لبنان
19 حزيران 2023, 05:00

أساقفة الكنيسة المارونيّة في ختام السّينودس: سنبقى في أرضنا والكنيسة لن تسكت عن الظّلم

تيلي لوميار/ نورسات
إلتأم سينودس أساقفة الكنيسة المارونيّة في دورته العادية من 7 إلى 17 حزيران 2023 في الكرسيّ البطريركيّ في بكركي بدعوة من البطريرك الكاردينال مار بشاره بطرس الرّاعي، وحضور المطارنة والإكسرخوس الوافدين من أبرشيّات لبنان والنّطاق البطريركيّ وبلدان الانتشار حاملين في قلوبهم شؤون وشجون أبنائهم وانتظاراتهم وتطلّعاتهم.

شاركوا في مرحلة أولى، من 7 إلى 10 حزيران 2023، في الرّياضة الرّوحيّة الّتي ألقى عظاتها الأب الياس الجمهوريّ الرّاهب اللّبنانيّ في موضوع "ملامح الأسقف في الكنيسة في تفكير البابا بنديكتوس السّادس عشر".

وفي مرحلة ثانية، من 12 إلى 17 حزيران 2023، استهلّها البطريرك الرّاعي بكلمة افتتاحيّة استعرض فيها جدول الأعمال، ولفت إلى أنّه "بسبب الأضرار الجسيمة اللّاحقة بشعبنا تتّخذ الأوضاع الرّاهنة وقتها اللّازم."  

وبعد أن صلّى الآباء معًا وأصغوا لصوت الله وإلهامات الرّوح القدس، تدارسوا شؤونًا كنسيّة وراعويّة واجتماعيّة ووطنيّة وناقشوها بروح أخويّة ومشاركة مجمعيّة. وإتّخذوا التّدابير الكنسيّة المناسبة.

وفي ختام المجمع أصدروا البيان التّالي:  

"أوّلاً: في الشّأن الكنسيّ  

أ- التّنشئة الكهنوتيّة  

2-  إطّلع الآباء على تقارير المدارس الإكليريكيّة المولجة تنشئة كهنة الغد، وهي: الإكليريكيّة البطريركيّة المارونيّة في غزير، وإكليريكيّة مار أنطونيوس البادوانيّ في كرمسدّه، وإكليريكيّة سيّدة لبنان في واشنطن، والمدرسة المارونيّة الحبريّة في روما. كما اطّلعوا على تقرير اللّجنة المولجة تأمين التّنشئة الدّائمة للكهنة الجدد.  

أثنى الآباء على الجهود الّتي يبذلها المسؤولون عن التّنشئة في ظلّ الظّروف الاقتصاديّة والماليّة والاجتماعيّة السّائدة في لبنان لتأمين تنشئة تتناسب مع حاجات اليوم. ولاحظوا أنّ أزمة الدّعوات تتفاقم وأنّ عدد الكهنة يتناقص. فالتزموا بوضع راعويّة الدّعوات في أولويّاتهم على أن يسعوا جاهدين إلى تعزيز المرافقة الإنسانيّة والرّوحيّة والرّعائيّة في العائلة أوّلاً لأنّها منبع الدّعوات، ثمّ في المدرسة والرّعيّة والحركات الرّسوليّة، داعين الشّباب والصّبايا إلى تمييز صوت الرّبّ الّذي يدعو وإلى تلبية النّداء، وأن يولوا عناية خاصّة بتنشئة كهنة ورهبان وراهبات ومرسلين يتكرّسون لخدمة شعب الله في بلدان الانتشار.  

ب- التّنشئة المسيحيّة

3- ركّز آباء السّينودس في مداخلاتهم على ضرورة تنشئة مسيحيّة شاملة ومعمّقة ومستدامة ونوعيّة لجميع المعمّدين ومن كلّ الفئات، تستند إلى كلمة الله في الكتاب المقدّس وتعاليم الكنيسة والآباء.

