لا داعي للمساعدة، أنا... جحش كبير
قد لا نعلم ما هي ظروف هذا الولد حقيقة، إلّا أنّه ومن خلال ما نقله الكاهن لنا، فالطّفل كان واقفًا أمس في منطقة نهر إبراهيم في لبنان تحديدًا، حتّى لا يتّهمنا أحد بأنّها مفبركة أو قديمة أو بأنّها طرحت بهدف استقطاب المتابعين. ومن خلال حديثه مع الخوري سعادة تبيّن للأخير أنّ الولد يعاني من صعوبة في النّطق وربّما هو من المجروحين في ذكائهم.
إلّا أنّ أيًّا من هذه الأسباب تبرّر وحشيّة وظلاميّة فكرِ من حمّله هذه اليافطة أكان بهدف الاستعطاء أم التّنمّر، فللطفولة كرامة وقدسيّة وهي منبثقة من الله لا من أبنائه.
"دعوا الأطفال يأتون إليّ ولا تمنعوهم لأنّ لمثل هؤلاء ملكوت الله." (لوقا ١٨ : ١٦).
واذا غُصنا في العمق أكثر نجدُ في المزمور (١٢٧ : ٣) "ها إنَّ البنينَ ميراثٌ من الرّبّ وثمرة البطن ثوابٌ منه".
فكم هو أمر عظيم أيّها الإنسان أن يشاركك الله نعمة الخلق والتّكاثر والحفاظ على النّسل؟
لا بل هو قد أسماه ميراثًا. فإذا كنت تحافظ على ميراثك من أهلك، أرضًا كان أم منزلًا أم ثروة أو ليس الحريّ بك الحفاظ على ميراث هو ميراث الله وأنت مؤتمن عليه؟
الآن وبعد هذه الصّورة، ماذا بقي لتحافظوا عليه؟ ماذا تركتم من قدسيّة أعمال الله في خلقه؟ ماذا بقي من ميراثه؟ من رأفته؟ من رحمته؟ من محبّته؟ من فدائه الجميع على الصّليب؟لا شيء... نسفتم كلّ شيء.
أيًّا كانت حالة هذا الفتى، أكانت نفسيّة أو معنويّة أو جسديّة، لا يحقّ لكم استغلاله، لا يحق لكم تشويه إنسانيّته وصورة الله التي جُعل على مثالها. ولا حتّى ظروفكم النّاتجة عن تداعيات الآفات التي طرأت على لبنان والتي جعلت من أغلبيّة شعبه على غير طباعهم وعاداتهم، والتي أبرزت انعدام الأخلاق والرّحمة والرّأفة والحبّ، تسمح لكم بذلك أو تبرر فعلتكم.
وأخيرًا لكاتب اللّوحة النّاطق باسم الطّفل والذي أبرز هويّته من خلال هذه اليافطة التي ألصقها بعنقه وأرهبه من محاولة التّخلّص منها، لأنّ الكاهن حاول انتزاعها بغية تمزيقها فلم يفلح إذ قد هرب الفتى، نقول: "لم نتشرّف بمعرفتك...وقد أضعت تعب الحمير وكدّهم ووفاءهم لذويهم".