ثقافة ومجتمع
03 كانون الأول 2015, 22:00

مداخلة الأب عبده أبو كسم حول "مكافحة التطرّف الديني، ونشر قيم التسامح والإعتدال والوسطية عبر وسائل الإعلام"

يشرفني أن أشارك اليوم في هذا المؤتمر الذي يتناول الإعلام في مفهومه الحديث وأتحدث في ندوةٍ تحمل عنوانا "مكافحة التطرّف الديني، ونشر قيم التسامح والإعتدال والوسطية عبر وسائل الإعلام" ومن المعلوم أنه من الملّح جداً أن نعالج موضوع وسائل الإعلام ودورها في نقل الحقيقة، خاصةً وأنها فرضت نفسها بقوة بفضل التطوّر التكنولوجي والتقني المذهل، ولقربه من الشخص وارتباطه بإحتياجات الإنسان الأساسيّة من تعليم وتواصل وترفيه ودعاية، لكن في المقابل فإن بإمكان وسائل الإعلام أيضاً نشر مفاهيم وقيم الحقوق والحريات والإعتدال والوسطيّة من جهة، أو الإرهاب والتطرّف والغلّو والإستبعاد والإقصاء، وتظهير العنف والقتل بغية ترهيب الرأي العام من جهةٍ أخرى. الأمر الذي جعل من هذا الإعلام وأدواته، ووسائل التواصل الإجتماعي سلاح ذو حدّين. من هنا يأتي عنوان مداخلتي، كيف يمكن مكافحة التطرّف الديني ونشر قيم التسامح والإعتدال والوسطيّة عبر وسائل الإعلام أو الأصح عبر وسائل التواصل الإجتماعي.

أولاً : كيف تتعاطى المنظمات الدينيّة المتطرّفة مع وسائل الإعلام ؟ بمعنى آخر، كيف يستّغل التطرّف الديني وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي، لتسويق أهدافه؟

إذا ما نظرنا إلى الواقع، يبدو لنا أنه مخيف، لأن المنظمات الدينيّة المتطرّفة لها طرقها المؤثرة بمعنى أنها تؤثر على الرأي العام وأكثر من ذلك تفعل فعلها فيه. (مثلاً ظاهرة داعش والنصرة كيف عبأت النفوس عبر وسائل الإعلام، فاستعملت التلفزيون لتنشر أفلاماً حماسيّة، وتعرض تدريبات على استخدام السلاح، بهدف استقطاب المتطوعين في صفوفهم، مع أختيار المؤثرات الضوئيّة والصوتيّة والموسيقى، التي تدفع إلى الحماسة كي ينضوي في صفوف هذه المنظمات المقاتلون، ناهيك عن تسويق فكرة جهاد النكاح.)

أما مشهديّة الإعدامات المصوّرة، عبر وسائل التواصل الإجتماعي التلفزيون، الفضائيات، واليوتيوب، كان الهدف منها إثارة الخوف والرعب في نفوس الخصوم أولاً وفي نفوس العالم، وهكذا تكون وسائل الإعلام بقصدٍ أو عن غير قصد قامت بمساعدة هذه المنظمات في تسويق إستراتجيتها الحربيّة لتكسب الحرب أولاً عبر وسائل الإعلام، تحت عنوان ما يسمّى الحرب النفسيّة.

إن الخطر في إستعمال وسائل التواصل هذه يكمن في إفتتاح فروع الإرهاب في الخارج، تساهم في ضرب السلم وخلق الفوضى في البلدان التي تستهدفها هذه المنظمات، وقد يسخرّون وسائل التواصل هذه، في تواصل أعضاء هذه المنظمات مع بعضهم بسرعةٍ وسهولةٍ كبيرتين.

 

ثانياً : دور وسائل الإعلام في نشر قيم التسامح والإعتدال والوسطيّة بين الناس وفي المجتمعات، في مواجهة ومكافحة التطوّر الديني، إن الكنيسة الكاثوليكيّة التي أمثّلها في مجال الإعلام، (كما باقي الأديان تؤكد على أهمية دور وسائل الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي في نشر ثقافة التسامح والإعتدال والوسطيّة.)

إن الكنيسة تعتبر وسائل الإعلام خطرٌ وثروة في آن على المجتمع ولا بدّ من تنشئة الثقافات والضمائر على استخدام وسائل الإعلام بغية الإفادة منها كثروة للمجتمع تكون في خدمة الإنسان وبنيانه وتسعى إلى تعزيز كرامة الشخص البشري، وأن تكون هذه الوسائل أبواب حقيقة وإيمان في حياة العائلة والمجتمع، وأن تكون أيضاً في خدمة العدالة والسلام الحقيقي في ضوء سلام الأرض.

