطران بسترس كلمة للمناسبة رحب فيها باللواء ابراهيم والحضور "الذين قبلوا دعوتنا لمشاركتنا في هذا اللقاء الاخوي والوطني الذي يهدف الى تكريم سيادة اللواء، ونشكره على ما قام به في سبيل الحفاظ على امن لبنان واستقراره في هذه الايام العصيبة التي يسود فيها العنف والتطرف على حدود لبنان وفي مختلف البلدان العربية".
اضاف: "ان مركز مطرانيتنا هو على خط، دعي في الايام السوداء خط التماس، بين متواجهين فدمرت واحرقت في معظمها، لكننا اعدنا بناءها، وحافظنا عليها في مكانها الحالي، رغبة منا في ان تكون دوما خط تلاق ومحبة ووحدة بين مختلف الطوائف، وان نبقى واياكم جيرانا نتعاون على الخير والصلاح".
واكد "ان لبنان، ايها الاحباء، هذا الوطن الصغير في حجمه والكبير في رسالته، بحاجة الى جميع ابنائه ليتمكن من تحقيق رسالته، وتبقى فيه الدولة ضمانة الجميع عبر مؤمسساتها الحكومية والمدنية والعسكرية والامنية". وقال: "لا يمكن ان يحقق لبنان رسالته في التنوع والتميز والعطاء على الصعيد الوطني والاقليمي والدولي خارج وجود الدولة ومؤسساتها. وانتم يا سيادة اللواء تجسدون هذا التطلع وتعملون في سبيله في كل ما حباكم الله من جرأة وحكمة لتعزيز الوحدة الوطنية، التي هي السبيل الوحيد لاجتياز الصعاب الجسيمة التي تجتازها البلاد. ان اداءكم المميز يبعث الامل في نفوس جميع اللبنانيين، ولا سيما ان العواصف التي تهب علينا من الخارج، نظرا لما يجري من حولنا في المنطقة، تهدد كياننا ومصيرنا".
وتابع: "واخيرا، ماذا يعني ان يكرم مطران مسيحي مسؤولا امنيا مسلما ويمنحه وسام الابرشية المذهب؟ ان ما يجمعنا، ايها السادة، امران لا انفصال بينهما، اولا: نحن كلنا لبنانيون، ونؤكد ان ولاءنا الكامل المطلق هو لبنان، قبل ان يكون ولاء كل منا لطائفته، ففي نشيدنا الوطني نعلن كلنا للوطن، وليس كلنا للطائفة، وخلاص لبنان يبدأ عندما ينتقل جميع اللبنانيين من أولوية الولاء للطائفة الى اولوية الولاء للوطن. ثانيا ان الطوائف في لبنان هي طوائف دينية، اعني ان جميع المواطنين بمجرد انتمائهم الى طائفة معينة، هم مؤمنون بالله الواحد، وان تنوع التعبير عن هذا الايمان، فاذا كان الله الواحد هو خالقنا جميعا، ينتج من ذلك اننا كلنا ابناء الله، بحسب التعبير المسيحي وعيال الله بحسب التعبير الاسلامي، الذي يقول في حديث شريف، الناس كلهم عيال الله، واحبهم الى الله انفعهم لعياله"، وهذا ما يؤكده ايضا قول القران الكريم: "لا تجادلوا اهل الكتاب الا بالتي هي احسن، وقولوا الهنا والهكم واحد ونحن له مسلمون". لذلك عندما يلتقي بعضنا بعض انما نلتقي اولا كمواطنين في وطن واحد، ثانيا كاخوة واخوات في الله الواحد، فايماننا بالله الواحد يعزز وحدتنا الوطنية، هكذا يكون لبنان ليس مجرد وطن كسائر الاوطان بل رسالة ونموذجا للشرق والغرب".
وفي نهاية الكلمة، قلد المطران بسترس اللواء ابراهيم الوسام الابرشي المذهب.
بعدها، كانت كلمة عضو المجلس الاعلى لطائفة الروم الملكيين الكاثوليك وعضو مجلس ابرشية بيروت دافيد عيسى، الذي قال: "نلتقي اليوم في مطرانية بيروت للروم الملكيين الكاثوليك لنكرم الصديق اللواء عباس ابراهيم، انه لتكريم يليق بمن تحول بفعل أعماله عابرا للطوائف والمناطق ومتجاوزا كل الحساسيات والزواريب السياسية الضيقة والصراعات الفئوية والطائفية والمذهبية".
