ثقافة ومجتمع
02 حزيران 2016, 08:10

لكي يبقوا هم "البركة"!

ريتا كرم
هل مررتم يوماً بعجوز مرميّ على الطّريق، يخاطب نفسه لأنّ أحداً لا يجيبه؟ هل سمعتم تمتماته وأخذتموها على محمل الجدّ وعاينتم ألمه؟ كلّنا فعلنا! فإن مرّ بجانب سيّارتنا ووقف طالباً حسنة أغلقنا النّوافذ وحِدْنا بنظرنا عنه. وإن وقف بجانبنا أدرنا ظهرنا ورمقناه بنظرة اشمئزاز، نمتعض ونتأفّف! وإن تحرّكت مشاعرنا فتتحرّك شفقة.

 

هم قست عليهم الحياة. هم ليسوا سعداء أن يُطلق عليهم صفة "شحّاذ".

إنّ هذا العجوز الرّثّ الثّيّاب الّذي يجرّ رجليه بضعف شديد منحني الظّهر، منتعلاً حذاء كبيراً ومهترئاً وجده ربّما أثناء بحثه في القمامة عن شيء يفيده، ترتسم على وجهه ملامح الشّيخوخة وتدلّ على قساوة الحياة ولؤمها، ربّما كان قبل سنوات كثيرة شابّاً حيويّاً وطموحاً، عاملاً منتجاً، فرداً من أسرة محبّة وربّما كان ربّ عائلة. ولكن عاكسته السّنين، ففقد كلّ شيء بلمح البصر وتشرّد.

ربّما كان مدرّساً، يفقه بالعلم والأدب، يهوى الفنّ والشّعر؛ غير أنّ الحرب سلبته كلّ شيء حتّى ذاكرته فأضاع عائلته ومستقبله وبات مشلوحاً تحت الجسور وفي الأزقّة الضّيّقة.

ربّما خرج- يوم كان القصف يتساقط كالمطر في بيروت- بحثاً عن عائلته الّتي لم يعد أفرادها لأنّهم قضوا برصاصة قنّاص، وعندما لم يجدهم آثر البقاء في الشّارع بحثاً عن بصيص نور يعيد إليه من فقدهم على غفلة. فتراه يبحث في وجوه المارّة عن شبه بينهم وبين أفراد أسرته علّه يلتقيهم من جديد.

لكلّ واحد منهم قصّة توجع القلب. قصّة حاكت السّنون فصولها لا كما يشتهي البطل أحداثها وإنّما كما اشتهتها الظّروف ووضعت نهاية بتنا نشاهدها كلّ يوم على أرض الواقع.

لأجل ذلك، هلّا نقوم اليوم بخطوة نوعيّة ونتوقّف ولو للحظات أمام وجع هؤلاء ونتأمّل في عينيهم مباشرة ونرسم ابتسامة محبّة على وجوهنا، لأنّ تلك كفيلة أن تعيد إليهم شيئاً من كرامتهم كإنسان، كرامة كانوا قد فقدوها في كلّ مرّة نظرنا إليهم بفوقيّة وتجاهلنا وجودهم! هلّا نردّ إليهم الحياة بكلمة صغيرة ناعمة فنذكّرهم بوقع الكلام الرّقيق النّابع من قلب يشعر بهم!

هلّا تذكّرنا أنّ كبارنا هم بركة مجتمعاتنا، فهلّا نصونهم لتدوم النّعمة بيننا حتّى بعد رحيلهم!