ثقافة ومجتمع
23 آب 2016, 12:00

... وسقطت "النّظافة" سهواً!

ريتا كرم
في بلد يتكدّر مواطنوه من النّفايات الّتي تكدّست لأشهر طويلة على طرقاته ومما خلّفته من تلوّث وأمراض، في بلد "يدّعي" سكّانه "النّظافة" وينظرون بـ"قرف" إلى من لم يصل إلى أدنى معاييرها، في بلد "البريستيج" والـ"Show off"، وفي بلد تتفاخر بلديّاته وتتسابق لتظهر مراجلها في المشاريع والأعمال الإنمائيّة، أمٌّ تعلّم ابنها الّذي لم يتخطّ السّنتين أن يرمي ورقة من شبّاك السّيّارة.

 

مشهد مستفزّ، وكم كثيرة هي تلك المشاهد المشابهة؛ فتلك الّتي تتمشّى وتتخلّص ممّا تمسكه يداها برميه على جانب الطّريق، وذاك الّذي يملأ "القناية" بقناني المشروبات ويزرع الدّروب بسجائر بعد الانتهاء من تدخينها فتراها تسقط من نوافذ السّيّارات أو تدوسها الأرجل لتطفئها وتمضي في سبيلها؛ وأولئك الّذين يمضون نهارهم في الطّبيعة فيقتلونها بنفاياتهم المتروكة في أرجائها، ويغادرون الشّواطئ تاركين بصماتهم ظاهرة إلى الملء عبر مخلَّفات تبعثرت هنا وهناك واختارت المياه طريقها.

ففي حين تمتلئ شوارعهم بـ"الزّبالة"، ها هي منازلهم، بغالبيّتها، تلمع متوهّجة معطّرة برائحة مساحيق التّنظيف، مظهرة تناقضاً وانفصاماً في التّصرّف، طارحة جمّاً من التّساؤلات: أو ليست هذه الأرض أرضكم؟ أليست هي نفسها الّتي تخافون عليها من العدوّ وتسعون لصون حدودها وكلّ شبر منها؟ أولستم أنتم من تذمّرتم من مشهد النّفايات المتكدّس ونزلتم إلى الشّارع مطالبين بحلول مستعجلة؟ كيف تقبلون أن تربّوا أطفالكم على قلّة المسؤوليّة والوعي؟ أولا تدركون أنّ البذور الّتي تزرعونها فيهم هي ثمار المستقبل؟ فإمّا تكون ثماراً طيّبة وإمّا فاسدة!

غريب أنّه في بلد يشيد أهله بالحرّيّة الّتي يتمتّعون بها ويتفاخرون بقيمهم وشيمهم، لا يزال كباره يفتقدون الوعي لتنشئة صغاره.

غريب أنّنا لا نزال متخلّفين في هذه المسألة في حين أنّ بلداناً كثيرة تتقدّم علينا بأشواط وأشواط. فسنغافورة مثلاً تجازي قانونيّاً من يرمي النّفايات في الشّارع عبر تنظيفه بأكمله لمدّة ثلاثة أيّام وهو يرتدي زيّ عامل النّظافة، ما جعلها اليوم على لائحة أنظف دول العالم حيث لم تعد الدّولة بحاجة إلى عمّال نظافة، فغابت هذه المهنة كلّيّاً عن سوق العمل.

فحبّذا لو نساهم أقلّه في توعية أطفالنا على أهمّيّة المحافظة على نظافة شوارعنا كما بيوتنا، فنبني معاً جيلاً مسؤولاً يعي قيمة الأرض فيحافظ عليها بمسؤوليّة أكبر من تلك الّتي يحاول جيل اليوم إبرازها، ولا تسقط النّظافة "سهواً".