لبنان
28 آذار 2023, 08:05

إبراهيم: الذّاكرة هي العلاج الأفضل الّذي نملكه تجاه الصّعوبات اليوم وكلّ مشاكل الانقسام والنّفور

تيلي لوميار/ نورسات
"نحن اليوم مدعوّون لنقرأ ماضينا على ضوء وعود الله لنا حتّى لا ننسى من أين جئنا؛ ومن هم أجدادنا وكلّ ما عاشوه لنصل إلى حيث نحن اليوم. هذه الأرض وعائلاتها تعرّضت للكثير من التّحدّيات، لكنّهم استمرّوا بالاجتهاد لبناء الحضارة والمستقبل."

هذه الدّعوة وجّهها راعي أبرشيّة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم إلى المؤمنين خلال قدّاس إلهيّ ترأّسه في كنيسة سيّدة البشارة- الفرزل، احتفالاً بعيد بشارة السّيّدة العذراء، بمشاركة كهنة الرّعيّة، لافتًا إلى أنّ الذّاكرة هي العلاج الأفضل تجاه الصّعوبات.

كلام ابراهيم جاء في عظة ألقاها بعد الإنجيل المقدّس قال فيها: "لقد سمعنا منذ قليل البشارة الأجمل في تاريخ البشريّة: إنّها بشارة مريم. نصٌّ عميق يضيء اختباراتنا الحياتيّة. تمّت البشارة بيسوع في النّاصرة وهي مدينة ريفيّة في ضواحي الجليل في بيت شابّة تُدعى مريم.  

نجد في نصّ البشارة هذا أنّ الله هو الّذي يبادر نحو الإنسان، كما فعل مع مريم، ويختار أن يدخل إلى بيوتنا وجهادنا اليوميّ المليء بالصّعوبات والمخاوف والرّغبات والأحزان. إنّه يختار للقائِنا أماكن غير متوقَّعة في الضّواحي أو في أماكن عملنا، مدارسنا، جامعاتنا، في السّاحات أو المستشفيات وغيرها من الأماكن.  

فنسمع إحدى أهمّ الكلمات في اختبارنا مع الله وهي العبارة الّتي ألقاها الملاك على مسامع مريم: "إفَرح، الرَّبُّ مَعَك!". تنشر هذه الجملة "الفرح الآتي من علو" في حياتنا اليوميّة كما حصل مع هذه الشّابّة في النّاصرة. هذا فرح يولّد الحياة ويخلق الرّجاء، ويعطي الخلاص، فرح يتجسّد في أسلوب حياتنا وعلاقاتنا مع الآخرين ونظرتنا إلى المستقبل. فرح يظهر بالتّواضع والمحبّة والتّضامن والرّحمة تجاه الجميع والنّيّة الطّيّبة.

نحن مِثلُ مريم قد يصيبنا اضطرابٌ شديد. "كَيفَ يَكونُ هذا" خصوصًا في زمن مليء بالضّغوطات؟ أزمات في الحياة والعمل والعائلة، أزمة الفقر والهجرة، تحدّيات تواجه الشّباب ومستقبلهم. فتغدو الحياة اليوميّة للعديد من العائلات مليئة بالاضطراب وغياب الأمان. ويقرع الألم أبوابًا عديدة وينمو في الشّباب عدمُ الرِّضا بسبب غياب الفرص الحقيقيّة وازدياد الأزمات في أمكان عديدة. ما يسلبنا الرّجاء والفرح ويجعلنا غير مبالين بسبب كثرة التّحدّيات. فنفقد الوقت المخصّص للعائلة والوقت المخصّص للكنيسة، والوقت المخصّص للصّداقة والتّضامن...

أمام هذه الأوضاع والتّحدّيات الصّعبة والأليمة لا يمكننا ولا نريد أن نبقى، مجرّد متفرّجين. إنّ كلّ ما يحصل يتطلّب منّا أن ننظر إلى الحاضر بشجاعة، بشجاعة من يعرف أنّ فرح الخلاص الّذي تمّ في بيت شابّة في النّاصرة هو نفسه يتجسّد اليوم في حياتنا اليوميّة.

