لبنان
21 تموز 2016, 09:40

أبرشية بيروت المارونية اختتمت إحتفالاتها اليوبيلية لأسقفية راعيها مطر: الصلاة لن تنقطع لكي ينزل الله على أرضنا سلامه

اختتمت أبرشية بيروت المارونية احتفالاتها باليوبيل الأسقفي الفضي لراعيها المطران بولس مطر بمأدبة عشاء، أقيمت في فندق الحبتور- هيلتون في سن الفيل وشارك فيها: النائب عبد اللطيف الزين ممثلا رئيس مجلس النواب نبيه بري، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع سمير مقبل ممثلا رئيس مجلس الوزراء تمام سلام، الرئيس أمين الجميل، النائب إبراهيم كنعان ممثلا العماد ميشال عون، النائب محمد الحجار ممثلا الرئيس سعد الحريري، السفير البابوي المونسنيور غبريللي كاتشا، وزير السياحة ميشال فرعون، صولانج الجميل، منى الهراوي، ولفيف من المطارنة والرؤساء العامون، وسفراء عرب وأجانب ووزراء سابقون ونواب حاليون ونقباء المهن الحرة ورؤساء الهيئات القضائية ورؤساء بلديات ورؤساء جامعات ومدارس الحكمة وهيئاتها ومجالس الرعايا في أبرشية بيروت وأوقافها.

الجلخ
افتتح الحفل بالنشيد الوطني اللبناني وبكلمة ترحيب وتعريف للمحامي رشيد الجلخ جاء فيها: "إن رسالتنا هي أنتم مكتوبة في قلوبنا" هو مسارك المبارك، يا صاحب السيادة المطران بولس مطر، وقد زرعته حبا وتضحية وتعليما وتدبيرا وتقديسا، وجعلته علامة منيرة من علامات أسقفيتك وقد التقت على شكرها وحمدها شهادة خدام هيكل الرب، أحبارا واكليروسا وشهادة عباد هيكل الرب، جمهور المؤمنين العلمانيين، فكان التقاء الشهادتين التجسيد البهي لمشاعر الإكبار والإحترام حيال شخصكم العامل دوما وبترسل عميق في خدمة الكنيسة والإنسان ولبنان (...).

رزق
وألقى الوزير والنائب السابق إدمون رزق كلمة بعنوان "نستوحي سيرته"، وجاء فيها:
أبناء "الحكمة"، من أين أتوا وأنى ارتحلوا، هم في أبرشية وليها، متحلقون حول رئيس أساقفة بيروت، العاصمة الميمونة، حاضنة جميع اللبنانيين. بهذه الصفة، شاءني الإخوة أن اتكلم: "فؤاد بولس"، رجل قلب، كإسمه، وحامل رسالة، كدعوته. خادم مذبح، أستاذ ومرب، راعي أبرشية. واعظ وموجه. بان ومؤسس، على رتبة "ملكيصادق". وأن تكون "كاهنا الى الأبد"، ما تعددت الدرجات، هو الجوهر. فلأنت على درب ابن الانسان، جلجلة وقيامة" 
اضاف: "مذ عرفناه، واكبنا مسيرته وخبرنا أداءه، صدق موقف وسداد رأي. بدأ المطران بولس مطر خدمة "الحكمة"، منذ ثلاث وأربعين سنة، مديرا ورئيسا، ثم وليا لعشرين. فهو الخامس عشر في سلسلة مطارنة بيروت، والأطول زمنا في رفقتها، بين الخمسة الذين تولوها منذ تأسيسها، قبل مئة واحدى واربعين سنة. فيوبيله الحبري فضي، الحكموي مذهب، والمولد ألماسي!"

