إسحق في الميلاد: نصلّي معًا من أجل البلاد الّتي تعاني ويلات الحرب والدّمار والأزمات
إسحق الّذي ترأّس قدّاس العيد في كاتدرائيّة السّيّدة العذراء سيّدة مصر- مدينة نصر، ألقى عظة قال فيها بحسب "المتحدّث الرّسميّ للكنيسة الكاثوليكيّة بمصر":
""وجاؤوا مسرعين، فوجدوا مريم ويوسف والطّفل مضجعًا في المذود فلمّا رأوه أخبروا بما حدّثهم الملاك عنه" (لو ٢: ١٦-١٧)
مقدّمة
بفرح وتهليل أهنّئكم جميعًا بعيد ميلاد الرّبّ يسوع.
يتميّز عيد الميلاد بمظاهر وعلامات خارجيّة عديدة، مثل المغارة وشجرة الميلاد وغيرها. هي لطيفة طالما أنّها لا تشتّت انتباهنا، بل تساعدنا على أن نعيش المعنى الحقيقيّ والمقدّس لعيد ميلاد يسوع، بحيث لا يكون فرحنا سطحيًّا بل عميقًا.
الميلاد: اختيارُ اللهُ البقاءَ معنا
يأتي عيد ميلاد ربّ المجد يسوع المسيح، ليجدّد اليقين بأنّ الله حقًّا حاضر لنا، يأتي كي يلتقي بنا: "ولد لكم اليوم مخلّص". لم يكتف ِ الخالق بأن يُظهر لنا آيات رائعة أو أن يكلّمنا ليرشدنا، بل شاركنا حدود إنسانيّتنا ووهبنا آفاق محبّته الإلهيّة.
"أخذ الّذي لنا وأعطانا الّذي له" كما نردّد في مدائح شهر كيهك. هذا هو سرّ التّجسّد الّذي میّز وما زال يميّز تاريخ الإنسان "لأَنّه هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ..." (يو ٣: ١٦-١٧).
إختار عمّانوئيل (الله معنا) أن يحضر في تاريخنا البشريّ بحدوده ومآسيه، في عالم يعاني من شرّ الانقسامات والحروب، ليعلن، بطريقة لا مثيل لها، عن قلب رحيم ومحبٍّ للبشر.
الميلاد هو لقاء
الميلاد قبل كلّ شيء هو لقاء. اللّقاء بشخص عمّانوئيل، الله معنا، مع كلّ واحد منّا. هو النّور الحقيقيّ الّذي يهزم الظّلمة الّتي تحاول غمر حياتنا وحياة الإنسانيّة كلّها. "النّور أضاء في الظّلمة والظّلمة لم تدركه" (يو ١، ٥).
من هنا تأتي هديّة الميلاد متى قبلنا مولود بيت لحم بقلبنا وحياتنا وسمحنا له أن يدخل ويبارك حياتنا. فبالميلاد الثّاني الفوقاني تعود الحياة ويتعافى القلب ويتجدّد الرّجاء. ويصير عيد الميلاد فرصة للاحتفال بالثّقة الّتي تغلب اليأس، والرّجاء الّذي يهب المعنى، فالله معنا وما زال يثق بنا.
وفي الميلاد، نلتقي حنان ومحبّة الله الّذي ينحني فوق محدوديّتنا وضعفنا وخطايانا.
الميلاد دعوة ورجاء
وقف الله مرّةً وإلى الأبد إلى جانب الإنسان ليخلّصه وينفض عنه غبار بؤسه ويمحو خطاياه. ليلة الميلاد يولد رجاء للإنسانيّة بشكل عامّ وللكنسية بشكل خاصّ. فميلاد الرّبّ يسوع هو مبادرة تجدّد فينا قدرة التّغلّب على القلق الّذي راح يسيطر على نفوس الكثيرين.
فإنّنا نشعر أنّ جزءًا منّا، وهو الأكرم، مهدور. وبالرّغم من تعدّد وتقدّم تقنيّات التّواصل، صار كثيرون يميلون إلى البقاء في عزلة أضعفت قدرتهم على التّواصل! فظهرت معاناة فقدان التّوازن واختلال الهويّة.
في ليلة الميلاد تبيت البشريّة، العطشى إلى الله، خارج مغارة بيت لحم- مثل الرّعاة البسطاء- الّذين سيقودهم الرّوح القدس إلى مغارة بيت لحم، ليلتقوا بمريم ويوسف والطّفل تمامًا كما قيل لهم. وبعد أن رأى الرّعاة "الله الظّاهر في الجسد" أخبروا عنه بما قيل لهم فصاروا شهودًا ومعلنين للبشرى السّارّة.
"أَنتُمُ الَّذينَ اختارَهمُ اللهُ فقَدَّسَهم وأَحبَّهم، اِلبَسوا عَواطِفَ الحَنانِ واللُّطْفِ والتَّواضُع والوَداعةِ والصَّبْر". (كول 3: 12)
لنبتهج في الرّبّ يا أحبّائي، ولنفتح قلوبنا على احتياجات من ينقصهم الفرح. "فقد أَرادَ الله أَن يُظهِرَ لِلأَجْيالِ الآِتيَة نِعمَتَه الفائِقةَ السَّعة بِلُطفِه لَنا في المسيحِ يسوع" (اف 2: 7).
لتساعدنا نعمة ميلاد ربّ المجد على الانفتاح والخروج من ذواتنا، لنكون شهودًا على مثال الرّعاة، الّذين لم يحتفظوا لأنفسهم بفرحه اللّقاء بالمخلّص، بل شاركوا آخرين بما اختبروا.
ليكن احتفالنا وتبادلنا التّهاني في هذا اليوم تعبيرًا عن فرحة إيماننا أنّ الله معنا ويريد أن يرافقنا طريق حياتنا.
ختامًا
نرفع صلاتنا متّحدين مع قداسة البابا فرنسيس وأصحاب الغبطة بطاركة الشّرق. نصلّي معًا من أجل البلاد الّتي تعاني ويلات الحرب والدّمار والأزمات خاصّةً: سوريا، والسّودان وأوكرانيا وفلسطين.
نصلّي من أجل وطننا الغالي مصر، ومن أجل سيادة رئيس الجمهوريّة عبد الفتّاح السّيسي وكلّ معاونيه، سائلين الرّبّ أن يلهمهم الحكمة والتّدبير الحسن لمواجهة التّحدّيات المحلّيّة والأزمات الدّوليّة.
يا ربّنا محبّ البشر، هبنا أن نتعلّم ألّا نغلق قلوبنا، لنرى في كلّ شخص صورة لك وأن نبني جسور المحبّة والتّفاهم بين جميع النّاس. هبنا أن نرحّب بهديّة سلامك ونشاركةُ القريبين والبعيدين، فنجلب فرحة عيد ميلادك لكلّ الجميع. أمين."