الفاتيكان
08 نيسان 2020, 13:50

أين هو الله فيما يسير كلّ شيء بشكل سيّء؟

تيلي لوميار/ نورسات
خلال أسابيع الخوف هذه بسبب الوباء الّذي يجعل العالم يتألّم كثيرًا، من بين الأسئلة الّتي قد نطرحها على ذواتنا نجد أيضًا أسئلة حول الله: ماذا يفعل أمام ألمنا؟ أين هو فيما يسير كلّ شيء بشكل سيّء؟ لماذا لا يحلُّ لنا المشاكل بسرعة؟ إنّها الأسئلة الّتي نطرحها حول الله"، بهذا التّساؤل بدأ البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعيّ خلال المقابلة العامّة، وتابع بحسب "فاتيكان نيوز":

"يمكن أن تساعدنا رواية آلام يسوع الّتي ترافقنا خلال هذه الأيّام المقدّسة. حتّى هناك في الواقع تكثر التّساؤلات. فالنّاس وبعد أن استقبلوا يسوع استقبال المنتصرين في أورشليم، كانوا يتساءلون إن كان سيُحرّر الشّعب أخيرًا من أعدائه. لقد كانوا ينتظرون مسيحًا مقتدرًا ينتصر بحدِّ السّيف. ولكن وصل مسيح وديع متواضع القلب يدعو إلى الارتداد والرّحمة؛ والجمع الّذي كان قد رفع له الـ"هوشعنا" صرخ قائلاً فيما بعد: "ليُصلب!". أمّا الذين كانوا يتبعونه تركوه مرتبكين خائفين وكانوا يفكّرون: إذا كان هذا مصير يسوع فهو ليس المسيح إذًا لأنَّ الله قوي ولا يُهزم.

ولكن إن قرأنا رواية الآلام نجد واقعًا مدهشًا. عندما مات يسوع اعترف القائد الرّومانيّ الّذي كان قد رآه يتألّم على الصّليب وسمعه يغفر للجميع ولمس بيده محبّته الّتي لا حدّ لها إذ قال: "كانَ هذا الرَّجُلُ ابنَ اللهِ حَقّاً!". لقد قال عكس ما كان يقوله الآخرين، لقد قال إنّ الله موجود هنا حقًّا. يمكننا أن نسأل أنفسنا اليوم: ما هو وجه الله الحقيقيّ؟ نحن نعكس فيه عادة ما نحن عليه بأقصى الدّرجات: نجاحنا وحسّنا بالعدالة، وازدرائنا. لكنّ الإنجيل يقول لنا إنّ الله ليس هكذا. هو مختلف ولا يمكننا أن نعرفه بقوانا. لذلك اقترب منّا وجاء للقائنا وفي الفصح كشف لنا ذاته بالكامل. وأين كشف لنا ذاته بالكامل؟ على الصّليب. هناك نتعلّم ملامح وجه الله. لا ننسينَّ أبدًا أيّها الإخوة والأخوان الأعزّاء أنَّ الصّليب هو المكان الّذي يعلِّمنا الله منه. سيساعدنا أن نحدق النّظر بالمصلوب بصمت لنرى من هو ربّنا: إنّه الّذي لا يوجّه إصبع الاتّهام إلى أحد، ولا حتّى إلى صلبيه، بل يشرّع ذراعيه للجميع؛ هو لا يسحقنا بمجده بل يتجرّد من ذاته من أجلنا؛ هو لا يحبّنا بالكلام ولكنّه يبذل حياته من أجلنا بصمت؛ هو لا يجبرنا بل يحرّرنا، هو لا يعاملنا كغرباء ولكنّه يأخذ شرّنا وخطايانا على عاتقه. لكي نتحرّر من أحكامنا المسبقة على الله علينا أن نحدق النّظر إلى المصلوب ومن ثمَّ أن نفتح الإنجيل. خلال أيّام الحظر هذه لنحدق النّظر إلى المصلوب ولنفتح الإنجيل وسيكون هذا الأمر بالنّسبة لنا بمثابة ليتورجيّة بيتيّة لأنّه لا يمكننا أن نذهب إلى الكنيسة.

