دينيّة
19 حزيران 2024, 09:00

يسوع يحرّرنا من قيود الشريعة

الأب أنطونيوس مقار إبراهيم راعي الأقباط الكاثوليك في لبنان

 

نقرأ في إنجيل يوحنّا الفصل الثامن حدث المرأة التي أُمسكت في ذات الفعل. أمام هذا الحدث العجيب، نرى يسوع المسيح فاتحًا باب الرجاء أمام المرأة وحولها الأشخاص حاملين الحجارة كي يرجموها بها حسب ما تنصّ عليه شريعتهم. هؤلاء قدّموها ليسوع علهمّ يصطادوه بكلمة أو موقف يحرجوه فيه ولكن لم ينجحوا في ذلك لأنّه ربٌّ حنونٌ ورؤوفٌ، طويل الأناة، يحبّ الصدّيقين ويرحم الخاطئين وهو الرجاء لكلّ نفس خاطئة. هو نور للسالكين في ظلام الخطيئة، ومن يتبعه لا يمشي في الظلام، ودعوته الدائمة لنا أن نسير في النور "سيروا في النور ما دام لكم النور".

هذا هو المشهد: الكتبة والفرّيسيّون مع المرأة، أمام يسوع. يتوقّعون منه أن يمسك حجرًا ليرجمها معهم ولكنْ ها هم يلمسون فيه الرأفة واللطف والحنان تجاه كلّ إنسان وبالأكثر تجاه الخطأة والمحزونين ومنكسري القلوب. هو محرّر النفس من عبوديّة الخطيئة والذلّ والهوان. هكذا، حرّر المرأة من عبوديّتها لإبليس وزرع فيها روح الحبّ والفرح والانتصار وصارت قصّة هذه المرأة قصّةَ كلّ نفس أُغلق في وجهها باب الحبّ والرحمة والحنان فارتمت عند أقدام يسوع عريس الحبّ الإلهيّ تجد عنده التنعّم بسماع صوته العذب.

إنّها خاطئة ولكنّها جريئة واثقة فتقول عن نفسها: أنا امرأة كأيّ امرأة أخرى، أعيش في عالم مليء بالمتناقضات. جارت عليّ الأيّام وضاقت بي المعيشة وضيّقت عليّ قيود الشريعة، شعرتُ بالوحدة والانعزال، فنظرتُ إلى ذاتي ورأيت فيها جسدًا جميلًا يميل إليه قلب الرجل وعينين جميلتين أجذب بهما الناس. ربّما هذا دفعني نحو الارتماء في أحضان من يستهوني أو يهواه قلبي. أمسكتُ في ذات الفعل، فالتفّ حولي الجمهور. أمسكوني أنا وتركوا من كان معي والسبب في ذلك حكم الشريعة القاسي الذي يحاسب المرأة على فعلها. ظللتُ مستعبَدة مكبّلة بالسلاسل والقيود لسنوات عديدة أدّت بي إلى حياة  النجاسة و الشعور الشديد بالحاجة إلى الحبّ. كنت أشتري رضا الناس وقبولهم لي، بجسدي. أدّيتُ الثمن غاليًا جدًّا وكنت أشعر بأنّني أسير في طريق خاطئ لا نهاية له.  

 

قادني هؤلاء الرجال إلى يسوع قائلين "هذه المرأة أمسكت في ذات الفعل". معظمهم كان من الصدّوقيّين والفرّيسيّين وقلّة من عامّة الشعب. ساقوني بعجرفة واحتقار إلى هذا المأزق وهذه المحكمة ويسوع، بكلّ هدوء، وكأنّ في هدوءه سلطان النصر والكرامة والحكم العادل والسلام، سألهم عمّا يجب أن يُفعل بي.  

أمامه تحرّرت نفسي: أمام يسوع عاد إليّ الهدوء وأطمأنّ قلبي وتملّكت أعصابي وتشجعّت نفسي وامتلأتُ جرأة لأرفع وجهي وهو يكلّمهم بتواضع وهدوء: من منكم بلا خطيئة، فليرمها أوّلًا بحجر. رأيتهم جميعًا يلقون بحجارتهم على الأرض وينسحبون الواحد تلو الآخر، سمعته يقول لي "اذهبي بسلام ولا تخطئي في ما بعد". هذا هو الفرق بين حكم الشريعة القاضي بالرجم وحكم يسوع القاضي بالرحمة والحنان فيسوع هو ابن الله الحيّ من ملئه نلنا نعمة فوق كلّ نعمة. نظر إلى أعماق النفس، إلى أفق أبعد بكثير من قوانين الشريعة التي أرغمت الإنسان على العبوديّة. آفاقه هو هي النعمة والقداسة وشريعة المحبّة التي جعلتنا أحرارًا.

آفاقه هو هي محبّتنا حتّى الموت عنّا على الصليب.