دينيّة
26 كانون الثاني 2025, 07:00

لمّ الله شملهم في القداسة...

أرزة البيطار
عاش القدّيس كسينوفوندوس الّذي كان من أشراف وأعيان مدينة القسطنطينيَّة، مع زوجته ماريّا الّتي عرفت بفضائلها وولديه أركاديوس ويوحنّا في عهد الإمبراطور يوستينيانوس الأوَّل أيّ في القرن السّادس.

وبفضل وضعه المادّيّ الجيِّد تمكَّن القدّيس من تعليم ولديه أفضل تعليمٍ. وعندما بلغا أرسلهما إلى مدينة الشَّرائع بيروت ليتلقَّيا دراساتٍ عليا في القانون.

ولكن بعد فترة توعَّكت صحَّة كسينوفوندوس حتّى شارف على الموت، فاستدعى ولديه. ولحكمة إلهيَّة وبطريقة عجائبيَّة، عادت للقدّيس صحَّته، فعاد ولداه أدراجهما. إلّا أنَّ عاصفةً ضربت البحر وهما عائدان إلى بيروت فتكسَّر المركب الّذي استقلّاه وغرق عددٌ من الرَّاكبين. ولكنَّ مشيئة الله أنقذت الصَّبيَّين فوجد كلٌّ منهما نفسه في مكانٍ دون أن يعرف إذا ما كان أخوه حيًّا أم لا. وتختلف المصادر ما إذا كان الحادث قد وقع قبالة شواطىء صور أم مقابل دير النُّوريَّة.

بعد مضيّ الوقت ترهّب يوحنّا في أحد أديرة لبنان، فيما رحل أركاديوس إلى الأراضي المقدَّسة ليحجّ، حيث إلتقى هناك رجلًا بارًّا يمتلك نعمة التَّبصُّر، فطمأنه على والديه وأخيه ووعده بلقائهم قريبًا. ثمّ وجَّهه ليصبح راهبًا في دير القدّيس خاريطون جنوبيّ بيت لحم وغربيّ البحر الميت. ‏

أمّا بالنِّسبة للقدّيس كسينوفوندوس، فبعد مُضيِّ سنتين على عودة ولديه إلى بيروت وعدم وصول أيَّة أخبار منهما، أوفد أحد خدّامه ليأتي بخبرٍ عنهما.

أمّا الخادم الّذي وصل بيروت فلم يتمكَّن من معرفة شيءٍ عنهما فرحل إلى أثينا، وهناك إلتقى بخادم الشّابين الّذي أصبحَ راهبًا هو الآخر، والّذي أخبره عن هلاك المركب وعن احتماليَّة أن يكون يوحنّا وأركاديوس قد غرقا.

ومع عودة الخادم إلى القسطنطينيَّة وبلوغ كسينوفوندوس وزوجته خبر انتقال ولديهما إلى الأخدار السّماويَّة إثر الحادث، حمّل الأخيران همَّهما لله وهما على يقين بقدرته على شفاء جراحهما مهما بلغ عمقها بقولهما :"الرّبّ أعطى ‏والرَّبّ أخذ فليكن إسم الرَّبّ مباركًا" (أيوب21:1‏). ثمَّ لبسا المسوح وأقاما الصَّلوات طيلة اللّيل.

في الصّباح راودهما حلمٌ عن ولديهما المُتوَّجين والواقفين أمام المسيح، فقررا بإلهامٍ من الله أن يحجّا في الأراضي المقدَّسة. 

 

‏هناك في أورشليم إلتقيا بنفس الشَّيخ الذي أرشد أركاديوس إلى الرَّهبنة، فأخبرهما أنَّ إبنيهما ما زالا على قيد الحياة وأنَّهما سوف يلتقيانهما بعد زيارة أديرة الأردن. 

وشاءت حكمة الله أن يتوجَّه يوحنّا بدوره في رحلة حجٍّ إلى الأراضي المقدَّسة، فإلتقى وأخيه في الجلجثة عند الشَّيخ، إذ كان الإثنان قادمان إليه للاسترشاد ولأخذ بركته. ثمَّ بعد يومين من زيارة أديرة الأردن عاد كسينوفوندوس وزوجته عند الشَّيخ. فوجدا راهبين يخدمان المائدة بكل وقارٍ ولطفٍ، دون أن يتعرَّفا إليهما ولمّا سألا عنهما أدركا أنَّهما ولداهما فإنفجرا بالبكاء فرحًا وامتنانًا لله الذي أشفق عليهما.

وبعد حين إنتقل أركاديوس ويوحنّا مع الشّيخ إلى إحدى الصَّحاري ليتمِّما نذورهما الرّهبانيّة. فيما وزَّع الوالدان ثروتهما على الفقراء ودخلا بدورهما الرَّهبنة. هكذا عاش الأربعة حياة فضيلةٍ وترهُّبٍ لحين رقادهم‏ وانضمامهم لمصاف القدّيسين.