وتابع: "حياته حافلة باشارات الدعوة الروحية، وعلامات الاستجابة، نتنورها العشية، في جمع الصداقة والإخاء. أستوحي سيرة المطران الملفان، وأستلهم عظة البطريرك، حامل أمانة ستة وسبعين من أسلافه البررة، وسائر الأحبار والمكرسين الحاضرين، السامي احترامهم، غير منتحل دورا ولا مدع فضلا، لا متباهيا، ولا متواضعا، لا متطيفا ولا متمذهبا، بل مجرد مواطن علماني مؤمن، خادم قضية، على رتبة مارون، لأقول: 
نحن، شعب الفلاحين والرعاة، معماريي العقد المرصوص، حجرا وحصاة، المنيع بوجه الإعصار، العصي على اقتحام الخيل، الصامد في أزمنة الاضطهاد والعدوان، المتجذر وإن هاجر، العائد إما هجر... نحن، بني من عاركوا الدهر، روضوا البحر، أخصبوا الصخر، صدوا الغزوات، قاوموا الاحتلالات، واجهوا الإبادة تجويعا، سيقوا الى المشانق، جورا وطغيانا، أبوا الذمية والتقية، صاموا وصلوا في البرية، أحبوا ولم يبغضوا، غفروا ولم يحقدوا، باركوا ولم يلعنوا، عفوا عن المغانم ولم يدينوا، آمنوا ولم يشكوا، ارتفعوا تواضعا، انتشروا حضارة، قلموا القصب وتمنطقوا الدواة، تعلموا، فتحوا المدارس وعلموا، طبعوا الكتب، حفظوا العربية، بحرفهم السرياني، أتقنوا الشريعة، خرجوا الفــقهاء، صنعوا نهضة المشرق، عاصروا المستقبل وضاربوا على المحال، اختاروا لبنان الكبير تآخيا، والجمهورية السيدة المستقلة نظاما، الحكم شراكة مسؤولية، والانسانية انفتاحا كونيا".

وقال: "في يوبيل مطراننا الجليل، وجمع الخلص الأصفياء، نزداد محبة للآخر المختلف، وأخوة للجار المؤتلف، اعتزازا بتعددنا المتكامل، وهويتنا الثقافية المولودة والمكتسبة، مؤكدين التزام الخيار التاريخي، المشارف مئويته الأولى، للمثلث الرحمة والمكلل بالمجد، الياس الحويك، مهما بدا مستحيلا... فلبنان الواحد، ارضا وشعبا ومؤسسات، شعار أطلقناه نحن، هو رهاننا الأوحد".

واكد "ان أبرشية بيروت، في يوبيل راعيها، تعاهده على الوفاء، وعلى البقاء، حتى الانقضاء، في كنف البيعة المقدسة، المطهرة من الدنس والعيب، المترفعة عن الدنيويات والمنزهة عن الدنايا، الزاهدة المتقشفة، عزة وآنفة، الواحدة المقدسة الرسولية، لا نلتمس حماية ولا نرتضي وصاية، لا نستعطي حصصا ولا نتسول مراكز، منذورين لبذل وعطاء، لخدمة وبناء، لا نستثني لبنانيا ولا نتخلى عن حبة تراب فإلى سنين مفعمة بالأمل والرجاء، يا سيدنا بولس، برخمور ريش كوهنه".

مرهج
ثم ألقى النائب العام لأبرشية بيروت المونسنيور جوزف مرهج كلمة جاء فيها: "إنه الواجب، فكنا له كما تعودنا أن نكون. ولسان حالي شعار بلبل المنابر الصداح وأميرها، رحمات الله عليه، ابن الحكمة الأغر، النقيب ملحم كرم، "علمتني الحقيقة أن أكرهها فما استطعت".

اضاف: "حق له وواجب علينا. حبر من أحبار الكنيسة المارونية، يحتفل بيوبيله الفضي لخدمته الأسقفية التي قضى منها عشرين عاما، مسؤولا مباشرا عن أبرشية بيروت العزيزة، وجه المارونية دينا ودنيا ورمز الوجود المسيحي المشرقي في لبنان والمشرق العربي، هكذا كانت وهكذا يجب أن تكون. واجتمع الحق والواجب وكانت المناسبة التي نحن فيها ولها. تركت صومعتي القسرية التي ارتضيت طوعا لمشيئة الله وليس إلا، انسجاما مع شعاري الكهنوتي الذي التزمت به واعيا مسؤولا وبقرار حر بعد معاناة "ليل فرنسوا دي لاكروا" الإيماني: "لتكن مشيئتك لا مشيئتي". وهكذا أحاول أن أعيش المناسبة العزيزة معكم مع النكهة الخاصة التي تطبع علاقتي بصاحب اليوبيل والمعروفة للقاصي والداني منذ سنة 1952، عندما دخلنا إكليريكية مار عبدا - هرهريا سوية(...)".

