ثقافة ومجتمع
22 كانون الأول 2015, 15:29

"ملأى السنابل تنحني بتواضع"

خلق الله الإنسان على صورته ومثاله وميّزه عن سائر مخلوقاته. لقد أراد أن يكون الإنسان كائناً ناطقًا، ومفكّراً، وحكيماً، وعاملاً، وحرّاً وصالحاً؛ أراده كائنًا مجبولًا بالأطباع والأحاسيس والمشاعر. والله خلق الإنسان ذكراً وأنثى مؤكّدًا أنّه يستحيل للإنسان العيش وحده، بمعزل عن المحيط. فالإنسان شخص ينسج علاقات محبّة وحبّ وأخوّة وصداقة مع الآخرين ويبني شبكات تواصل معهم.

 ولأنّه على صورة يسوع المسيح، ولإستمراريّة هذه الرّوابط بين البشر، على الإنسان أن يحبّ بقلبٍ طاهر ويعيش بتواضع وبساطة خصوصًا، وبحسب قداسة البابا فرنسيس، "الله لم يأت إلينا بتعالٍ ليظهر قدرته، بل أهدانا حبه القوي في صورة طفل هش."فعلى الشخص إذًا، تحديدًا في زمن الميلاد المجيد هذا، أن يتحلّى بالخشوع والتواضع ويتجنّب التّكبّر والتّعالي.

"ملأى السنابل تنحني بتواضع ... والفارغاتُ رؤوسُهن شوامخُ" هو قولٌ مأثور للمتنبّي، أحد أهمّ شعراء العرب، يؤكّد أنّ التواضع، قديمًا وحديثًا، غنًى للإنسان وعلامة مميّزة في شخصيّته.  فلمَ التّكبّر على إخوتنا في الإنسانيّة؟ متعلّمين كنّا أم جاهلين، أغنياء كنّا أم فقراء، مدراء كنّا أم عمّال، وُلدنا جميعًا متساوين في الحقوق والواجبات وسنموت كلّنا ونعود إلى التّراب التي خُلقنا منها وسنلاقي أمام الله الجزاء الذي نستحقّه.

 على الإنسان إذًا أن يزيل غبار الغرور عن طريقه ويزيح الـ"أنا" عن بصره ويخلع قناع التّصنّع والتّكلّف ليتمكّن من رؤية حاجات الآخرين ومساعدتهم. فالمتكبّر لا يهتمّ إلّا بنظرات الناس وكلامهم وينسى الجوهر الأساسي وهو مشاعر الناس واحتياجاتهم. في حين أنّ المتواضع يضحّي بكلّ ما عنده ليلبّي نداء المحتاج. التواضع إذًا فضيلة أخلاقيّة تزيّن الإنسان بأبهى حلّة، تسقيه ماء النّقاء والسلام والمحبّة لأنّ الوديع يشعّ الأمل والتّجدّد والحياة من حوله ويترفّع بأخلاقه السامية عن كلّ شيء.

 في عيد الميلاد المجيد هذا، وفي عصر بات فيه الناس بأغلبيّتهم متساوين مثقّفين متقدّمين علميّاً وتكنولوجيًّا، ليكن العالم أجمع قرية كونيّة واحدة سكّانها أفراد عائلةٍ مُحبّة متضامنة متساعدة لبناء كوكب سلام ومحبّة وتجدّد.