اضاف: "اننا نكرم اولا المدير العام للامن العام الذي عمل بطريقة منهجية وجهود مركزة على تطوير هذا الجهاز الامني وتحديثه وتحسين نوعية خدماته، والاهم من كل ذلك تحسين العلاقة بين الامن العام والمواطنين، خصوصا وان هذا الجهاز الامني هو على تماس يومي ومباشر مع المجتمع المدني. ولا نبالغ اذا قلنا ان الامن العام بات يشكل بارقة أمل وسط هذه الصورة القائمة، وهذا الانحدار المريع في اغلبية مؤسسات الدولة وادارتها التي يدخرها الفساد والاهمال والرشوة والمحسوبيات مقدما نموذجا مغايرا لبعض مؤسسات الدولة واداراتها وادائها وسلوكياتها".
وتابع: "نكرم ثانيا الرجل العسكري المتحدر من مؤسسة الجيش اللبناني والتي نشأت وقامت على المناقبية والتضحية والشرف والوفاء. ونكرم ثالثا صاحب اللاءات الثلاث: لا للطائفية، لا للفئوية، ولا لاحكام مسبقة على أحد. نكرم رابعا لواء الحرية والعامل في حقل الرب كما قالت الام بيلاجيا سياف والذي كان له الفضل الاساسي في تحرير الاسرى اللبنانيين والرهائن والمخطوفين من قبضة الجماعات الارهابية واعادتهم الى عائلاتهم ووطنهم سالمين".
وقال: "فان ننسى لا ننسى مخطوفي اعزاز وراهبات معلولا والعسكريين الابطال الذين كانوا في قبضة "جبهة النصرة" والكهنة الثلاثة الذين كانوا محتجزين لدى تنظيمات مسلحة وتحرروا منذ اسابيع. وكيف استعادوا حريتهم عندما كانت كل القيم والمقدسات تنتهك والاجرام لا يقيم وزنا لحياة وكرامة بشرية، وعندما كان الوف الاسرى يلقون المصير المجهول والمحتوم، مع املنا ايضا ان يطل فجر الحرية قريبا على مطراني حلب المخطوفين بولس اليازجي ويوحنا ابراهيم وعلى العسكريين اللبنانيين الذين لا يزالون في قبضة "تنظيم داعش، وعلى المصور في قناة "سكاي نيوز" سمير كساب المخطوف منذ العام 2014 وعلى كل الاسرى والمخطوفين اللبنانيين المظلومين".
اضاف: "نكرم خامسا عباس ابراهيم الانسان، الذي يتحلى بالاقدام والشجاعة والمهنية والحرفية والاخلاق والحس الانساني المرهف والتواضع ونظافة الكف واللسان والوفاء للاصدقاء. وهنا وفي هذا المجال تحديدا نقول انه لم يسبق ان كان رئيس جهاز امني قريبا من الناس ومتفاعلا معهم مثل عباس ابراهيم، او كان موضع تكريم وتقدير من المجتمع المدني ومن القطاعات الاقتصادية والاعلامية التي كانت تشكو دائما من شوائب وممارسات بعض الاجهزة الامنية".
واكد "اننا كمسيحيين كان لدينا الرفض والغضب عندما خرج جهاز الامن العام من حصتنا بموجب التوزيع الطائفي المعمول به للمراكز الاساسية والامنية في لبنان. ولكن هذا الشعور تغير وتبدل مع وجود اللواء ابراهيم على رأس هذا الجهاز الذي اثبت فعلا وممارسة انه لجميع اللبنانيين وعلى مختلف طوائفهم ومذاهبهم، وان المركز يقاس بمن يشغله ويتولاه، وان انتماءه وولاءه لم يكن يوما سوى لوطنه وشعبه".
وختم: "من هنا اقول للواء الصديق عباس ابراهيم، لك عند اللبنانيين عموما وعند المسيحيين خصوصا كل المحبة والتقدير، ويسرهم جدا ما نلته في حاضرة الفاتياكان وعند قداسة الحبر الاعظم البابا فرنسيس من تكريم وخطوة وحفاوة وانت اهل لها، واذ نكرمك اليوم في مطرانية بيروت وجبيل وتوابعهما للروم الملكيين الكاثوليك من خلال صاحب السيادة المطران كيرلس بسترس راعي هذه الابرشية الكلي الاحترام ومن خلال المجلس الاعلى للطائفة ممثلا بنائب رئيسه الوزير الصديق ميشال فرعون ومن خلال مجلس ابرشية بيروت الذي شرفني ان اتحدث باسمه ومن خلال كل الشخصيات الموجودة من وزراء ونواب ووزراء سابقين ورئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي وفاعليات الطائفة واركانها وكل الحضور، فان ذلك ليس الا تغييرا بسيطا عن المكانة الخاصة والمحبة التي نكنها لك وتقديرنا لجهودك وعطاءاتك ومزاياك وتأكيدا على ثقتنا بهذا الوطن الذي لا ينحني ولا ينكسر امام العواصف والتحديات".