وتابع: "وبعد هذه المسيرة الأسقفية الحافلة بالإنجازات والإرشادات وفي هذه الأبرشية بنوع أخص لمدة عشرين عاما، كان لا بد من التنويه إليها، لا لشيء، إلا شهادة للحقيقة الدامغة وعرفانا بالجميل. إنجازات عديدة ومتعددة وفي كل الحقول والميادين، يضيق الوقت بتعدادها، إلا إنها صارخة شاهدة بالبناء والهندسة والحداثة والتألق، إرثا ثمينا للآتين من بعدنا وأمانة في أعناق الأجيال الآتية لمزيد من التطوير والتألق والخدمة. وإرشادات جمعت ووثقت في مجلدات بعنوان "في خدمة الإنجيل"، يجد فيها الباحث والمنقب عن الحقيقة في هذه المرحلة من تاريخنا ضالته المنشودة، وفي كل الحقول والميادين، وخصوصا في الفلسفة الاجتماعية والسياسية، وهذا اختصاص صاحب اليوبيل في الفكر والكتابة والقول والفعل والحياة. فمن يذكر "بولس مطر" لا بد أن يستذكر، وعلى سبيل المثال لا الحصر، كاريتاس - لبنان، ومدرسة الحكمة، وبعدها مطران بيروت وجامعة الحكمة ومدارسها وإكليريكيتها وكاتدرائيتها "لؤلؤة الشرق" وغيرها وغيرها".

ودعا للمطران مطر "في يوبيلك الميمون، وبعد أن نترك للتاريخ أن يحكم ولفاحص القلوب والكلى أن يجازي، بدوام الصحة والعافية لتكمل المسيرة ما قدركم الله على ذلك، ولأبرشيتنا العزيزة دوام التألق والمسؤولية".

وختم: "أما كنيستي المارونية العزيزة، فأنتهز هذه المناسبة الكريمة والجامعة لأقول: من قلب المعاناة والضمير والوجدان والتاريخ أرفع النداء عاليا، مع ناسك الفاتيكان، وهذه الكنيسة المحلية المجتمعة اليوم بكل أطيافها، لأقول: "أواه كنيستي إلى أين؟". كنيستي التي كانت مذ كانت وستبقى، حاملة صليب المسيح وشاهدة له وعلى غراره مصلوبة بين الشرق والغرب. وهذه هي وهذا دورها وهذه رسالتها وإلا فلن تكون. فلا الغرب فهمها كما يجب واستفاد من خبرتها وتجاربها وتفاعلها مع محيطها والعالم، ولا الشرق أيضا تفهمها كما يجب ولا استفاد من خبرتها وتفاعلها. وهي، هي هي، تعيش الأمل والرجاء بثبات الإيمان والعقيدة وبقوة الروح الذي أرساها ويعيشها ويحفظها".

مطر
كلمة الختام كانت للمطران مطر، فقال: "أشكر الله أولا على أنه منحني نعمة الخدمة في كنيسته وهي أكبر نعمة يمكن أن يحظى بها إنسان، حيث يشارك الرب مباشرة في عملية الخلاص. وأقر أمامكم إن هذه النعمة ما كانت وصلت إلي لولا صلاة أهلي ومحبتهم للكنيسة، وقد أسهموا في الأربعينات من القرن الماضي في بناء بيت للرب جديد في البلدة التي خرجت منها. فلهم في المقابل صلاتي وسؤالي الرحمة للأموات منهم والتوفيق للأحياء ولقياهم جميعا في ظلال العلي إلى الأبد".

اضاف: "إني أكرر شكري الخالص لأبينا صاحب الغبطة والنيافة مار بشارة بطرس الكلي الطوبى لترؤسه قداس الشكر الذي أقمناه في الكاتدرائية وهو الذي لا يترك سانحة دون أن يضع لبنان نصب عينيه ومصير الشرق بمسلميه ومسيحييه معا في اهتماماته وحثيث مساعيه. فله منا كل الأدعية ليسنده الله بيمينه وليلهمه إلى ما فيه خير الوطن والمنطقة بأسرها. والشكر المكرر لكم جميعا أيها الأحباء، قادة روحيين وزمنيين وأبناء للكنيسة والوطن، يا من تحملتم اليوم الكثير من أجلي، وصنعتم هذا التكريم لشخصي غير المستحق فأردد أمامكم ما يقوله صاحب المزامير في الكتاب المقدس: "لا لنا يا رب لا لنا لكن لاسمك. أعط المجد لأجل رحمتك وحقك". ومن أعز منكم على قلبي لأكشف أمامهم مكنونات صدري. ففي هذا اليوم الذي أذكر فيه نعمة إحدى وخمسين سنة أعطيت لي من قبل الرب لأمارس فيها كهنوت المسيح، ونعمة خمسة وعشرين عاما وهبت لي من غير استحقاقات لأكون فيها لخمس سنوات نائبا بطريركيا عاما ومساعدا للبطريرك مار نصرالله بطرس صفير أطال الله أيامه ومن ثم مطرانا على أبرشية بيروت العزيزة التي أحملها منذ البداية في قلبي كما هي تحملني بقلوب أبنائها الميامين".

