ثقافة ومجتمع
02 شباط 2021, 10:45

من أستراليا... قلوب لبنانيّة تنبض غفرانًا وتسامحًا لقاتل أطفالهم!

ريتا كرم
قبل عام، خسرت عائلتان من أصل لبنانيّ في أستراليا 4 من أطفالهما بحادثة دهس، فسكتت ضحكات سيينا وأنطوني وأنجيلينا عبدالله ونسيبتهم فيرونيكا صقر إلى الأبد. قبل عام تلعثمت الكلمات وذرفت عيون العالم دموعًا أمام هول الفاجعة، إلّا أنّ جبروت دانيال عبدالله وزوجته ليلى بلكم الشّرّير ووقف له بالمرصاد بفضل إيمانهما القويّ وموقفهما الشّجاع، فيومها أعلنت ليلى الأمّ المفجوعة، أمام كلّ العالم، بالرّغم من ألمها الدّفين: "أنا لا أكره قاتل أطفالي، لا أريد رؤيته، لكنّني لا أكرهه، هذا ليس من شيمنا كمؤمنين بديننا وأريد مسامحته، لكن أيضًا أريد أن تأخذ العدالة مجراها."

بعد عام، وتحديدًا في الأوّل من شباط/ فبراير 2021، ها هما العائلتان تقدّمان أمثولة في الرّقيّ الرّوحيّ والإنسانيّ، أمثولة في التّسامح والغفران، في يوم أعلنته الحكومة الأستراليّة والكنيسة الكاثوليكيّة والكنيسة المارونيّة في أستراليا، يوم التّسامح. تلك الأمّ الّتي اعترفت يومها بأنّها "حزينة ومكسورة القلب"، هي وزوجها ونسيبتهما بريجيت صقر، وقفوا في ذكرى غياب أطفالهم الأولى، وعيونهم صوب السّماء، ناثرين في الأرض بصيص أمل ونور وسط العتمة الّتي يعيشها، ومانحين أنفسهم والآخرين "أعظم هديّة: الغفران".

نعم، صدّق أم لا، هم غفروا لقاتل أطفالهم المخمور، وخلّدوا ذكرى أطفالهم "القدّيسين" بـ"i4Give Day"، وشجّعوا العالم بخاصّة المتألّمين بينهم، والّذين حملوا صليبًا مماثلاً، على المسامحة فيُشفوا ويعيشوا بسلام. هم اختاروا الحبّ، حرّروا قلوبهم من المرارة والغضب، وأطلقوا يوم التّسامح والغفران، هامسين نحو السّماء أشواقهم ومحبّتهم الوالديّة، مبتسمين لملائكتهم بالرّغم من كلّ الألم.

في هذا اليوم، لا نستطيع إلّا أن نقف أمام هول هذا المشهد، ولا نستطيع إلّا أن نتذكّر كلّ صليب مررنا به سواء على صعيد شخصيّ أم جماعيّ. لا نستطيع إلّا أن نتذكّر صليب لبنان الّذي لا يلبث أن تُضمّد جراحه حتّى يعود وينزف، وها هو هذا النّزيف لا يتوقّف منذ انفجار مرفأ بيروت في الرّابع من آب/ أغسطس 2020، فقلوب أهل الضّحايا واللّبنانيّين كافّة لا تزال دامية وباكية على من راحوا ضحيّة الفساد والمصالح الخاصّة والتّبعيّات والصّراعات، هم يبحثون عن أجوبة تكشف حقيقة ما حصل ولكن لا حياة لمن تنادي. وزد على ذلك تداعيات الأزمات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والصّحّيّة، وما يقاسيه اللّبنانيّ أمام تهديد الفقر والجوع والبطالة والموت بخاصّة جرّاء وباء كورونا والوضع المتفاقم أمام أبواب المستشفيات.  

أمام كلّ هذه المشاهد، يأتي من أستراليا نبض لبنانيّ يبعث الأمل والرّجاء في النّفوس، ويحاكي الضّمائر النّائمة عساها تبحث في داخلها عن الغفران والمسامحة، وتُقدم على فعل محبّة تجاه كلّ المقهورين وتحرّرهم من ما آلت إليه الأوضاع، وتفسح المجال أمام ولادة جديدة وقيامة وشيكة، فهل من يصغي؟