ومن هذا المنطلق، فإنها تدعو القيّمين على وسائل الإعلام إلى نشر ثقافة المحبّة في مواجهة ثقافة القتل والعنف والتعصب وهي تصرّ على مواجهة الشرّ بالخير. وبهذا المعنى فهي تعتبر نفسها ملتزمة في نشر قيم التسامح والإعتدال والوسطيّة وهذه القيم الإنسانيّة، هي من أبرز القيم التي تسهم في استدامة المجتمعات البشريّة وإزدهارها، أضف إليها في ما يخصّنا في لبنان إعلاء قيم العيش المشترك، ومواجهة المصير الواحد على مستوى الجغرافيا و الثقافة، بحيث يعمل الجميع لتحقيق الأهداف الإنسانيّة المشتركة في ظل تعددية تبني ولا تهدم.

تجدر الإشارة إلى أن نشر قيم التسامح ومكافحة التطرّف مهمة ليست حكراً على الكنيسة، إنما هي أيضاً مهمة المؤسسات الإجتماعيّة والتربويّة والثقافيّة بمختلف أنواعها، نبدأ من العائلة إلى المدارس والجامعات، إلاّ أن المسؤوليّة الكبرى في تحقيق هذه المهمة تقع على عاتق المؤسسات الإعلاميّة وشبكات التواصل الإجتماعي، والمواقع الإلكترونيّة، نظراً لقدرة الإعلام على الوصول إلى ملايين الناس والتأثير فيهم وبشكل سريع.

 

ثالثاً : ما هي السبل التي يجب أن تتبعها وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي من أجل تحقيق هذه الأهداف؟

لكي تحقق وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي هذا الدور المهمّ، لا بدّ من استنادها لإستراتيجيّة شاملة وبعيدة المدى تحدّد من خلالها مجموعة أهداف تعمل جميع الأطراف الإعلاميّة والمجتمعيّة على تحقيقها بشكل مشترك ومتكامل، يأتي في مقدمتها بناء رأي عام مساند لقيم التسامح نظرياً وتطبيقياً على مستوى الأفراد والجماعات، وتعزيز التواصل والحوار بين الشعوب العربية والإسلاميّة والشعوب الأخرى من خلال التعريف بالجوانب السمحة للحضارات المنوّعة التي تتنافى مع ممارسات التعصّب والإرهاب والتطرّف.

من جهة ثانية يجب العمل على عدم إفساح المجال إعلامياً للخطاب الديني المتشدّد، وعدم نشره على وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي، وهذه المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على المسؤولين عن هذه المؤسسات، وفي المقابل إفساح المجال للخطاب الديني المعتدل والمتسامح والوسطي.

 

رابعاً: المبادرات العمليّة لتحقيق أهداف هذه الندوة

بناءً على ما تقدم ومن أجل مكافحة التطرّف الديني، ونشر قيم التسامح والإعتدال والوسطية عبر وسائل الإعلام أقترح العمل على المبادرات التالية:

أ – إطلاق قنوات ومؤسسات صحفيّة والكترونيّة متخصّصة في بناء ثقافة التسامح ومكافحة الفكر الإرهابي المتطرّف.

ب – إطلاق برامج تأهيل وتدريب إعلامي فكري للإعلاميين لتمكينهم من التفاعل الناجح مع قضايا الفكر المتطرف.

ت – إطلاق برامج استقطاب للصحافيين والمؤثرين العالميين للحضور إلى عالمنا العربي بغية الإطلاع على واقع التسامح والتعايش المشترك.

 

خاتمة

في الختام أختصر وأقول أن عملية نشر قيم التسامح والإعتدال والوسطية، ليست عملية شعارات، إنما هي عملية لها أهداف ومحاور يجب أن تتبناها كل وسائل الإعلام، ومن أهم هذه الأهداف: الإعتراف بالآخر وقبوله والتعايش معه، تعزيز الحوار والتسامح الديني العمل على تجديد الخطاب الديني، نشر ثقافة الإعتدال ونبذ كل أشكال التعصّب والتطرّف.

وأخيراً  ليس آخراً الفهم الصحيح لرسالة الأديان.

 

المصدر :  المركز الكاثوليكي للإعلام