وتابع: "وكيف لا أشكر معالي الصديق العزيز، ابن الحكمة البار الأستاذ إدمون رزق الذي أفاض من مكنونات صدره لتكريم خصني به دون أن أستحقه. وهو أيضا لسان حالي مع رفيق العمر نائبي العام في الأبرشية المونسنيور جوزف مرهج الذي تكلم من فيض قلبه كافأه الله خيرا وثبت خطاه في خدمة الكنيسة والأبرشية. وأتوجه بخالص الشكر من اللجنة التحضيرية لهذا اليوبيل بكل أعضائها للتعب الذي تعبوه وللأحمال التي حملوها. فلقد ذكرونا في المناسبة بقول من قال: "إن القياس الوحيد للحب هو أن تحب بلا قياس". وأشكر القوى الأمنية العزيزة بكل أجهزتها لسهرها لا على هذا الاحتفال وحسب بل على الوطن والمواطنين وقد تعهد جميع أبنائها الميامين أن يحموا البلاد ولو بدمائهم من كل اعتداء أو انتقاص كرامة فلهم منا محبتنا وأدعيتنا بأن يحمي الله حماة لبنان وأن يصون هذا الوطن العزيز المقدس ويصل به إلى شاطئ السلم والأمان. واسمحوا لي أن أخص بالذكر خدام الأبرشية الأعزاء، كهنة ورهبانا، الذين لولاهم لما استعطت أن أعمل شيئا. هم الذين أوصاني بشأنهم البابا القديس يوحنا بولس الثاني يوم تسلمت زمام الأبرشية أن يكونوا بالنسبة إلي بمثابة إكليل حول رأسي. وهم بالحقيقة عندي بمثابة العين، كما كان يقول سلفي الصالح المطران اغناطيوس زياده رحمنا الله بأدعيته وصلواته".

وقال: "إني لمدين بعد الله عز وجل لأسلافي العظام في السبل التي أرعى بها هذه الأبرشية، أبرشية العاصمة وأبرشية التلاقي بين اللبنانيين بكل أطيافهم وبكل تنوعاتهم. فإن هؤلاء الأحبار رافقوا كل في زمانه حركة ارتقاء لبنان نحو الوطن الرسالة كما رافقوا نكساته وعملوا كل ما بوسعهم لتزال عنه ذيولها القاسية وليعود ويرتقي إلى المكانة التي سبق ووصل إليها. فالمطران طوبيا عون في أواسط القرن التاسع عشر جبه أحداث الستين واستوعب سلبياتها، وجاء من بعده المطران يوسف الدبس، ليحاول الانطلاق بلبنان ومع أطياف لبنان نحو تجديد الحياة فيه عبر العلم والأخلاق، فأنشأ مدرسة الحكمة ونواة جامعتها منذ مئة وأربعين عاما، وعمل على أن تسود اللحمة بين المواطنين فيندرجوا جميعا في مشروع نهضوي ينقل المنطقة بأسرها إلى دنيا الحداثة. على أن هذا المسعى نحو السيادة والاستقلال في وطن يصير زينة الأوطان لجهة حقوق الإنسان وترسيخ المواطنة بين الناس، قد اصطدم بالأمبراطورية العثمانية في آخر أيامها فكان للمطران شبلي رئيس أساقفة بيروت من العام 1907 إلى 1917 أن يقتاد أسيرا إلى الآستانة حيث صار أول أسقف شهيد في لبنان ومن أجل لبنان، كل لبنان واللبنانيين كل اللبنانيين".

