مقالات وتقارير
16 تشرين الأول 2019, 13:00

لبنان يحترق... ولكن من له يسوع والقدّيسون فمن عليه؟

ماريلين صليبي
بقدر ما أنتِ جميلة، كم أنتِ قاسية أيّتها الطّبيعة! كالوردة الفوّاحة لكن الغدّارة أنتِ، كالوردة التي تملأ الدّنيا بالجمال والسّلام والرّقّة، والتي، فجأةً، تسارع إلى جرح التّائقين إلى احتضانها، فتخز أحبابها بشوكها القاسي.

هكذا كنتِ في اليومين الماضيين، بحرارتك المنتَظرة غدرتِ أعشابًا وأشجارًا وأزهارًا تائقة لالتماس دفئك. حرارتك هذه غمرت لبنان، لبنان الذي ظنّ أنّه تغلغل في حضنها الدّافئ، لتردّ الثّقة بالطّعن، فالحرّ المُرّ خنق لبنان الأخضر، والحرارة الصّحّيّة تحوّلت حريقًا لاذعًا غطّى المرج بالرّماد ومحا البساتين.

من علياه، تأمّل الرّبّ بلد القداسة لبنان، بقعةً مرقّطة بالأسود والرّماديّ، بعد أن تآكلت النّيران أعشابه وأحراجه وجماله وألوانه. الرّبّ لم يتحمّل الوحش الطّبيعيّ الذي التهم الأخضر واليابس وكاد يهجّر المواطنين من بيوتهم، ليختم يوم الشّؤم هذا بدموعه الباردة التي أخمدت غليان الأرض القاحلة.

بسبب غضب النّيران، الألوان المشرقة تحوّلت ظلامًا حالكًا...

بسبب غضب النّيران، الحياة البشريّة والحيوانيّة والنّباتيّة تحوّلت موتًا بطيئًا...

بسبب غضب النّيران، النّسمة النّاعمة تحوّلت ضيق تنفّس أودى بحياة شهيد للإنسانيّة والنّخوة...

أليمة هي هذه الأيّام... غيوم سوداء تغطّي سماء لبنان منذرة بهبوب عاصفة الدّمار، وكأنّ الوضع الاقتصاديّ لا يكفي لتنزل مصيبة الحرائق بالمواطنين.

لكن مهلًا! أرض لبنان أرض قداسة مباركة تشعّ رجاء لا متناهيًا، والأمل حاضر فيه أبدًا، وعبارة #لبنان_يحترق التي ضجّت بها مواقع التّواصل الاجتماعيّ قد تعكس الواقع المرير لكنّها لا تشبه صمود بلدنا.

يُقال إنّ "من له يسوع، فمن عليه؟" وها إنّنا نقول، للبنان يسوع ومريم ومار شربل والقدّيسة رفقا والقدّيس نعمة الله والطّوباويّ إسطفان نعمة والطّوباويّ أبونا يعقوب، فمن عليه إذًا؟

لا هي الحرائق ستُنهي جمال صاحب الفصول الأربعة، ولا هو الرّماد سيبقى إلى الأبد، ولا هم المواطنون سيستسلمون إلى الأمر الواقع. فمنذ أن هبّت الجبال بالنّيران حتّى سارعت فرق من المتطوّعين إلى الإغاثة وتقديم المساكن البديلة، والأبرز يكمن في لجوء الشّبّان والشّابّات والشّيوخ والنّساء والأطفال إلى الصّلاة الصّادقة والقداديس المحيية من أجل أن يخمد غضب النّار ويكشح ظلام السّماء، فتتفتّح الأزهار مجدّدًا وتعبق الطّبيعة أملًا جديدًا.

لا السّياسة الخاطئة ستُنهي لبنان... ولا الاقتصاد الهشّ سيمحوه... ولا حرائق الطّبيعة ستهزمه، فالله هنا، والجهود مبذولة، والصّفوف مرصوصة، والملائكة حاضرة ترفرف فوق أرض وطأ عليها المسيح وبين شعب لم يعرف الضّعف يومًا!

لا خوف من أنياب النّار، فهذه النّار التي حرقت القلوب قبل الأحراج، لا بدّ من التّأمّل بها برجاء. فأليس الرّوح القدس نفسه أشبه بشهب النّار؟ وألا يصف الكتاب المقدّس الله بالنّار الآكلة؟ لننظر إليها إذًا كرمز لوجود الله بيننا، وجود ناريّ يشعّ النّور والإرشاد...