فالتزموا معًا بمتابعة تأمين هذه التّنشئة وتكثيفها في المدارس والجامعات والمعاهد والمراكز الدّينيّة وذلك عبر:

تنشئة مسيحيّين علمانيّين ملتزمين يشاركون بكهنوت المسيح النّبويّ في الشّهادة للحقّ، والكهنوتيّ في تقديس الذّات والآخرين، والملوكيّ في الدّفاع عن حقوق الإنسان والعدالة، ويتحمّلون مسؤوليّاتهم في الكنيسة وفي المجتمع.

تنشئة مسيحيّين مواطنين وسياسيّين فاعلين يتكرّسون لخدمة الشّأن العامّ ولتعزيز العدالة والسّلام.  

وتنشئة كوادر يعملون معًا في الحقول السّياسيّة والاجتماعيّة والمدنيّة على نشر روح المواطنة وبناء دولة القانون.  

ج- الإصلاح اللّيتورجيّ

4-  إطّلع الآباء على أعمال اللّجنة البطريركيّة للشّؤون الطّقسيّة الّتي قدّم رئيسها تقريرًا تناول فيه مسألة طباعة الكتاب اللّيتورجيّ وفق القوانين الكنسيّة المرعيّة الإجراء، والتّصويت على بعض الاقتراحات المرفوعة إلى السّيّد البطريرك حول أعياد القدّيسين، والتّصويت النّهائيّ على النّصوص المرسلة إلى دائرة الكنائس الشّرقيّة في الكرسيّ الرّسوليّ وهي: كتاب الإرشادات الطّقسيّة، رتبة العماد والميرون، رتبة الخطبة والإكليل.  

ثمّ عرض سير العمل في التّرجمة الفرنسيّة لكتاب القدّاس المارونيّ.

أقرّ الآباء إدراج القدّيس شارل دي فوكو في روزنامة الكنيسة المارونيّة بحيث يكون عيده في أوّل كانون الأوّل من كلّ سنة.

أثنى الآباء على الجهود الّتي يقوم بها أعضاء اللّجنة الطّقسيّة، وشدّدوا على أنّ اللّيتورجيا هي من عناصر وحدة كنيستنا المنتشرة في العالم وتحتاج إلى إصلاح يأخذ في عين الاعتبار الحفاظ على التّقليد من جهة والانفتاح على لغة شعب الله بحيث يعطى دورًا أكبر في المشاركة.  

د- الشّؤون القانونيّة وخدمة العدالة  

5- إستمع الآباء إلى تقارير الأساقفة المولجين السّهر على خدمة العدالة في محاكمنا الالتدائيّة والاستئنافيّة فتوقّفوا عند الأزمة الاقتصاديّة والماليّة والاجتماعيّة الخانقة الّتي ترخي بظلّها المخيف والثّقيل على عمل محاكمنا. وأشاروا إلى أنّهم يبذلون الجهود الكبيرة لاستقبال المتقاضين والإصغاء إليهم ومرافقتهم وتسريع إصدار الإحكام ومنح المعونات القضائيّة والحسومات حيث تدعو الحاجة.  

لفت الآباء في التّقارير عودة عدد الدّعاوى إلى معدّلها السّنويّ العاديّ بعد أن كانت قد تزايدت في ظلّ وباء كورونا، ولكنّهم لاحظوا تفاقم الأزمة الاخلاقيّة والنّفسيّة والرّوحيّة الّتي تؤدّي غالبًا إلى تفكّك العائلة. وأثنوا على التّضحيات الّتي يقدّمها العاملون في المحاكم وعلى البرامج المحاذية للعمل القضائيّ والمكمّلة الّتي تنظّمها المحاكم، من مثل مراكز الإصغاء والوساطة والمرافقة القانونيّة والنّفسيّة، بالتّعاون مع الأبرشيّات ومكتب راعويّة الزّواج والعائلة في الدّوائر البطريركيّة واللّجنة الأسقفيّة للعائلة والحياة.  