وتابع: "أما الانطلاقة الوطنية الثانية بعد حركة الدبس الثقافية والوطنية، فكانت مع إعلان لبنان الكبير، وتحقيق الحلم بدولة ذات سيادة لكل أبنائها. في تلك الحقبة وتحديدا في العام 1919 تولى البطريرك الياس الحويك المطالبة باستقلال لبنان وسيادته في مؤتمر الصلح في فرنسا وانتخب الخوري اغناطيوس مبارك مطرانا على أبرشية بيروت ليبقى في كرسيها ثلاثة وثلاثين سنة دون انقطاع. تسلم المطران الجديد أبرشية منكوبة بفعل الحرب الكونية الأولى وبنتيجة حصار الجبل وتجويعه وتشريد الكثيرين من أهله بعد أن مات من مات منهم جوعا وبشكل رهيب. فنهض بها وبنى الكنائس من جديد وأطلق الأمل باستقلال لبنان الناجز الذي تحقق في العام 1943 وكان هو بطلا من أبطاله ورجلا من رجاله الميامين".

واعلن انه "بعد هذه الحقبة التأسيسية الثانية للبنان المستقل، جاء عمل الأسقف الجديد في بيروت المطران اغناطيوس زياده عملا روحيا وثقافيا بامتياز فاتسم عهده بالاهتمام بالكهنة وتنشئتهم. لكن لبنان لم يستفد بما يكفي من فترة السماح هذه لتحصين نفسه تجاه رياح عاتية كانت ستهب على المنطقة والعالم. فسقط من جديد في الحرب حيث اختلطت أمور الداخل بمطامع الخارج. وما زلنا إلى الآن تحت وطأة هذه المأساة التي نصلي لكي تنتهي ويعود وينجو لبنان. وكان للمطران خليل أبي نادر أن يجبه هذه المصاعب بتمسكه بلبنان الرسالة فكان رجل بيروت الموحدة ولبنان الموحد ضد كل قسمة وتقسيم".

وقال: "في هذه الأجواء، كان وصولنا إلى الأبرشية لعشرين سنة خلت، أي في مرحلة استعادة السلم الأهلي وإعادة بناء ما تصدع سواء في الحجر أم في البشر. فارتبطت أسقفيتنا بهذه المرحلة الثالثة من محاولة رفع لبنان من سقطته إلى أجواء الدولة القادرة والشعب المنفتح على الألفة والمحبة والسلام. لن أسهب في الحديث عما أعاننا الله على إنجازه من أجل الأبرشية ولبنان. لكنني أريد أن أقدم شهادة تقدير وإعجاب لأبناء رعايانا الحبيبة ساحلا وجبلا، وهي المنتشرة بالإضافة إلى رعايا بيروت الأربعة عشرة في كل من المتنين والشوفين، حيث سجلنا وإياهم للتاريخ وللعالم القريب والبعيد بناء ست وأربعين كنيسة جديدة في خلال عشرين سنة من ولايتنا وترميم اثنتين وأربعين كنيسة وعلى رأسها هذه الكاتدرائية التي ألبسناها حلتها القشيبة على ما كانت عليه في نهاية القرن التاسع عشر وأبهى، هذا في ما العالم الغربي، على سبيل المثال يتراجع عن بناء الكنائس وحتى عن تملكها. أفليس في ذلك شهادة ساطعة عن إيمان هذا الشعب ومحبته لأرضه رغم ما يقال فيه ويشاع؟ ولقد أعطانا الله أيضا على المستوى الراعوي والوطني أن نعيد التواصل مع كل الأطياف اللبنانية العزيزة سواء في بيروت أم في الضاحية أم في الجبل، وأن نشجع عودة الناس إلى أرضهم وإلى بعضهم البعض. وفي المجال التربوي قيض لنا من الله أن نحقق حلم المطران الدبس بإكمال بناء جامعة الحكمة حجرا وبشرا. وفي كل ذلك تحققنا من كلام بولس القائل: "إن كان رسول قد زرع، ورسول آخر قد سقى فإن الرب هو الذي ينمي"، له المجد والحمد أبدا".

وتابع: "لقد أطلنا عليكم الكلام، أيها الأحباء، وإن كان للفم أن يتوقف فإن القلب سوف يخفق بمحبتكم حتى آخر خفقة، والصلاة من أجلكم لن تنقطع وإننا سنضمها إلى صلاة القديسين في السماء لكي ينزل على أرضنا سلامه وليبق رجاؤنا بالله كبيرا فهو لا يخزي صاحبه أبدا. ألا عاش هذا الرجاء، وعاشت أبرشية بيروت الحبيبة وعاش لبنان".