ثقافة ومجتمع
27 حزيران 2016, 13:58

" نحو استراتيجية شاملة لمواجهة التطرف "

مسار العنف والتطرف المتصاعد في بلادنا العربية وفي العالم أجمع ، والإرهاب الذي أصبح خطره يهدّد الجميع ، يتطلّب منّا القضاء عليه ، بمشاركة وتكاثف جميع الأطراف من مؤسسات دينية وتربوية وثقافية وإعلامية ، لمنع انتشاره ، ومن هنا يأتي دور رجال الدين وقادة الفكر والثقافة ، في توعية الشباب ، على القيّم الحقيقية ، لا سيّما احترام قيمة الحياة وكرامة الإنسان والعدل والمساواة ، والتضامن والتكافل الأجتماعي .بالأضافة إلى ثلاثة ركائز مهمة لمواجهة المشكلات وحلّها ، وهي :1- العقل المنفتح . 2- القلب المتسع . 3- الروح المتضعة .

فإذا عززنا هذه الركائز ، وهذه القيّم في حياتهم ، من الناحية الإيمانية الحقّة ، والبعيدة عن كل أشكال التعصب والتطرف ، نكون قد ساهمنا في الحّد من خطر الإرهاب وأساليبه .

أولاً : العقل المنفتح :

العقل " مصدر السعادة " ، إذا أحسن الإنسان استخدامه ولكنه إذا أساء استعماله بشكل خاطىء فيصبح " مصدر التعاسة " له أيضاً ، وبالتالي العقل المنغلق هو اغتيال للإبداع والتطوّر ، والفكر المتطرف لا يستقيم مع تطور الحياة ، فالعالم يتطور ولابدّ له من الفكر المنفتح والمستنير ، واعتماد الحوار كوسيلة ناجعة لحلّ المشكلات والأزمات .

وفي هذا الصدد ، يقول المفكر الأمريكي توماس كول : " إن التفكير نوعان : نوع دائري ، وهو الذي يدور في حلقة واحدة ، ونوع منفتح يُفسح المجال لإستنباط معارف جديدة " .

وعليه ، فالفكر المنفتح هو الذي يُفسح المجال " لإستنباط المعارف الجديدة " ، وهو الذي يؤمن بالتعدّدية المجتمعّية ، وحق الإختلاف ، ويدعو إلى الحوار " بالحكمة والموعظة الحسنة " .

لذا ، الأختلاف الفكري والتعدّدية الدينية ، هما مصدر قوّة وتقدم ، مستندين في ذلك إلى الحكمة التي تقول : " نعمل في ما إتقفنا عليه ، ويعذر بعضنا البعض فيما إختلفنا حوله " .

إذاً ، المطلوب  تحرير العقل العربي من الجهل والإنغلاق ، برسالة التربية والتعليم ، وبتدريس الفلسفة والمنطق ، لأن الهدف من التعليم " استبدال العقل المنغلق بعقل منفتح " .

ومن هنا يأتي دور المدارس والمؤسسات الدينية والثقافية ، في إقامة حلقات حوار وورشات عمل ، لتعزيز الفكر المنفتح المؤمن بالحوار والتعدّدية ، بعيداً عن الفكر التكفيري والإلغائي .         

 

 

 

ثانياً : القلب المتسع :

يقول أحد الكتّاب الروحيّين : " كثيراً ما بحثت عن الله ولم أجده ، وكثيراً ما بحثت عن نفسي لم أجدها ، ولكني عندما بحثت عن أخي ( الإنسان ) وجدت الثلاثة : وجدت الله ونفسي وأخي" .

نعم ، الآخر طريقنا إلى الله تعالى " فاذا قال أحدٌ : أنا أحبّ الله ، وهو يكره  أخاه كان كاذبا"( 1 يو 4 : 20 )

وفي القرآن الكريم يقول : " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير " ( سورة الحجرات : 12).

فإذا كان " الله محبة "، فالمحبة قمة الفضائل ، والإيمان يكمن في الرحمة وليس في الحقد والكراهية . فإذا كانت الكراهية التي تسببت في عديد من المشكلات في هذا العالم الذي نحياه ، فالمحبة كالنور هي إشراقة الشمس التي تشرق على الجميع . " فكما أن حرارة الشمس تجعل الأشياء تتمدد ، هكذا حرارة المحبة تجعل القلب يتسع " .( القديس يوحنا الذهبي الفم ) .

 أجل ، عندما نعيش إنسانيتنا ، نستطيع أن نقبل بعضناً بعضاً ، لا بل نحبّ بعضناً بعضاً

فالإنسان بأصالة إنسانيته ، وقلبه الذي يتسع للجميع .

 

ثالثاً : الروح المتضعة :

تخيّل العالم لو كان كل منّا متواضعاً . من المؤكد أنه سيكون أجمل لو كنا مستعدين لأن نقّر بجهلنا للكثير من الأمور ، وبأن لدينا الكثير من نقاط الضعف ، وبأننا خطأة ...

بل سيكون أفضل من هذا ، لو اعترفنا بأخطائنا والإعتذار عنها ، وسيكون العالم أفضل وأفضل لو أننا تعاملنا مع بعضنا البعض دوماً على أساس الأحترام المتبادل ، لأن التواضع واحترام الغير صنوان لا يفترفان .

ومن هذا المنطلق ، يطوّب السيد المسيح الودعاء والمتواضعين قائلاً : " طوبى للودعاء، لأنهم يرثون الأرض " . " وكما أن الجسد يحتاج إلى ثوب ، كذلك النفس تحتاج لرداء التواضع " .

نعم ، التواضع أساس كل فضيلة ، لأن الإنسان المتواضع يرث الأرض بسيرته العطرة وبفكره المنفتح  وقلبه المتسع ، وما الحياة سوى درس طويل في اكتساب التواضع .

خلاصة القول : لا يمكن تنظيم مجتمعاتنا ، ولا خلاص لبلادنا العربية إلاّ : بالعقل المنفتح ، والقلب المتسع ، والروح المتضعة ، أي بالمحبة والتضامن وقبول الآخر ، وهذه طريقنا نحو الوحدة والمستقبل .