نقرأ في الإنجيل أنّه عندما عَلِمَ يسوعُ أَنَّ الناس يَهُمُّونَ بِاختِطافِه لِيُقيموهُ مَلِكًا، بعد تكثير الخبز على سبيل المثال، انصَرَفَ وعادَ وَحدَه إلى الجَبَل (راجع يوحنّا 6، 15). وعندما أرادت الشّياطين أن تكشف ألوهيّته أسكتها. لماذا؟ لأنّ يسوع لا يريد أن يُفهم بشكل خاطئ، هو لا يريد أن يخلط النّاس الإله الحقيقيّ الّذي هو محبّة متواضعة مع إله زائف إله دنيويّ يقدّم عروضًا استعراضيّة ويفرض نفسه بالقوّة. إلهنا ليس صنمًا، الله صار إنسانًا مثلنا وهو يعبّر عن ذاته كإنسان وإنّما بقوّة ألوهيّته. ولكن متى يعلن الإنجيل هويّة يسوع بشكل رسميّ؟ عندما قال قائد المائة: "كانَ هذا الرَّجُلُ ابنَ اللهِ حَقًّا!". لقد قيل ذلك هناك بعد أن بذل حياته على الصّليب لكي لا نخطئ بعدها أبدًا: نرى أنّ الله هو قدير في المحبّة وليس بأيّ شكل آخر. إنّها طبيعته وهكذا قد كوِّنَ. إنّه الحبّ!

يمكنك أن تعترض قائلاً: "وماذا يفيدني إلهًا ضعيفًا كهذا ويموت؟ أفضّل إلهًا قويًّا وقديرًا!" لكن هل تعرف أنَّ سلطة هذا العالم تزول فيما أنّ الحبّ يبقى. وحده الحبّ يحفظ لنا حياتنا لأنّه يعانق هشاشتنا ويحوّلها. إنَّها محبّة الله الّذي في عيد الفصح قد شفانا من خطايانا بمغفرته والّذي جعل الموت عبورًا إلى الحياة وحوّل خوفنا إلى ثقة وحزننا إلى رجاء. يقول لنا عيد الفصح إنّ الله بإمكانه أن يحوّل كلّ شيء إلى خير، وبأنّه يمكننا معه أن نثق بأنَّ كلّ شيء سيسير على ما يرام. وهذا ليس وهمًا لأنّ موت وقيام يسوع هما حقيقة! لذلك يقال لنا في صباح عيد الفصح: "لا تخافوا!" وبالتّالي فأسئلتنا المحزنة حول الشّرّ لا تختفي فجأة ولكنّها تجد في القائم من الموت الأساس الثّابت الّذي يمنعنا من الغرق.

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، إنّ يسوع قد غيّر التّاريخ إذ اقترب منّا وحوّله إلى تاريخ خلاص بالرّغم من أنّه لا يزال مطبوعًا بالشّرّ. وإذ بذل حياته على الصّليب انتصر يسوع على الموت أيضًا، ومن قلب المصلوب المفتوح تصل محبّة الله إلى كلِّ فرد منّا. وبالتّالي بإمكاننا أن نغيّر تاريخنا باقترابنا منه وبقبولنا للخلاص الّذي يقدّمه لنا. لنفتح له قلوبنا في الصّلاة ولنسمح له بأن ينظر إلينا فنفهم عندها أنّنا لسنا وحدنا وإنّما نحن محبوبون لأنَّ الرّبّ لا يتركنا ولا ينسانا أبدًا. وبهذه المشاعر أتمنّى لكم أسبوعًا مقدّسًا وفصحًا مجيدًا."