وهل يخفى القمر؟
إنّ العين سراج الجسد، وكلّ جميل لا يمكن أن يُحجب. ولكن مع تقدّم السّنوات وفي ظلّ كلّ التّطوّرات الّتي يعيشها الإنسان وتلفّه من كلّ ميل، بات مفهوم الجمال يختلف من شخص لآخر، وحتّى بين جيل وآخر، وبين بيئة وأخرى. فمنهم من يقيسه بجمال الجسد، وآخرون يأسرهم الوجه الجميل، وكثيرون يغوصون أبعد من ذلك فيرون الجمال ينبع من داخل جميل، وكم رائع هو الإنسان عندما تجتمع فيه كلّ تلك المعايير فيتربّع حينها ملكاً على عرش الجمال.
ولكن كلّنا خليقة الله، هو لم يميّز أحداً على آخر، فأعطى كلّ إنسان نعمة جماليّة خاصّة به، فليس من إنسان نسخة طبق الأصل عن غيره، وعلى كلّ واحد أن يدرك مقدار ما وهبه الله له وأن يكتشف الجمال الّذي فيه ويعكسه إلى الخارج.
فأبعد من المظاهر، ينظر الله إلى جمال القلب الّذي يتحوّل إلى مرآة للنّفس، فجلّ ما يهمّه هو ذاك الحبّ المغروس فيه الّذي يصنع العجائب، وذاك التّواضع الّذي ينمّ عن جمال خارق لا يُقاس لا ببشرة ناعمة ولا بعينين ساحريتين ولا بقامة ممشوقة ولا بثروة مادّيّة، بل بأسلوب عيش لا يمكن إلّا أن يلحظه الآخرون فينجذبون إلى شخص جميل تقيّ يخاف الله ونور الرّبّ يشعّ من قلبه الكبير جمالاً وحكمة وأخلاقاً، فيصبح هذا الإنسان الأكثر جمالاً على وجه الأرض لأنّه حلو المعشر، ذهبيّ اللّسان، كريم الأخلاق، طيّب القلب، نقيّ الرّوح... هو وحدة عقل وكلمة وروح، لأنّه من عقل الإنسان تولد الكلمة وينبعث الرّوح كما يولد الابن من الآب وينبثق الرّوح القدس منه.
ليراجع كلّ منّا حساباته وليُعد ترتيب "أفكاره الجماليّة" لأنّ الله جميل وقادر أن يجعل كلّ منا ملكاً/ ملكة جمال لأنّ معاييره تفوق كلّ تلك الّتي وضعها الإنسان وكرّسها مقدّسة في قياس نسبة الجمال البشريّ، فكلّ جمال ينبثق أوّلاً من داخل نقيّ ومستقيم.