دينيّة
11 كانون الأول 2024, 10:00

من مِذوَد بيت لحم إلى صليب الجلجلة (1)

تيلي لوميار/ نورسات
بقلم المطران رمزي كرمو مطران اسطنبول سابقًا للكنيسة الكلدانيّة

 

     إنّ يسوع الذي ولد في بيت لحم من مريم العذراء هو نفسه الذي رُفِع على صليب الجلجلة بحضور مريم العذراء. هذا يعني أنّ هناك علاقة وثيقة وعميقة بين سرّ التجسُّد (ميلاد يسوع) وسرّ الفداء (موت يسوع).

حينما نقرأ بتعمُّق، بعض نصوص الكتاب المقدّس التي تتحدّث عن حياة يسوع وهو في سنّ الطفولة، نجد فيها علامات كثيرة تشيرُ إلى آلامِه وموتِه.

يذكر متَّى في إنجيله، رواية قدوم المجوس وسجودهم ليسوع، كيف كانت السبب في أن يقرّر هيرودس الملك قتل أطفال بيت لحم ظانًّا أنّه سوف يقتل معهم يسوع الطفل الذي هرَبَ بعناية إلهيّة مع والديه مريم ويوسف إلى مصر. كذلك، نقرأ في الرواية عينها أنّ المجوس قدَّموا ليسوع الطفل هدايا وهي عبارة عن ذهب وبَخور ومُرّ، الذهب رمزًا إلى ملوكيّته والبَخور رمزًا إلى ألوهيّته والمُرّ، الذي كان يستعمل لتحنيط الأموات، رمزًا إلى موته (مت 2/ 1 – 18).

أمّا لوقا فيتكلّم، في إنجيلِه، على خِتان يسوع في اليوم الثامن بعد ولادته، وما الدم الذي سال منه في أثناء عمليّة الختان سوى إشارة إلى الدم الذي سوف يجري من جَنبِه المقدّس على صليبِ الجلجلة. كذلك، يسرد لنا لوقا رواية تقدمة يسوع إلى الهيكل وله من العمر أربعين يومًا، وكيف أشار سمعان البارّ الذي حمله على يديه، إلى موتِه حينما قال لمريم: "ها إِنَّه جُعِلَ لِسقُوطِ كَثيرٍ مِنَ النَّاس وقِيامِ كَثيرٍ مِنهُم في إِسرائيل وآيَةً مُعَرَّضةً لِلرَّفْض. وأَنتِ سيَنفُذُ سَيفٌ في نَفْسِكِ لِتَنكَشِفَ الأَفكارُ عَن قُلوبٍ كثيرة" (2/ 34 – 35). إن نبوءَة سمعان هي إشارة الى الآلام التي سوف يتحمّلها يسوع على صليب الجلجلة في نهاية حياته الأرضيّة من أجل خلاص البشريّة. أمّا حادثة فُقدان يسوع في الهيكل ووجَدانه في اليوم الثالث وهو ابن اثنتي عشرة سنة فهي الأخرى تشير إلى فقدانه ثلاثة أيّام في القبر بعد موته على صليب الجلجلة (لو 2/ 42 – 46).

هنالك أيضًا بعض الأيقونات التي تصوِّر لنا يسوع الطفل وهو في المِذوَد، ملفوفًا بالكَفَن مشيرةً بذلك إلى الموت الذي ينتظره على صليب الجلجلة.

نستنتج من قراءة هذه الآيات والتأمّل فيها بتمَعُّن وتَعمُّق، أنّ سرّ التجسّد وسرّ الفداء، اللذيْن اكتَملا بولادة ربّنا وإلهنا يسوع المسيح وموته وقيامته، له الإكرام والمجد والسجود، كانا ضروريّيْن لخلاص البشريّة من الخطيئة والموت الأبديّ.

من خلال هذيْن السرَّيْن أظهرَ الله حبّه اللامتناهي لنا كما يشهد على ذلك إنجيل يوحنّا، حيث نقرأ:" فإِنَّ اللهَ أَحبَّ العالَمَ حتَّى إِنَّه جادَ بِابنِه الوَحيد لِكَي لا يَهلِكَ كُلُّ مَن يُؤمِنُ بِه بل تكونَ له الحياةُ الأَبدِيَّة فإِنَّ اللهَ لَم يُرسِلِ ابنَه إِلى العالَم لِيَدينَ العالَم بل لِيُخَلَّصَ بِه العالَم" (يو 3/ 16 – 17).  

نعم، المحبّة التي أظهرها لنا الله بتجسّد ابنه الحبيب، بلغت ذروتها بموته على صليب الجلجلة. "لَيسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعظمُ مِن أَن يَبذِلَ نَفَسَه في سَبيلِ أَحِبَّائِه" (يو 15/ 13).