محاضرة في كفيفان عن روحانية الحرديني
بداية، رحب الأب الحاج بالحضور مثمنا "التزام مسيرة المشاركة في احتفالات ذكرى التقديس"، ورأى أن "القداسة تشكل محورا اساسيا في كل محطات ومراحل الحياة".
ثم تحدث الاب حنا وقال: "سكنت فكرة الدولة ذهن القديس نعمة الله وكيانه ووجوده. وقد كانت الدولة هاجسه وحلمه ومشتهى قلبه في إمكان تدبير البشر على الأرض. وكما أن الانسان خلق على صورة الله كمثاله، فإن الدولة وجدت على صورة الفردوس كمثاله. وليس من قبيل الصدفة أن يكون القديس نعمة الله قد شبه الرهبانية بالدولة بحسب ما نقل عنه: "ان الراهب في ديره، ملك في قصره، دولته رهبانيته، جنوده إخوته، مجده فضيلته، تاجه محبة الله ورهبانيته، صولجانه عفته وطهارته، سلاحه فقره وطاعته وصلاته، برفيره تواضعه ووداعته".
وسأل:"عندما يتكلم القديس في السياسة، ما عساه يقول لنا اليوم، وقد بتنا بأمس الحاجة الى قداسة في السياسة؟"
وتناول الأب حنا الأوضاع العامة والاقليمية والدولية في أيام القديس نعمة الله وقال: "إن الحقبة التاريخية التي عاش فيها القديس نعمة الله تشبه الى حد بعيد ما نعيشه اليوم، وفي أيامه كان الانقسام سيد الموقف على الاصعدة كافة، وكانت الدولة غائبة، والكنيسة متعثرة، والرهبانية مشرذمة. لذلك أطلق القديس صرخة في الرهبنة ومن خلالها في البلاد والكنيسة واجدا الحل في الدولة فقط، وفي الكنيسة فقط، وفي الرهبانية فقط".
ثم عرض الاب حنا "مفهوم القديس نعمةالله للدولة" وقال:"الملفت في كلام الحرديني أنه اشترط وجود الانسان من أجل بناء الدولة، والمقصود هنا كل فرد يعيش على أرض الوطن دون تمييز ولا استثناء ولا تصنيف. وهنا تظهر حقيقة الديموقراطية في أبهى مظاهرها. وبرأي الحرديني بدون المواطن ليس هناك من ملك ولا حاكم، المواطن هو الملك والحاكم لأنه هو من يختار من خلال الانتخاب الحر من يتولى أمره، المواطن هو المقرر والحاكم وهو المنفذ. أما في موضوع الدولة فالحرديني يميز بين نوعين من الحكم والادارة في الدولة: الادارة المحلية ويرمز اليها بالدير، والادارة العامة ويرمز اليها بالرهبانية. وبمفهومه الادارة تبدأ من اسفل الهرم وليس من قمته، واذا كانت الادارة المحلية منضبطة فلا بد أن تكون الادارة العامة أيضا منضبطة ومستقيمة".
وتابع:"اضافة الى كل ذلك ، الدولة بحاجة الى حماية، حماية الانسان في المكان والزمان اللذين يعيش فيهما، وبكلمة الدولة هي في الاساس مواطن، وأرض وبنية تحتية، وصانعو الدولة هم المواطنون، وهادمو الدولة هم أيضا المواطنون وليس فقط الحكام والمسؤولون".
وأضاف: "يستعرض القديس نعمة الله صفات الحاكم من خلال صفات المواطن. ومن ثوابت الحكم: القصر، الدولة، المجد، المحبة، التعفف، الفقر والتواضع. والمقارنة بين حكامنا والحكام في عرف الحرديني هي أكبر دليل بأن النجاسة تسكن السياسة أكثر من القداسة".
وختم:"القديس ليس ذلك الذي يحتكر الصلاح لذاته، بل هو من يلتزم الصلاح ليمتلىء منه، ويفيض على الآخرين. هكذا كان الأب نعمة الله قديسا وسياسيا أيضا بامتياز. وبامكاننا أن ندعوه رجل القرارات الصعبة على الصعيد الكنسي وعلى الصعيد الرهباني وعلى الصعيد الفردي. ان القديس نعمة الله هو شفيعا لهذه المرحلة، شفيعا للسياسيين والسياسة أي تدبير الجماعات البشرية".