واخيرا، تحدث اللواء ابراهيم فقال: "لطائفة الروم الملكيين في قلبي مكانة كبيرة، فهي احدى الطوائف المؤسسة لدولة لبنان الذي أهدته نخبة رجالاتها، وصاغت تاريخه الحديث، مستوحية الدور الرائد الذي اضطلعت به في بعث النهضة العربية وتطوير لغة الضاد: طباعة مع الشماس عبدالله زاخر في العام 1731 في الخنشارة، وكانت المطبعة العربية الأولى التي اختصت بطباعة الكتب الدينية وتبسيط قواعدها من صرف ونحو واعراب مع اليازجيين ناصيف وابراهيم، وتأريخ وقوعات الاحداث في جبل لبنان وسائر الولايات العثمانية مع بطرس كرامة ونقولا الترك، وبزوغ فجر الصحافة العربية مع جريدة "الاهرام" لمؤسسيها في ارض الكنانة سليم وبشارة تقلا".
اضاف: "طول الكلام عن هذه الطائفة الكريمة التي اعطت الشرق أحبارا سطعوا في سمائه كأنجم، لا ينتهي. فزرعوا الفضائل واطلقوا كلمة الحق في وجه الطغيان وانحازوا الى الحق السليب في فلسطين، وناصروا القضايا العربية، وانتصروا للانسان وحملوا صليب ايمانهم على جلجلة المعاناة الموصولة في هذه المنطقة من العالم التي يتهددها الارهاب. وأراني مشدودا ايضا الى الدور الذي قام به كبار من هذه الطائفة في بناء دولة الاستقلال من المغفور لهم: سليم وفيليب تقلا، هنري فرعون، جورج حكيم، جوزف ابوخاطر، نصري المعلوف، جوزف سكاف، ادوار غرة، نجيب صدقة وسواهم من الأعلام الذين اتسموا بالنبوغ وعمق الثقافة وصدق الوطنية، وساهموا بكفاية وفعالية في توطيد ركائز الدولة التي ما فتئت قائمة، رغم العواصف والرياح".
واكد "ان طائفة الروم الكاثوليك الزاخرة بالمبدعين في غير مجال من مجالات الحياة، هي طائفة العيش الواحد في وطن يتميز بالتنوع ومنتشرة في المناطق اللبنانية. تشد ابناءها الى ثقافة الحياة المشتركة مع مواطنيهم من الطوائف الاخرى، وهذا ما ينبغي الحفاظ عليه مهما كلف الامر من تضحيات. فلبنان الاحادي مآله الزوال، ولبنان الغني بتنوعه منتصر لا محالة. ولسوف ينتصر صادا محاولات اغتياله التي تتبدى بأشكال شتى، فلن يبخل ابناء هذا الوطن يوما في الدفاع عن وطنهم وارضهم".
وقال: "ان مبادرتكم تركت في نفسي اثرا كبيرا، واعتبر هذا التكريم عبئا على كاهلي ان لم اثمره في متابعة المهمات التي اقوم بها من اجل تكريس مفهوم "لبنان الانسان"، "لبنان الرسالة" العابر للطوائف والمذاهب التي اختصه بها البابا القديس يوحنا بولس الثاني، وتوفير كل المقومات الداعمة لوطننا. ويشرفني ان يأتي التكريم هذا على يدكم لأنكم ابن مدينة الشمس، وخبرتم ما تعنيه ثقافة العيش وما ترمز اليه من قيم روحية وانسانية سامية".
اضاف: "يعجز لساني عن وصف ما يخالجني من تقدير لشخصكم الوقور، واعجاب كبير بتفانيكم وثقافتكم الواسعة وغيرتكم الابوية على ابناء ابرشيتكم وحرصكم الدائم على الكرازة بتعاليم السيد المسيح واشاعة روح المحبة ودعوتكم الملحة الى التقارب بين اتباع الديانات السماوية ولا سيما الاسلام والمسيحية، لأن ما يجمع بينهما اعمق واشمل واثبت من الظواهر الشاذة التي تنسب الى الدين الحنيف وهو منها براء".
واكد "ان الوسام الذي سيزين في الصدر، سيزيدني اعتزازا وشعورا بالوفاء لطائفة الروم الملكيين وهي درة في تاج العطاء غير المحدود. شكرا لجميع الذين شاركوا في هذه المناسبة. جزاكم الله خيرا. معا كنا، معا سنبقى يدا بيد نرفع مداميك لبنان عالية لبنة لبنة، فنرتفع به ومعه الى الذرى الذي يستحق، الى الارز الخالد في شواهق الامم.".
وختاما قدم ابراهيم الى المطران بسترس درع الامن.