يا امرأة مَن تطلبين؟
واستهلّ تأمّله منطلقًا من سؤال يسوع "من تطلبين؟"، فقال: "إنّ الرّبّ بهذه الكلمة الموجزة وصف حالة مريم كلّها، وفي الوقت نفسه وضع لها برنامج حياة. لم يقل الرّبّ ماذا تطلبين بل مَن، وقد يكون مفتاح حياتنا الرّوحيّة كلّها في هذا الانتقال من ماذا إلى مَن...
وحين كانت مريم ملازمة القبر تلتمس سيّدها أين وضعوه، كان تلاميذه "في موضعهم"... "يتحيّرون ممّا كان"... يتساءلون ماذا؟ رغم أنّه علّمهم أمرًا واحدًا: أن يلتمسوه وحسب.
أليست قصّتنا مع الرّبّ تمرّ وتستمرّ في مرحلة "ماذا؟".
حين نتوقّف عند "ماذا" ولا نبتغيه هو مِن ورائها: النّجاح والفشل، والحيرة والشّدّة... إن كنّا نطلب لأنفسنا مجدًا أو راحةً، جهادًا أو نتائج، عاجلًا أم آجلًا يظهر عجزنا وعدمنا. إن بقينا بعيدين عنه، فلا تضحية، ولا نظام، لا صمت، ولا صلاة تستطيع شيئًا من أجلنا.
أمّا حين نبتغيه هو حتّى النّهاية "إن كنت أنت قد حملته فقل لي أين وضعته وأنا آخذه" (يو 20 : 15)، حين نصادفه كغريب في كلّ شيء، وفي كلّ حين، ونسأله أين هو، لأنّ نظرنا يبحث عنه من خلال كلّ شيء، حين لا يبقى أمامنا سوى الفراغ الكلّيّ والدّموع والحبّ... عندئذٍ يقول: "مريم".. عندئذً نجده ونجد أنفسنا فيه.
"يا امرأة مَن تطلبين؟" الرّبّ وحده، هو، يقف بمريم ويسأل، رغم كلّ الظّواهر الّتي رأتها مريم، هو الذي يطلب... وليس الغياب والفراغ سوى إعداد لحضوره. ولو كنّا نعلم عطيّة الله، وإن توقّعنا حضوره رغم كلّ شيء، وتركناه يطلبنا ويأخذنا إليه نصير ولا شكّ حيث هو إلى الأبد: "إن مضيت وأعددت لكم مكانًا آتي وآخذكم إليّ حتّى حيث أكون تكونون أنتم أيضًا"(يو 14 :3).
وأنهى الخوري سعد تأمّله بهذا السّرّ العظيم خاتمًا: "يا نفسي أنظري، وتداركي أمرك في الطّريق: ماذا، يا امرأة مَن تطلبين؟"