ثقافة ومجتمع
03 أيلول 2024, 12:20

لبنان رسالة كونيّة بشريّة

تيلي لوميار/ نورسات
بقلم البروفسّور الأب يوسف مونّس

 

لبنان في رسالته وكينونته الوجوديّة، هو تلاق وتعايش وحوار ومحبّة وقبول حقّ التنوّع للآخر، المفترق والمختلف دينًا وعقائد وعادات وسلوكيّات.

 

أرض حرّيّة وكرامة، وحبّ واحترام واقتسام أفراح وأحزان.

الحرّيّة الكيانيّة هي أساس عظمة الوجود الإنسانيّ وكرامته ومنبع مأساويّة هذا الوجود وفاجعته، لأنّها منبع القرار والخيار والمبادرة إلى الخطيئة أو النعمة.  

لبنان هو وجود رسوليّ روحيّ في ضمير الإنسانيّة، وواحة كرامة للتلاقي والحبّ والحوار والاحترام.

في الأوّل من أيلول، تمّ إعلان دولة لبنان الكبير... إنّه وطن شاءه مؤسّسوه منذ إعلانه لبنان الكبير قبل مئة وأربعة أعوام، أرضًا يمكن أن يعيش فيها، بسلام وحرّيّة واحترام، مختلف الديانات والمجتمعات والإثنيّات والأعراق والأجناس.

هنا، يتلاقى الموارنة الروّاد وفكرهم اللاهوتيّ عن التجسّديّ والزهديّ وطقوسهم الجميلة والبسيطة، مع أهل السنّة أهل الرحمة والعزل، وأهل الشيعة وفاجعتهم وحزنهم وأساهم وشخصيّتهم المميّزة، وأهل العرفان الدرزيّ والعقل والحشمة والتفاني والحكمة، وأهل الشكّ والقلق الجارح والوجوديّ البروتستنتيّ، وأهل المأساويّ وأناشيد القيامة والبقاء.

المذبحة الأرمنيّة والطقوس والنور والحياة والرجاء والملاحم مع أهل أشّور، أهل الجذور وقصائد المدرك وصلاة الأزمان والسريان، وأناشيد الأدباء الشعراء الكبار، منبع الفكر المشرقيّ اللاهوتيّ والناس الواقفين على حدود الإيمان بالله، والشكّ في وجوده وفي الحياة الأخرى.

لبنان فسيفساء رائعة في تنوّع ووحدة جماليّة فريدة في تاريخ الثقافات والحضارات والمسارات الإنسانيّة والروحيّة واللاهوتيّة. هذه الإثنيّات جميعها تعايشت معًا، وتفاهمت على ما يجمع بينها وقبلت تنوّعها واختلافها وتعدادها وتمايزها باحترام وسكينة.

أهلها عاشوا بوئام تحت سقف الوطن الواحد وتوافقوا وقالوا إنّ التعاليم الصحيحة للأديان تدعوا إلى عيش قيم السلام والتعارف المتبادل والأخوّة الإنسانيّة، والعيش المشترك وتقاسم الأفراح والأحزان والأعياد والاحتفالات، وتلاقوا على احترام الحرّيّة التي هي حقّ لكلّ إنسان، وممارسة الحوار والتفاهم ونشر ثقافة التسامح، وقبول الآخر والتعايش، واقتسام المساحة الهائلة للقيم الروحيّة والإنسانيّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة، مع عيش الفضائل الكبرى التي تدعو إلى عيشها الأديان المحبّة للأخلاق والسلوك الحسن. وقبلوا في ما بينهم مواطنة واحدة تقوم على المساواة في الواجبات والحقوق، ونبْذ العنف والتباغض والكراهية والعدائيّة وحبّ الوطن والدفاع عنه، وعدم العمالة للخصم.

لبنان هو مشروع سلام وأخوّة وحبّ، رسالة أخوّة نموذجيّة للبشريّة وللمجتمعات المتنوّعة والإثنيّات. فلنحافظ على هذه الوديعة الثمينة، وعلى هذا الإرث الغالي الذي تركه لنا الآباء والأجداد، وعلى هذه النعمة والبركة التي وهبنا وأعطانا إيّاها الله بمحبّته وكرمه، والتي سنبكي دمًا على فقدها، وساعتئذ لا ينفع الندم والبكاء.

وكما قال قداسة البابا القدّيس يوحنّا بولس الثاني "ستكون خطيئة كبيرة، ستبكي البشريّة دمًا بسببها إذا زال لبنان".

ونبكي كالنساء وطنًا لم ندافع عنه كالرجال، هذا ما قالت أمّ أحد ملوك الأندلس لولدها الذي ترك أرضه باكيًا: "لا تبك كالنساء وطنًا... لم تدافع عنه كالرجال".

اتركوا لي الجوهرة المقدّسة التي أحمل وفيها الأديان والحضارات والثقافات كلّها".