" نحو استراتيجية شاملة لمواجهة التطرف "
فإذا عززنا هذه الركائز ، وهذه القيّم في حياتهم ، من الناحية الإيمانية الحقّة ، والبعيدة عن كل أشكال التعصب والتطرف ، نكون قد ساهمنا في الحّد من خطر الإرهاب وأساليبه .
أولاً : العقل المنفتح :
العقل " مصدر السعادة " ، إذا أحسن الإنسان استخدامه ولكنه إذا أساء استعماله بشكل خاطىء فيصبح " مصدر التعاسة " له أيضاً ، وبالتالي العقل المنغلق هو اغتيال للإبداع والتطوّر ، والفكر المتطرف لا يستقيم مع تطور الحياة ، فالعالم يتطور ولابدّ له من الفكر المنفتح والمستنير ، واعتماد الحوار كوسيلة ناجعة لحلّ المشكلات والأزمات .
وفي هذا الصدد ، يقول المفكر الأمريكي توماس كول : " إن التفكير نوعان : نوع دائري ، وهو الذي يدور في حلقة واحدة ، ونوع منفتح يُفسح المجال لإستنباط معارف جديدة " .
وعليه ، فالفكر المنفتح هو الذي يُفسح المجال " لإستنباط المعارف الجديدة " ، وهو الذي يؤمن بالتعدّدية المجتمعّية ، وحق الإختلاف ، ويدعو إلى الحوار " بالحكمة والموعظة الحسنة " .
لذا ، الأختلاف الفكري والتعدّدية الدينية ، هما مصدر قوّة وتقدم ، مستندين في ذلك إلى الحكمة التي تقول : " نعمل في ما إتقفنا عليه ، ويعذر بعضنا البعض فيما إختلفنا حوله " .
إذاً ، المطلوب تحرير العقل العربي من الجهل والإنغلاق ، برسالة التربية والتعليم ، وبتدريس الفلسفة والمنطق ، لأن الهدف من التعليم " استبدال العقل المنغلق بعقل منفتح " .
ومن هنا يأتي دور المدارس والمؤسسات الدينية والثقافية ، في إقامة حلقات حوار وورشات عمل ، لتعزيز الفكر المنفتح المؤمن بالحوار والتعدّدية ، بعيداً عن الفكر التكفيري والإلغائي .
ثانياً : القلب المتسع :
يقول أحد الكتّاب الروحيّين : " كثيراً ما بحثت عن الله ولم أجده ، وكثيراً ما بحثت عن نفسي لم أجدها ، ولكني عندما بحثت عن أخي ( الإنسان ) وجدت الثلاثة : وجدت الله ونفسي وأخي" .
نعم ، الآخر طريقنا إلى الله تعالى " فاذا قال أحدٌ : أنا أحبّ الله ، وهو يكره أخاه كان كاذبا"( 1 يو 4 : 20 )
وفي القرآن الكريم يقول : " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير " ( سورة الحجرات : 12).
فإذا كان " الله محبة "، فالمحبة قمة الفضائل ، والإيمان يكمن في الرحمة وليس في الحقد والكراهية . فإذا كانت الكراهية التي تسببت في عديد من المشكلات في هذا العالم الذي نحياه ، فالمحبة كالنور هي إشراقة الشمس التي تشرق على الجميع . " فكما أن حرارة الشمس تجعل الأشياء تتمدد ، هكذا حرارة المحبة تجعل القلب يتسع " .( القديس يوحنا الذهبي الفم ) .
أجل ، عندما نعيش إنسانيتنا ، نستطيع أن نقبل بعضناً بعضاً ، لا بل نحبّ بعضناً بعضاً
فالإنسان بأصالة إنسانيته ، وقلبه الذي يتسع للجميع .
ثالثاً : الروح المتضعة :
تخيّل العالم لو كان كل منّا متواضعاً . من المؤكد أنه سيكون أجمل لو كنا مستعدين لأن نقّر بجهلنا للكثير من الأمور ، وبأن لدينا الكثير من نقاط الضعف ، وبأننا خطأة ...
بل سيكون أفضل من هذا ، لو اعترفنا بأخطائنا والإعتذار عنها ، وسيكون العالم أفضل وأفضل لو أننا تعاملنا مع بعضنا البعض دوماً على أساس الأحترام المتبادل ، لأن التواضع واحترام الغير صنوان لا يفترفان .
ومن هذا المنطلق ، يطوّب السيد المسيح الودعاء والمتواضعين قائلاً : " طوبى للودعاء، لأنهم يرثون الأرض " . " وكما أن الجسد يحتاج إلى ثوب ، كذلك النفس تحتاج لرداء التواضع " .
نعم ، التواضع أساس كل فضيلة ، لأن الإنسان المتواضع يرث الأرض بسيرته العطرة وبفكره المنفتح وقلبه المتسع ، وما الحياة سوى درس طويل في اكتساب التواضع .
خلاصة القول : لا يمكن تنظيم مجتمعاتنا ، ولا خلاص لبلادنا العربية إلاّ : بالعقل المنفتح ، والقلب المتسع ، والروح المتضعة ، أي بالمحبة والتضامن وقبول الآخر ، وهذه طريقنا نحو الوحدة والمستقبل .