لبنان
15 حزيران 2021, 13:50

أبرشيّة زحلة وبعلبك وتوابعهما للرّوم الأرثوذكس فرحت في خميس الصّعود بشمّاس إنجيليّ جديد

تيلي لوميار/ نورسات
في خميس الصّعود، فرحت كاتدرائيّة القدّيسة نيقولاوس- زحلة بالشّمّاس الإنجيليّ الجديد الأخ أرسانيوس كوسا، بوضع يد متروبوليت أبرشيّة زحلة وبعلبك وتوابعهما للرّوم الأرثوذكس أنطونيوس الصّوريّ، خلال قدّاس العيد، عاونه فيه لفيف من الآباء الكهنة.

خلال القدّاس، ألقى الصّوريّ عظة جاء فيها: "نقول في قنداق عيد الصّعود: "لمّا أتممت التّدبير الّذي من أجلنا، وجعلت الّذين على الأرض متّحدين بالسّماويّين، صعدت بمجدٍ أيّها المسيح إلهنا، غير منفصل من مكان بل ثابت بغير افتراق، وهاتفٌ بأحبّائك: أنا معكم فليس أحدٌ عليكم".  

إذن هذا العيد هو اتّحاد الأرضيّين بالسّماويّين لا بل وكأنّ البشر أصبحوا في مرتبة أعلى من الملائكة، إذ في المسيح يسوع، صار الإله إنسانًا وصار الإنسان في الإله متألّهًا وجالسًا عن يمين العظمة الإلهيّة، عن يمين الآب، وهذا ما لم يُعطَ للملائكة. الملائكة لا تجلس عن يمين الآب، فقط وكما يقول الكتاب: "لِمَنْ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ قَالَ قَطُّ: "اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ؟"" (عب 1: 13).

في العهد القديم يقول الكتاب عن الإنسان:"أنقصته قَلِيلًا عَنِ الْمَلاَئِكَةِ، وَبِمَجْدٍ وَبَهَاءٍ قدسته" (مز 8: 5). أمّا في العهد الجديد في يسوع صار الإنسان فوق الملائكة، لأنّ الطّبيعة البشريّة جلست في أقنوم الإبن الوحيد عن يمين الله الآب...

المسيحيّة مبنيّة على الاتّحاد بالرّبّ يسوع، فالمعموديّة هي دخولٌ في الكنيسة الّتي هي جسد الرّبّ وهي اتّحادٌ بالله بسُكنى الرّوح القدس في الإنسان، كما في العنصرة سكن في الرّسل... يجب أن يكون الإنسان مستعدًّا لتسليم ذاته لله الآب بطاعة الإبن في صنعِ مشيئة الرّوح القدس...

نحن لا نطلب في هذا العالم ما هو فيه، نحن نطلب الله الّذي هو ممجّدٌ فيه لكي نعبر في العالم إلى وجه الله...

يا أحبّة هذا العيد العظيم الّذي نحتفل به اليوم ليس عيدًا نظريًّا أيّ أنّ المسيح صعد وانتهت القصّة... المسيح لم يصعد إلى السّماء إلّا ليصعدنا معه، ولكن هل نحن هنا نتمسّك بالأرض أم نصعد معه؟ الّذي يريد أن يصعد معه يجب أن يتحرّر من العالم. يقول الرّبّ في الإنجيل: "لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ، لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ، أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللهَ وَالْمَالَ." (متّى 6: 24).

فالمال هو السّلطة والملذّات والمقتنيات وحتّى أنّه مع السّلطة يقتني البشر، ألمال هو صورة عن اقتناء العالم. من هنا في مثل الغنيّ الجاهل الّذي أخصبت أرضه وظنّ أنّ له أموالاً كثيرة لسنين كثيرة، ارتاح لوضعه، فَقَالَ لَهُ اللهُ: يَا غَبِيُّ! هذِهِ اللَّيْلَةَ تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ، فَهذِهِ الَّتِي أَعْدَدْتَهَا لِمَنْ تَكُونُ؟" (لو 12: 20).

إذن لا شيء ينفع في لحظة دينونة الله إلّا أن يكون الإنسان كنَز لنفسه كنوزًا في السّماء وهي الأعمال الصّالحة، الصّلوات، التّوبة، المسامحة، تواضعنا وطلبنا للمغفرة واعترافنا بخطايانا. هكذا كلّ إنسان منّا مدعوّ إلى هذه القداسة وهذه النّعمة أن يسكن في المسيح والمسيح يسكن فيه كي يكون منذ الآن في السّماوات بالمسيح وعلى الأرض للمسيح وفي حياته شاهدًا للمسيح.

