ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
فضائلُ اللهِ على المخلوقِ لا تُحصى، ومن أعظمِها وأبهى أنوارِها فضيلةُ الرّجاء، تلك الجوهرةُ الإلهيّة التي تنبعُ من نعمةِ الرّوحِ القدس، فتغمرُ القلبَ بالسلامِ وتُثبّت النفسَ في أملٍ لا يَخيب. الرّجاء هو الأفقُ المفتوحُ نحو الخيرِ الموعود، والتوقُ الذي يرفعُ الإنسانَ من ضيقِ الحاضرِ إلى رحابةِ المستقبل، ومن ألمِ اليومِ إلى فرحِ الغد. إنّه الشوقُ العميقُ إلى تحقيقِ المأمولِ، والقوّةُ التي تُعينُ الإنسانَ على مواجهةِ تقلّباتِ الحياةِ بجرأةٍ وثبات.
في طبيعةِ الإنسان، العقلُ مملوءٌ بالآمالِ والتطلّعات، لأنّ الإنسانَ كائنٌ يَحيا بفسحةِ الأملِ التي تُشرقُ وسطَ ظُلمةِ المصاعب، وقد قيل: "ما أضيقَ العيشَ لولا فسحةُ الأمل"!
هذا عن الأمل، أمّا الرجاء، فإنّ فقدانَه يُطفئُ نورَ الروح، ويَسلبُ من الإنسانِ عزيمتَه التي بها يتقدّمُ ويُصارعُ. ولكنَّ المؤمنَ الذي يستندُ إلى اللهِ لا يَفقدُ رجاءه، لأنّه مؤمنٌ بوعودِ الخالقِ التي لا تَزُول.
وكيفَ لا نَرجو وقد علّمَنا الرسولُ بولس أنَّ "الضّيقَ يُنشِئُ صبرًا، والصبرُ تزكيةً، والتزكيةُ رجاءً، والرّجاءُ لا يُخزِي"؟ هذا الرجاءُ لا ينبعُ من قوّةِ الإنسانِ، بل من محبّةِ اللهِ التي انسكبتْ في قلوبِنا بالروحِ القدسِ المعطى لنا (رومية 5: 3-5). في الضّيقِ نختبرُ صدقَ الإيمانِ وثباتَه، وننمو في الفضائلِ الروحيّة، ونُدركُ يقينًا أنَّ اللهَ معنا، وأنَّ رجاءَنا فيه لن يَخيب.
رجاءُ المؤمنِ قائمٌ على حقيقةِ قيامةِ المسيح، ففيها تتجلّى عطيّةُ اللهِ الأسمى، التي تُحرّرُنا من عبوديّةِ الخطيئةِ والموت. هذا الرجاءُ ليس مجرّدَ أمنيةٍ أو خيالٍ، بل هو قوّةٌ تُحيي القلوب، وشهادةٌ حيّةٌ على حبِّ اللهِ الأبديّ لنا. في المسيحِ يسوعَ يُزهرُ الإيمانُ ويرتفعُ الرجاءُ وهما متلازمانِ، يُقوّي أحدُهما الآخرَ، ويُغذّيهِ بالرجوعِ إلى اللهِ، منبعِ كلِّ خير.
وعندما تشتدُّ التجاربُ وتَظلمُ المصاعبُ، يُبقي الرجاءُ الإنسانَ ثابتًا، يرفعُ نظرَه إلى السماءِ حيثُ ينتظرهُ الخلاصُ الأبديّ. فالرّجاءُ الذي يُسكبهُ الروحُ القدسُ في قلوبِنا يُضيءُ الطريقَ ويُبدّدُ المخاوفَ، مُلهمًا إيّانا على المضيِّ قدمًا بشجاعةٍ وإيمانٍ. هو القوةُ التي تجعلنا نثقُ بأنّ يدَ اللهِ لن تتركَنا، وأنّ رحمتهُ تُرافقُنا مهما كانت أحوالُ الحياةِ.
رجاءُ المسيحيِّ ليس من هذا العالم، بل هو في اللهِ وحده. هو عطيّةٌ سماويّةٌ ترفعُ الإنسانَ فوقَ أوجاعِ الأرضِ، وتُثبّتُه على صخرةِ الخلاص. وبالرّجاء، يُصبحُ المؤمنُ شاهدًا حيًّا على نورِ المسيح، مُعلِنًا للعالمِ أنّ من يضعُ رجاءَه في اللهِ لن يُخيَّب أبدًا.