"في مهزلة التعليم.. المسيحيون يمتنعون"
صغاراً كُنّا. أنبتتنا أرضٌ طيبة وترعرعنا فى بيئة صحية، فنشأنا صالحين؛ قلوبنا بريئة من البغض والحقد والحسد والعنصرية والتضاغن. كانت مصرُ آنذاك ما زالت نقية من سموم العنصرية التي هبّت علينا رياحُها من فضاءات غريبة لا تُشبهنا، فظننا أن النقاء والمحبة هي طبائعُ الأمور وقانون الأشياء. علّقنا معاً زينة رمضان في شوارعنا. وحملنا معاً الفوانيس الملونة لتضيء شموعُها ليالي القاهرة التي كانت تزغرد بالفرح. ما عرفنا أيَّنا مسلمٌ وأيَّنا مسيحيّ. فنحن إنسانٌ ونحن مصريون. علّقنا معاً زينات أشجار الكريسماس وتبادلنا هدايا العام الجديد، ونسينا أن نسأل: أيّنا مسلمٌ وأينّا مسيحيّ، فنحن إنسانٌ، ونحن مصريون. وكبرنا معاً، وتزاملنا في الجامعات ثم فى العمل. ونحن صغار، ما كنّا نحسب أن لحظةً مُرّة ستأتي على مصر لتخلعَ وجهها الذكيّ الطيّب وتستبدل به وجهاً جهولاً عنصرياً. حاشاها مصر أن تبدّل وجهها! إنما وضعوا على وجهها، رغماً عنها، ذلك القناع البغيض الذي لا تحبُّ أن تعتمره.
صغاراً أبرياءَ كنّا. ما كنّا نتخيل، في أسوأ أحلامنا، أن يوماً قريباً سيحلُّ على مصر، ليغلق المسلمون فيه أبواب المدارس في وجه المسيحيين الذين فتحوا لنا أبواب مدارسهم وأدخلونا قلوبَهم، وعلّمتنا راهباتُهم ومعلّموهم المعارفَ والأخلاق وحب الوطن!
هذا ناظر مدرسة في سوهاج قالها بالفم الصريح يقطّر بُغضاً: «مفيش مسيحي هيدخل المدرسة طول ما أنا مسئول عنها!» وبالفعل، منع ثمانية عشر تلميذاً من الالتحاق بمدرسته رغم استيفائهم كافة الشروط المطلوبة.
بصفتي مواطنة مصرية، تعلّمت على يد أساتذة فضلاء مسيحيين في مختلف سنوات دراستي، أطالبُ بالتحقيق الرسمي في هذا الأمر، فإن ثبت ما قال كما سمعنا في نشرات الأخبار، فأنني أتقدّم ببلاغ رسمي ضد المواطن: «عادل زين الدين»، ناظر المدرسة، الذي خالف الدستور واخترق القانون، ومن قبل ومن بعد، خالف قانون الجمال والتحضر.