دينيّة
22 حزيران 2019, 07:00

مع "أبونا يعقوب"... لبنان لبس ثوب الأفراح

ريتا كرم
في صبيحة الثّاني والعشرين من حزيران/ يونيو 2008، عجّت ساحة الشّهداء في وسط العاصمة بيروت، بأفواج من المؤمنين تهافتوا من كلّ حدب وصوب إلى المكان منذ ساعات الفجر الأولى، للاحتفال بتطويب الرّاهب الكبّوشيّ ومؤسّس جمعيّة راهبات الصّليب "أبونا يعقوب".

 

لم يكن صباحًا عاديًّا، بل كان استثنائيًّا لأنّ الأب يعقوب كان أوّل طوباويّ يطوّب خارج أسوار الفاتيكان، وتحديدًا في موطنه الأمّ، بعد أن درجت العادة على الاحتفال برتب القداسة في الحاضرة البابويّة، وذلك لحضّ المؤمنين على الاقتداء بفضائله والسّير في طريق القداسة.

يومها تجمهر لبنان بشعبه ومسؤوليه الزّمنيّين والرّوحيّين، وقبلة أنظارهم نحو المذبح الملوّن بلوني العلم البابويّ: الأصفر والأبيض، والمصمّم على شكل سفينة فينيقيّة. في أعلاه صورة ليسوع الملك وأخرى للأب الكبّوشيّ، وعن يساره أيقونة للعذراء وعن يمينه الصّليب المقدّس. 

سكون وترقّب، فرح وفخر تلك كانت حال المشاركين في ذبيحة التّطويب. وعندما تعالت في سماء المدينة أًصوات الجوقة هاتفة "لبنان لبنان، إلبس ثوب الأفراح، لبنان لبنان يوم التّطويب لاح"، منذرة ببداية الاحتفال الرّوحيّ، لبست الأجسام قشعريرة مميّزة وملأت القلب بغبطة كبيرة رفعت الموجودين إلى السّماء في لحظة إعلان الأب يعقوب طوباويًّا.

في تلك اللّحظة، تهلّل الحضور بابن بلادهم السّامريّ الصّالح الّذي شقّ طريقه نحو القداسة.

هو يعقوب الغزيريّ الّذي مارس الفضائل المسيحيّة منذ صغره مقتديًا بوالديه، ما نمّى فيه الرّغبة بالتّرهّب وهو في الثّامنة عشرة من عمره، ودفعه إلى عيش الفضائل الثّلاث: الاستسلام للإرادة الإلهيّة والبساطة والمسيحيّة وعمل الرّحمة.

عاش الفقر والتّقشّف والبساطة المسيحيّة مقتديًا بالقدّيس فرنسيس الأسيزيّ. توكّل على الله وأثمرت صلواته أعمالاً على الأرض، فبنى الأديرة والمستشفيات والمدارس ودور العجزة، غرس صليب الرّبّ على قمم لبنان. أحبّ المنبوذين وحضن المرضى، بخاصّة مرضى الرّوح والعقل الّذين رفضتهم سائر المستشفيات... باختصار هو رجل قول وعمل آمن أنّ "بالصّلاة نشتري كلّ ما يعوزنا من عند الله".

واليوم، في ذكرى تطويبه، نصرخ إلى الله من وحي نشيد الأب يعقوب الكبّوشيّ ونطلب: "في أرضك ضجّة انقسام مخيف يهدّد الكيان بموت عنيف، أنظارنا مرفوعة نحو سمائك، أبسط علينا وشاح ردائك. هلمّ أبانا لا تنسَ لبنان، يا ابن جبالنا وقرانا... ردّ عن بلادك غيوم الحروب، أبانا يعقوب!".