إذًا أجد من المفيد جدًّا اليوم في عيد البشارة أن نسأل أنفسنا سؤالان يلمسان إيماننا وهويّتنا المسيحيّة:  

أوّلاً: ماذا يغيّر كلام الرّبّ لنا "إفَرح، الرَّبُّ مَعَك!" في حياتنا اليوم؟  

ثانيًا: هل من الممكن عيش الرّجاء المسيحيّ في هذه الظّروف، هنا والآن؟  

هذان السّؤلان يقرعان باب حياة أبنائنا وشبابنا ويطلبان منّا أسلوبَ حياةٍ جديد. فهل من المُمكن عيش الرّجاء والفرح المسيحيّ اليوم في عائلاتنا وبلادنا؟

أمام اضطراب مريم وأمام أزماتنا يقدّم لنا الملاك إجابة على هذين السّؤالين. حيث يشير الملاك أوّلاً إلى الذّاكرة ويفتح هكذا حاضر مريم على تاريخ الخلاص بأسره. الوعد الّذي قطعه الله لداود كثمرة للعهد مع يعقوب. مريم هي ابنة العهد. ونحن أيضًا اليوم مدعوّون لنقرأ ماضينا على ضوء وعود الله لنا حتّى لا ننسى من أين جئنا؛ ومن هم أجدادنا وكلّ ما عاشوه لنصل إلى حيث نحن اليوم. هذه الأرض وعائلاتها تعرّضت للكثير من التّحدّيات، لكنّهم استمرّوا بالاجتهاد لبناء الحضارة والمستقبل.  

إنّ تَذكُرَ أجدادنا وكلّ ما عانوه هنا في هذه الأرض، يساعدنا كي لا نبقى سجناء للخطابات الّتي تزرع الانقسامات كأسلوب لحلّ النّزاعات. الذّاكرة هي العلاج الأفضل الّذي نملكه تجاه الصّعوبات اليوم وكلّ مشاكل الانقسام والنّفور. لقد سمحت الذّاكرة لمريم أن تشعر بانتمائها لشعب الله. سيساعدنا أن نتذكّر أنّنا أعضاء في شعب الله! نحن سكّان الفرزل جزء من شعب الله الكبير، شعبٍ يعرف أنّ ربّه حاضر معه ومن خلاله.

ثمّ يأتي جواب الملاك لمريم، "ما مِن شَيءٍ يُعجِزُ الله". عندما نعتقد أنّ كلّ شيء يتوقّف علينا، نبقى سجناء لقدراتنا وقوانا البسيطة. ولكن عندما نسمح لله أن يدخل في حياتنا وعندما ننفتح على النّعمة، يتحوّل المستحيل إلى حقيقة. وهذا الأمر تعرفه جيّدًا هذه الأرض الّتي، وعبر التّاريخ، قد أعطت العديد من المؤمنين والرّهبان والرّاهبات والكثير من الغنى لحياة الكنيسة. وجوه عديدة قد انفتحت على مبادرات الله وأصبحت علامة لمدى خصوبة الأرض الّتي لا تنغلق في أفكارها ومحدوديّاتها وقدراتها، بل تنفتح على الآخرين."

وإختتم المطران ابراهيم عظته قائلاً: "إنّ الله لا زال، كما في الماضي، يبحث عن حلفاء وعن رجال ونساء قادرين على الإيمان والتّذكّر والشّعور بأنّهم جزء من شعبه كي يعاونوه في نشر الرّوح المسيحيّة. إنّ الله لا زال يسير في أحيائنا وعلى دروبنا ويندفع إلى كلّ مكان بحثًا عن قلوب قادرة على الإصغاء لدعوته وتجسيدها هنا والآن. إنّ الله لا زال يبحث عن قلوب مُستعدّة، كقلب مريم، للإيمان حتّى في الأوضاع الغريبة والاستثنائيّة. ليُنمِّ الرّبُ فينا هذا الإيمان وهذا الرّجاء، بشفاعة أمه العذراء مريم وجميع القدّيسين، الآن وكلّ أوان وإلى دهر الدّاهرين. آمين. كل عيد وأنتم بألف خير".

وبعد القدّاس التقى المطران ابراهيم أبناء الرّعيّة في صالون الكنيسة.