ه- الشّؤون الإداريّة والرّعويّة

6- إطّلع الآباء على تقارير مكاتب الدّائرة البطريركيّة والمؤسّسات البطريركيّة والمارونيّة.

وتوقّفوا بنوع خاصّ أوّلاً على تقرير مكتب راعويّة الشّبيبة الّذين يعملون بنشاط وحماسة وفرح متخطّين كلّ العقبات الاقتصاديّة والمادّيّة والاجتماعيّة لزرع الرّجاء في قلوب إخوتهم الشّباب ودعوتهم إلى الالتزام ببناء مجتمع جديد، وذلك عبر النّشاطات والمبادرات الّتي ينظّمونها على مساحة الأراضي اللّبنانيّة، ومن أهمّ هذه المبادرات: مشروع الأيّام الرّسوليّة للشّبيبة في المناطق البعيدة جغرافيًّا أو في الأطراف. ومشروع "سوق يا عيني عَ البَلَدي" الّذي يقام في مناطق عدّة من لبنان وبهدف السّماح لصغار المزارعين بأن يعرضوا ويبيعوا منتوجاتهم مباشرة إلى المستهلك. ومشروع التّنشئة مع شبيبة الأبرشيّات، ومشروع تنظيم لقاء الشّبيبة في لبنان بالتّزامن مع الأيّام العالميّة للشّبيبة في البرتغال في آب المقبل. وأخيرًا تحضير الأيّام العالميّة للشّبيبة المارونيّة.  

إنّهم قلب الكنيسة النّابض ومستقبلها الواعد.  

وتوقّف الآباء ثانيًا على تقرير مكتب راعويّة المرأة الّذي يعمل منذ ثلاث سنوات على تحضير سينودس خاصّ بالمرأة. وإطّلعوا على الوثيقة السّينودسيّة بعنوان: "دعوة المرأة ورسالتها في تدبير الله وحياة الكنيسة والمجتمع"، وتحتوي على مقدّمة وثلاثة فصول تعالج التّحدّيات والثّوابت والسّياسات والتّوجّهات الّتي تشكّل اقتراحات وتوصيات لتعزيز دور المرأة ومكانتها ورسالتها في الكنيسة وفي المجتمع. وناقشوها بإسهاب وأثنوا على الجهود المبذولة وعبّروا عن تقديرهم للعمل الجدّيّ والعلميّ الّذي قام به أعضاء المكتب والخبراء. وسيقدّمون ملاحظاتهم كي يعيد المكتب النّظر في صياغة النّصّ ويكمل مسيرته السّينودسيّة.

ثانيًا: في الشّأن الرّعويّ

أ- أوضاع الأبرشيّات في النّطاق البطريركيّ

7-  إستعرض الآباء أوضاع الأبرشيّات في لبنان وبلدان النّطاق البطريركيّ. وتوقّفوا عند الحاجات المتزايدة الّتي يواجهها أبناؤهم وبناتهم في ظلّ الأوضاع الاقتصاديّة والماليّة والاجتماعيّة والمعيشيّة والأمنيّة المتدهورة، لاسيّما في لبنان وسوريا، والّتي أوصلتهم إلى حالة فقر وبطالة وعوز، وأجبرت الكثير من العائلات والشّباب والنّخبة في المجتمع على الهجرة القسريّة. وهي ظاهرة تشكّل انعكاسًا خطيرًا على هويّة لبنان ودوره ورسالته وعلى حضور المسيحيّين في الشّرق الأوسط.

كما توقّفوا عند أوضاع أبنائهم في بلدان الخليج الّذين كان عددهم يتزايد قبل بدء أزمة كورونا؛ وما نتج عنها من انكماش اقتصاديّ جعل البعض منهم يفكّرون بالعودة إلى الوطن.  

