ثقافة ومجتمع
28 آب 2017, 09:03

"فجرُ" الجرود في غيابكم.. "ليلٌ" موجع!

ماريلين صليبي
حملَتْه 9 أشهر في رحمها لتولده صبيًّا تعزم على تربيته بالصّحّة والقامة والحكمة والأخلاق.


سهرت على بكائه في اللّيالي من أجل ألّا يمسّه داء ولا يلطّخه وباء ولا تشوّهه علّة.
تأمّلت نموّه التّدريجيّ فسكرت في جمال شبابه وحلُمَت بليلة فرحه وترقّبت نجاح مستقبله.
وها هي اليوم تحمله رفاتًا تآكلها الزّمان المُرّ بعد أن انتظرت بصبر فاق صبر أيّوب خبرًا واحدًا يرمّم كسور قلبها على خطفه ويروي جفاف روحها على غيابه ويمسح دموعًا حفرت على وجنتيها دروبًا ثابتة.
هي أمّ الشّهيد.. أمّ خالد مقبل حسن، أمّ سيف ذبيان، أمّ علي المصري، أمّ مصطفى وهبي، أمّ حسين محمود عمار، أمّ علي الحاج حسن، أمّ محمد يوسف، أمّ ابراهيم مغيط عريف.
ليست الأمّهات وحدهنّ من تلقَّين نبأ استشهاد العسكريّين المخطوفين لدى داعش، فكالصّاعقة الحادّة وقع الخبر على الزّوجات والأخوات والإخوان والأمّهات والآباء الذين انتظروا سنوات طويلة في خيمات نخرها برد رياض الصّلح وحرقتها حرارة صيفه.
من أجل أن تتفتّح أزهار الحريّة عبيرًا طيّبًا، ذبل برعم شبابهم؛ من أجل أن يعيش السّلام ويتحقّق العدل، ماتوا هم بصمت صارخ؛ من أجل أن يتراجع الإرهاب عن قمم جبالنا، سقطوا هم في وادي الغياب القاسي؛ هم العسكريّين - المخطوفين سابقًا، الشّهداء حاليًّا - الذين أبكَوا البلد على فقدانهم وأوجعوا الوطن على غيابهم ورفعوا القبّعات على تضحياتهم وأحنَوا الرّؤوس على شهادتهم.
شمس "فجر الجرود" ارتفعت بخفر فأشرق صباح الانتصار، إذ موت العسكريّين حال دون تربّعها بفخر في سماء شهدت على تحرير الوطن من الإرهاب، ليحلّ النّصر المصحوب بالغصّة على اللّبنانيّين ضيفًا مرًّا جعل من الفجر ليلًا قاحلًا يرتفع فيه صمت الخيبة وتئنّ فيه صرخات الوجع.
أمام حزن الوطن، يتنحّى الكلام اليوم.. القلم يجفّ واللّسان يرقد والأفكار تهدأ لترتفع وحدها الصّلوات الصّادقة الحارّة من أجل أن يرحم الله أبطالًا كتبوا بدمائهم حكاية وطن ما زال ينتظر يقظة ضمائر المسؤولين من أجل أن يبقى "وطنًا"...