"إنّك تهتمّ بأمورٍ كثيرة.. إنَّما المطلوب واحد!"
واضحٌ كان الرّبّ في كلامه، كلامٌ يدعونا فيه إلى الإصغاء المليّ إلى تعاليمه، نحن الذين ننهمك بالقشور الماديّة وننسى الجوهر المقدّس.
في البدء، خلق الله الكون والطّبيعة والحيوان وكلّلها بإنسان حكيم ناطق سلّمه مسؤوليّتها.
طمع الإنسان بهذه الأرض، وتمسّك بخيراتها ومال إلى مغرياتها، فحجب نظره عن سبب وجوده الأساسيّ، وعن طريقة الاستمرار السّليم في الحياة التي منحها الله له.
رأى الإنسان نفسه بذلك ملكًا أرضيًّا حاكمًا، يتّخذ من الخطيئة سلاحًا يقوده في دروب الظّلمة، ومن الكبرياء مرافقًا حاميًا دائمًا.
فقليلًا ما يتذكّر الإنسان خالقه بالشّكل الصّحيح، إذ يستقبل الله في حياته بشكل فوضويّ، يبادله حضوره بمظاهر مرحّبة سطحيّة تلهيه عن المكمن الأساسيّ السّامي في حين أنّ المطلوب بسيط وسهل.
يجدر بالإنسان الذي طرق الله باب قلبه أن يفتح الباب برويّة وقناعة، أن يستقبل كلام الرّبّ بآذان صاغية متأهّبة للإرتواء من ماء الحياة والحقّ الذي به يُكمل الإنسان دربه الأرضيّة الفانية لينال السّعادة الأبديّة.
ينبغي على الإنسان أن يعي اهتمامًا لأبجديّة الخلاص التي يتفوّه بها الرّبّ وأن ينتبه انتباهًا كاملًا لتعاليمٍ تمثّل خبز الحياة الشّافي.
إنهماكاتنا اليوميّة وأشغالنا "الضّروريّة" وإنجازاتنا "الخارقة" تخرق هدوء روحنا وإصغاء آذاننا وصمت لساننا لتبعدنا شيئًا فشيئًا، عن قصد أو غير قصد، عن عمق القداسة.
لنحتفل إذًا بيسوع في قلوبنا ولْنُزِل أقنعة الفوضى الفاضية عن أجسادنا ووجوهنا وأرواحنا التّائقة إلى الخلاص الأبديّ.