قدّر الآباء الجهود الّتي يقوم بها مطارنة هذه الأبرشيّات والتّضحيات الجبّارة الّتي يقدّمونها بالتّعاون مع كهنة الرّعايا والعلمانيّين الملتزمين في حقل الخدمة الاجتماعيّة والجمعيّات الكنسيّة والمدنيّة في سبيل تأمين المساعدات الضّروريّة لأبنائهم وعيش القرب منهم وتشجيعهم على الثّبات في أرضهم والحفاظ على إيمانهم بالله ورجائهم بمستقبل أفضل.  

وتقدّموا بالشّكر من الأبرشيّات المارونيّة في بلدان الانتشار ومن المؤسّسات العالميّة، الكنسيّة والمدنيّة، على تضامنها ودعمها ومساعداتها السّخيّة.  

ب- أوضاع أبرشيّات الانتشار  

8- تداول الآباء كذلك أوضاع أبرشيّات الانتشار في أوروبا وأفريقيا وأميركا وأوقيانيا وحاجات بعضها. وتوقّفوا بشكل خاصّ عند أبرشيّة فرنسا وإكسرخوسيّة كولومبيا مع البيرو والإكوادور الّتي لا تزال تعاني من نقص في الكهنة وفي الدّعم الماليّ، وأبرشيّة الأرجنتين مع بوليفيا وتشيلي والباراغواي والأوروغواي، وأبرشيّة نيجيريا والزّيارة الرّسوليّة لموارنة بلدان أفريقيا الجنوبيّة، وأبرشيّة أستراليا ونيوزيلندا وأوقيانيا الّتي تحتفل في أيلول المقبل باليوبيل الذّهبيّ على تأسيسها.  

وتوقّفوا عند ظاهرة هجرة الموارنة واللّبنانيّين المتزايدة نحو بلدان الانتشار الّتي تطرح إشكاليّة تناقص أعدادهم في الأوطان الأمّ وتزايد الحاجات الرّعويّة لخدمتهم في الأوطان الجديدة والمضيفة. وطالبوا أبناءهم الوافدين بعدم قطع الرّوابط مع كنيستهم الأمّ وأوطانهم الأمّ وبالحفاظ على حقوقهم المدنيّة الكاملة فيها.  

وقدّر الآباء ما يقوم به مطارنة الانتشار من جهود في سبيل جمع شعبهم وتوعيته على هوّيته وتراثه وتاريخه عبر الحفاظ على اللّيتورجيا وعلى اللّغتين العربيّة والسّريانيّة في المدارس والرّعايا، إضافة إلى التّعليم المسيحيّ.  

وأوصوا بأن تكون مسألة تنشئة كهنة ورهبان وراهبات للرّسالة في بلدان الانتشار في سلّم أولويّات أبرشيّات النّطاق البطريركيّ والرّهبانيّات.  

ثالثًا: في الشّأن الاجتماعيّ والتّربويّ وخدمة المحبّة  

9- تداول الآباء في الحالة المعيشيّة المتدهورة في لبنان بسبب الأزمات المتراكمة وفقدان العملة الوطنيّة قيمتها وارتفاع أسعار السّلع والمواد الغذائيّة والمحروقات وانقطاع الدّواء؛ ما أوصل أبناءهم وبناتهم إلى حالة الفقر وانعدام القدرة على تأمين الحاجيات الضّروريّة للحياة اليوميّة.  

وتداولوا كذلك في واقع المؤسّسات الكنسيّة، وبخاصّة تلك التّربويّة والصّحّيّة والاجتماعيّة، الّتي تمرّ في مرحلة صعبة ودقيقة على المستويين الماليّ والإداريّ نظرًا إلى الظّروف المعيشيّة الرّاهنة وإلى عدم قدرة الدّولة على دفع مستحقّاتها، وعدم قدرة المؤسّسات على القيام بمتوجّباتها حتّى بات العديد منها مهدّدًا بالإقفال، وعدم قدرة المواطنين على النّهوض بأعباء الحياة.  

