أحد آباء المجمع المسكوني الرابع
في الأحد الذي يقع بعد الحادي عشر من تموز نقيم تذكار الآباء القدّيسين الذين اجتمعوا في المَجْمَع المسكونيّ الرابع سنة 451م. هؤلاء اجتمعوا ليقولوا الكلمة الفصل في حقيقة الإيمان الذي سُلِّمَ مرّة واحدة للقدّيسين، ولا يَقبَل أيّ تغيير أو يسمح بتشويه الحقيقة التي أعلنها الربّ في نزوله من السماء ولبسه طبيعتنا البشريّة (تجسُّده) لكي يذهب بطبيعتنا إلى الموت المحكومة به ويقيمها بقوّة الألوهة التي فيه ويمنحها الحياة من جديد ثمّ يصعد بها إلى السماء ويمجِّدها بالمجد الذي له.
أيُّ قولٍ يُجانِبُ هذه الحقيقة ويَحْرِفُ مَسارَ حياة الإنسان عنها، تحاربه الكنيسة وتَعتبره خطرًا على خلاص الناس، لأنَّ الحياة تكمن في الحقيقة الإلهيّة والهلاك يكمن في البُعدِ عنها. فمَن يرفض تنازل الإله إلينا، هو في الحقيقة يَرفُض تواضُعَ الله ومحبّته ولا يريد أن يقتدي بالله في التواضع والمحبّة. ومَن يرفض جَمْعَه للطبيعة الإلهيّة والبشريّة في شخصه الإلهي يرفض إعلاء الله لشأن الإنسان بكونه مخلوق على صورة الله، أي يرفض هذا الشرف الذي كرّمه الله به. فإنْ كان الإنسانُ مخلوقًا على صورة الله أفلا يَقبَل اختراق نعمة الله له؟ أفلا يَقبَل أنْ يتمجَّد من الله؟ ومَن يرفض موتَ الربّ على الصليب يرفض إماتة الربِّ للموت، ويرفض إقامته لنا من الموت، ويرفض الحياة التي أعادها لنا. ومَن يرفض صعوده بالجسد إلى السماء لِيَضُمّ طبيعتنا إلى مجده الأزلي يرفض أن ينال هو مجدَ الله، وباختصار يرفض أن يكون مع الله لأنّه حقًّا لا يُحبّ الله، وإنْ ادّعى محبّته.
مِن هنا أهمّية استقامة الإيمان، لأنَّ استقامة الإيمان تقود إلى استقامة السلوك في حياتنا اليوميّة. محبّة الله تجعلنا نحبّ خليقَةَ الله، وأوّلها الإنسان المخلوق على صورة الله. وتجعلنا نسعى لأن نشابه الله في المحبّة التي تُعطي ذاتها وترغب بالخير لغيرها، ولا تحسد.
آباء المَجْمَع المسكونيّ الرابع أوضحوا أنَّ الكلمة الإلهي ضمَّ إليه طبيعتنا وحافظ عليها ومَجَّدَها، ولم يسمح بذوبانها في طبيعته الإلهيّة كما قال أوطيخا. فلو كانت نار الألوهة اذابتها لاختَفَت من الوجود، وهذا ليس فعل المُحبّ. فمَن يقول هذا القول يسيء فهم محبّة الله لنا ويجعل لله صفات غير حقيقيّة، وتاليًا يصنع صورة لإله آخَر يعبده غير الله المحبّة.
الآباء الذين أوضحوا إيمان الكنيسة هم منارات لنا، مصابيح تُوضَع في مكان بارز لكي تُضيء علينا بتعاليمها التي تستقيها من نعمة الروح القدس الساكن فيها. إذ يُشرقُ نور المسيح من خلال هؤلاء الآباء القدّيسون علينا، ويعلّمنا بلسانهم. هم تلك المدينة التي على الجبل، التي يراها الجميع (مـّى 5: 15). تلك المدينة التي عانقت السماء وحلَّ مجد الله فيها، فصار هو نورُها: "مَجدُ الله يُنيرها والحَمَل مِصباحُها" (رؤيا 21: 23).