ثقافة ومجتمع
13 تموز 2018, 13:00

وداعًا للعزوبيّة!

ريتا كرم
عندما نستورد ما هبّ ودبّ من الغرب بحجّة التّحرّر والانفتاح، ونفصّله على قياس مجتمعنا ونتباهى به حتّى لو لم يلِق عليه، ونحوّل مناسباتنا وأفراحنا إلى نسخة طبق الأصل عن الغرب، هل يبقى لاحتفالاتنا بريقها الخاصّ؟

 

يخبرنا أجدادنا وأهلنا اليوم، عن سهرات ليالي زمان، خصوصًا تلك الّتي كانت تسبق الأعراس، فكان أهل المنزل يتهافتون للتّحضير لسهرة من العمر لفلذات أكبادهم، سهرة تحكي عنها كلّ الضّيعة وجوارها. فترى الجيران يصبّون جهودهم لمساعدة "ستّ البيت" في تجهيز "السُّفرة" اللّبنانيّة بكلّ أصنافها اللّذيذة، أمّا "ربّ المنزل" فتراه ورجال الحارة يحضّرون "جرن الكبّة" ويهيّئون العضلات لأجل المبارزة في حمل "المحدلة"، ويبدأون حلقات الدّبكة ما أن تأفل الشّمس ظهرها وتبدأ السّماء تلتحف بثوبها الأسود وتتزيّن بنجومها البرّاقة ليتربّع في وسطها قمر يضيء "ليلة من العمر".

وفي منزل العريس، الكلّ مستنفر وحاضر لـ"كبسة" العروس، فما أن تشير عقارب السّاعة إلى منتصف اللّيل حتّى ينطلق موكب باتّجاه منزل العروس، فيُستقبل العريس بـ"الطّبل والزّمر" مرفوعًا وعروسه على الأكتاف، والزّلاغيط تنهمر عليهما كزخّات المطر، ولا ننسى "رشّ" الأرزّ تمنّيًا للخيرات، وتبقى السّهرة عامرة حتّى ساعات الفجر الأولى وغالبًا ما تستمرّ لليالٍ وليالٍ حتّى يحين موعد الإكليل.

كم جميلة هي ذكريات زمان ومناسباته الّتي بات جيل اليوم يفتقدها شيئًا فشيئًا. ففي السّنوات الأخيرة، برزت في السّاحة حفلات "وداع العزوبيّة" الّتي تسبق العرس؛ إذ لم يعد يكتفِ العروسان بالسّهرة الّتي يحييها الأهل لهما قبل الزّواج، مفضّلين على تلك العادات "القرويّة" ما هو "عصريّ" أكثر، فحلّت الـ"Bachelor Party"! لمَ لا طالما أنّها ضمن مقاييس تقاليدنا وعقليّتنا الشّرقيّة وتعاليمنا المسيحيّة؟

فهذه الحفلة، غالبًا ما يخطّط لها أصدقاء العروسين، فيجمعون معارف الثّنائيّ المقرّبين لأجل ليلة من العمر يودّع خلالها صديقيهما العزوبيّة كلّ مع رفاقه، إلى أن يلتقي الجميع اعتبارًا من منتصف اللّيل فـ"يشتعل" الجوّ ويمتلأ المكان "هيصة" ويتراقص المحتفلون على وقع الأغنيات الضّاربة في ليلة تمهيديّة لعرس الموسم.

ألوان موحّدة، زينة خاصّة، إكسسوارت برّاقة تعطي للمناسبة نكهتها العصريّة. كلّ ذلك حلو، لكن عندما يدخل ما هو ليس مقبولاً لا أخلاقيًّا ولا دينيًّا ولا اجتماعيًّا، وتأخذ السّهرة منحىً مستوردًا بكلّيّته، فتدخل الألعاب الجنسيّة والأفعال اللّاأخلاقيّة، وجب دقّ ناقوس الخطر.

فليس خطأ أن نُدخل إلى حياتنا كلّ ما هو عصريّ، ولكن ما ليس عصريًّا هو أن نسير في الخطأ ونشرّعه ونسمح للّاأخلاقيّات أن تصبح محور لقاءاتنا ونجرّ الآخرين معنا إلى هاوية أُعدمت فيها القيم والمبادئ، ونصبح مسوّقين للخطيئة في مناسباتنا الأكثر قدسيّة... وداعًا للعزوبيّة نعم، فهلّا نسعى ألّا نحوّله إلى وداع للأخلاق؟!