10- عبّر الآباء عن قلقهم البالغ حيال هذا الواقع وأكّدوا أنّهم يجدّدون وقوفهم إلى جانب شعبهم وتقديم كلّ المساعدات الممكنة عبر مؤسّساتهم الكنسيّة المختصّة، من بطريركيّة وأبرشيّة ورهبانيّة، وبخاصّة مؤسّسة كاريتاس لبنان. وعبّروا عن شكرهم للمؤسّسات الخارجيّة الّتي تساند هي أيضًا.

وأكّدوا من جهة ثانية مطالبة الدّولة القيام بواجباتها نحو حقوق المؤسّسات التّربويّة والصّحّيّة والاجتماعيّة وحقوق المواطنين الّذين يؤدّون واجباتهم كاملةً بدفع الرّسوم والضّرائب والمتوجّبات الإداريّة والمدنيّة.  

وثمّنوا عاليًا روح التّضامن الّتي تتجلّى لدى إخوتهم اللّبنانيّين بنوع خاصّ، مقيمين ومنتشرين، أفرادًا وجماعات، ولدى أصدقائهم عبر العالم، في تقديم المساعدات المعنويّة والماليّة والعينيّة إلى المحتاجين لتخفيف مآسيهم ومواجهة الحالة الكارثيّة الّتي وصلوا إليها.

وهم يشكرون أبرشيّات الانتشار والمؤسّسات الكنسيّة والمدنيّة على الإسهامات الّتي تقدّمها لدعم الحاجات المعيشيّة والطّبّيّة والاستشفائيّة والمدرسيّة والجامعيّة.

رابعًا: في الشّأن الوطنيّ

11- إنّ تراكم الأحداث في لبنان والأخطاء السّياسيّة والجرائم الماليّة والتّمادي في سياسة الفساد خلال العقود الثّلاثة الأخيرة أدّى إلى تهالك الأخلاق والقيم على صعيد الحياة الاجتماعيّة والسّياسيّة والإعلاميّة، وإلى تفكّك الدّولة على صعيد سلطاتها ومؤسّساتها وإداراتها حيث تمكّنت طبقة سياسيّة غالبًا ما تقوم على الزّعاماتيّة الزّبائنيّة من وضع يدها على الدّولة اللّبنانيّة مسخّرةً مؤسّساتِها ومقدّراتها لمصالحها الخاصّة ولو على حساب الشّأن العامّ وحقوق المواطنين. وأدّى أيضًا إلى ارتفاع نسبة الهجرة لدى الشّباب اللّبنانيّ وإلى الافتقار إلى فرص العمل وتثقيل المهجّرين السّوريّين الأعباء على خزينة الدّولة وعلى المواطنين في سوق العمل والهدر الخدماتيّ والتّهديدات التّربويّة والأمنيّة والدّيمغرافيّة. وبات لبنان اليوم يعاني من أزمة مصيريّة تكمن عقدتُها الكبرى في الاستهتار المتمادي عند البعض بوجوب إتمام استحقاق انتخاب رئيس الجمهوريّة يتبعه تشكيلُ حكومة تضع في أولويّاتها تنفيذَ الإصلاحات الملحّة.

لذا إنّنا ندعو السّادة النّوّاب إلى القيام بواجبهم الوطنيّ والدّستوريّ وانتخاب رئيس للجمهوريّة، ثمّ الإسراع في تشكيل حكومة مؤهّلة وقادرة تمتلك برنامجًا إصلاحيًّا ديناميًّا بحيث يكتمل عقد السّلطات ويتأمّن توازنها وتعاونها بإرادة وطنيّة جامعة.  

12- يؤيّد الآباء تأييدًا كاملاً مواقف أبيهم صاحب الغبطة والنّيافة البطريرك مار بشاره بطرس الرّاعي الّذي يقوم بالمساعي الحثيثة لتعميق التّفاهمات بين جميع اللّبنانيّين. وقد أكّدت هذه المساعي من جديد على دور البطريرك المؤتمن التّاريخيّ على كيان لبنان ووحدة أبنائه وعلى دور بكركي الّتي كانت وستبقى دارًا للتّلاقي والحوار بين كلّ الأطراف اللّبنانيّين. ويدعونه إلى متابعة هذه المساعي لجمع اللّبنانيّين وإقامة الحوار فيما بينهم، حوار المحبّة في الحقيقة، لأنّ هذا الحوار بات ضروريًّا من أجل قراءة نقديّة لأحداث الماضي وتنقية الذّاكرة وفتح الطّريق أمام المصالحة الشّاملة.  