ألمسيح هو كلّ شيء، الّذي يرى في الدّنيا شيئًا آخر أو شخصًا آخر غير المسيح، هذا يعني أنّه لم يجد بعد معنى حياته، وما زال ضائعًا وضالًّا طريقه نحو الملكوت، لأنّه لم يرَ بعد اللّؤلؤة الحقيقيّة الصّادقة والمستقيمة، ليبيع جميع ما يملك ويشتريها (متّى 13: 45).

لذلك يا أحبّة هذا العيد هو دعوة لنا لنجدّد استقامتنا الدّاخليّة وجهادنا... أمانتنا ومحبّتنا وخدمتنا للمسيح هي أيضًا أمانة ومحبّة وخدمة لبعضنا البعض."

الشّمّاس الجديد قال الصّوريّ: "النّاس يوقّرون الشّمّاس لأنّهم يوقّرون المسيح الّذي فيه. الّذي يريد أن يكون شمّاسًا يجب أن يرى نفسه خادمًا للكلّ وتحت الكلّ... وأن يمجّد الله في حياته ويخدمه بكلّ غيرة وحماس وتقوى ونشاط بتواضع ودون تكبر لأنّ التّكبّر هو طريق إبليس للسّقوط عندما نستعلي."

ودعاه "في خضمّ الخدم اللّيتورجيّة وإقامة الأسرار إلى عدم خسارة التّقوى، "عظيم سرّ التّقوى ألله ظهر في الجسد".(1 تي 3: 16) لأنّ كلّ إكليريكيّ يتعرّض لفقدان التّقوى بسبب الانهماك بالخدم من حيث الشكل، في حين يجب علينا أن نؤدّيها أكنّا بمفردنا أو مع بعضنا كما اليوم بهدوء وصبر ومحبّة لنلج الجوهر .

الإنسان الخادم هو الّذي يعرف أنّه يخدم المسيح في كلّ إنسان. نؤمن أنّ الرّبّ يسوع موجود في كلّ إنسان لأنّ البشر خُلقوا على صورة الله، من يعرفونه الآن أنّه هو رسم أقنوم الآب، ومن لا يعرفونه، كلّهم على صورته أدركوا أم لم يُدركوا هذه الصّورة تتنقّى بالمعموديّة، وتعود إلى حقيقتها الّتي أوجدها الله فيها، ويجدّدها بالمعموديّة، وعليك أن تكون سالكًا بروح الخدمة في التّقوى في التّواضع في الورع وفي بذل الذّات بدون تأفّف.

أنت اليوم وكما يقول الكتاب: "الصَّانِعُ مَلاَئِكَتَهُ أرواحًا وَخُدَّامَهُ لَهِيبَ نَارٍ" (عب 1: 7)، مدعوٌ أكثر أن تحيا بالرّوح القدس وأن تهرب من الجسد ومن كلّ ما هو للجسد، فالجسد ليس المال والملذّات فقط، بل أن تهرب أيضًا من الغيرة والحسد والطّمع وحبّ المجد الباطل والمديح، وإلّا يقبض عليك الشّرّير. ضاعف أكثر وأكثر جهادك وصلاتك وتوبتك وقراءتك للكلمة الإلهيّة، حتّى يراك الرّبّ ويحفظك ويقدّسك ويعطيك كي تكون أهلاً له خادمًا. إقتدِ بشفيعك القدّيس أرسانيوس الكبادوكيّ الّذي كان يخدم في رعيّةً وعاش نسكه فيها، مستغرقًا في الصّلاة لدرجةٍ لم يكن يسمع طرق النّاس على الباب.

كان المرضى والمتألّمون يأخذون ترابًا من أمام قلّايته والرّبّ كان يشفيهم. هكذا نتعلّم أنّ القداسة لا تطال الشّخص فقط بل كلّ ما يحيط به، والإنسان بصلاته يقدر أن يخلّص المبتلين والمتألّمين ويعزّيهم "لأنّ طلبة البارّ تقتدر كثيرًا في فعلها" (يعقوب 5: 16).

فالله يباركك ويقدّسك ويبارك حياتك ويثبّتك ويجعلك أمينًا صادقًا مستقيمًا في كلّ حين مهما كلّف الثّمن. إيّاك وأن تبتعد عن الاستقامة حتّى على قطع رأسك. نشكر الرّبّ عليك وعلى أهلك الّذين سبقوا وأحسنوا تربيتك الصّالحة، وأعطوا الكنيسة شخصًا منذورًا لله ومكرّسًا. ونسأل الله أن يعطينا في الكنيسة أن نجد مَن هم أمناء في الحقّ حارّين بالرّوح أنقياء بالقلب، ليكونوا خدّامًا لمذبح الرّبّ، وكلّ عام وأنتم بخير".