13- يؤكّد الآباء على مواقفهم الدّاعية إلى وعيٍ وطنيّ وصحوة ضمير لدى جميع المسؤولين السّياسيّين ليتعالوا عن مصالحهم الشّخصيّة والفئويّة الضّيّقة ويعملوا للخير العامّ ومصلحة لبنان العليا في الظّروف الرّاهنة الّتي تشهد تحوّلات جيوسياسيّة كبيرة في منطقة الشّرق الأوسط والعالم.  

كما يؤكّدون على تمسّكهم بالثّوابت الوطنيّة، أيّ العيش المشترك والميثاق الوطنيّ والدّستور والصّيغة التّشاركيّة بين المكوّنات اللّبنانيّة في النّظام السّياسيّ وتطبيقها بشكل سليم. فيعملون معًا على بناء دولة حديثة بكلّ مقوّماتها، أيّ دولة وطنيّة لبنانيّة جامعة، دولة قانون وعدالة، دولة مشاركة، ودولة مواطنة يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات، دولة تحترم تنوّع الانتماءات الدّينيّة تحت سقف الانتماء الوطنيّ والولاء للوطن، كما كان يردّد البطريرك الياس الحويّك.  

خاتمة

14- في الختام يتوجّه الآباء إلى أولادهم المنتشرين في كلّ أصقاع الأرض، ويقولون لهم:  

أنتم تطلبون منّا، نحن الرّعاة، شهادة حيّة في عيش خدمتنا الرّاعويّة على مثال المسيح.  

إننا نسمع صراخكم وأنينكم ونتحسّس وجعكم في ظروفنا المأساويّة. ونسعى إلى أن نقوم بموجبات الرّعاية. ونقول لكم إنّ الكنيسة هي أمّ. تحضن أبناءها وبناتها بحنان وعطف وتسعى إلى خدمتهم بمحبّتها وتضحيتها. تطالبونها بالكثير وهي تضع كلّ إمكاناتها في خدمتكم وترافقكم وتحمل همّكم.

وبالرّغم من الأوضاع الكارثيّة الّتي تدعو إلى اليأس، لدينا الكثير من العوامل الّتي تدعونا إلى الرّجاء: وهو يتجلّى في شبابنا، وعائلاتنا، وأمّهاتنا ونسائنا، وكهنتنا، ورهباننا وراهباتنا، وأساقفتنا. إنّهم هنا صامدون معكم في وجه تجربة الهجرة أو الاستسلام. ويتجلّى أيضًا في أبنائنا وبناتنا في بلدان الانتشار الّذين هم جزء لا يتجزّأ من تاريخنا وتراثنا ومستقبلنا ويشكّلون اللّوبي الرّوحيّ والاقتصاديّ والسّياسيّ لكنيستنا وبلداننا.  

رجاؤنا كبير بالمسيح الّذي غلب العالم بموته وقيامته، وقال لنا: لا تخافوا! أنا معكم إلى منتهى الدّهر. وهو لا يخيّب من يرجونه! إنّه الطّريق والحقّ، والحياة!  

سنبقى في أرضنا شهود المحبّة وأنبياء الحقّ. ثابتين في إيماننا ورجائنا.

والكنيسة لن تسكت عن الظّلم، وستبقى صوت الحقّ يعلو في وجه سالبيه! وتسعى مع أبنائها وبناتها إلى تحقيق ملكوت الله في العالم، ملكوت المحبّة والعدالة والأخوّة والسّلام، بشفاعة العذراء مريم رفيقة دربنا، وجميع قدّيسينا شفعائنا في السّماء".