ثقافة ومجتمع
10 تشرين الثاني 2016, 14:09

كلمة السيد انطوان إفرام حول النّزوح السّوريّ - جامعة كولومبيا

خلال المؤتمر الّذي عُقد في جامعة كولومبيا- نيويورك في الولايات المتّحدة الأميركيّة حول قضيّة اللّاجئين السّوريّين والتّحدّيات الّتي تمنع دمج اللّاجئين السّوريّين في البلاد المستضيفة، ألقى عضو مجلس الأمناء انطوان افرام خطابًا حول النزوح السوري، جاء فيه:

 

"إنه لشرف لي أن أشارك كمحاور خلال هذا المؤتمر بموضوع اللاجيئين السوريين والتحديات التي تمنع وتحول دون دمج وإنصهار اللاجئين في مجتمعات البلدان المستضيفة، كما هو الوضع في لبنان.

 

أن مداخلتي خلال هذا المؤتمر ترتكز على خبرتي كرئيس للمجلس البلدي لمدينة جونية خلال الأعوام السّتّة المنصرمة، والتحديات الجمّة التي واجهناها بسبب التدفق الهائل للاجئين السوريين في لبنان.

 

ان لبنان على مدى السنوات الخمس الماضية كان  مضيافا جدا ومرحبا تجاه اللاجئين السوريين، ولقد إعتمد سياسة الحدود المفتوحة  لعدد كبير من السوريين، وأن  الدولة اللبنانية الشعب  اللبناني قد حاولوا جاهداً مساعدة اللاجئين في كافة القطاعات من إجتماعية  وتعليمية وإيجاد فرص عمل لمعظم اللاجئين.

 

ولكن لا بدّ هنا من ان نلحظ المكونات والأسس المطلوب  توفرها، و التي تسمح لأي بلد أن يكون بلداً مضيفاً HOST COUNTRY بإمكانه إستيعاب هذا العدد الهائل من اللاجئين:

 

المساحة الجغرافية: إن مساحة البلد المضيف HOST COUNTRY يجب أن تكون كبيرة والكثافة السكانية منخفضة أو متوسطة لإستيعاب التدفق الهائل للاجئين. مع الأسف إن لبنان بلد صغير  جداً  ومساحته الإجمالية هي 10,452 كلم مربع و ذو كثافة سكانية عالية جدا" 500 شخص لكل متر مربع.

 

 إن البلد  المضيف يجب أن يكون غنيا" بالموارد الطبيعية الأمر الذي لا ينطبق على لبنان. إذ إننا نعاني من نقص في المياه، وطبيعة لبنان هي طبيعة جبلية مع مساحة ضئيلة جدا" صالحة للزراعة.

 

بنية تحتية قوية وصلبة: إن نظام البنية التحتية في لبنان غير صالح ولبنان بحاجة اليوم لمبلغ يفوق 6.2 مليار دولار أميريكي لإعادة تأهيل وبناء البنية التحتية. كما أن لبنان يعاني من نقص هائل في الطاقة الكهربائية، بالإضافة الى نظام صرف صحي ضعيف أو حتى غير موجود حيث يتم تصريف معظم مياه الصرف الصحي الى البحر. كما أننا نعاني من أزمة سير خانقة وطرقات مزدحمة.

 

 

 

نظام إقتصادي قوي:  إن النظام الإقتصادي في لبنان ضعيف وإن الدين العام يفوق الستين مليار دولار أميريكي  كما أننا نعاني من نقص في فرص العمل وإن الناتج المحلي الإجمالي  GDP منخفض كثيرا" .

 

دولة قوية: لبنان دولة ضعيفة ذو نسيج إجتماعي دقيق مكون من ثمانية عشر طائفة دينية الإسلام السنّة  و الإسلام الشيعة والمسيحيين الموارنة والمسيحيين الأرثوذكس والدروز والأرمن وغيرها من الطوائف الكريمة. و إن التدفق الهائل لللاجئين السوريين وإنصهارهم ودمجهم في لبنان يهدد إنهيار النسيج الإجتماعي والطابع الوطني للبنان الذي هو بلد ذو مجتمع تعددي،  كما يهدد التوازن الديموغرافي الدقيق  في لبنان،  بالإضافة الى العقد الاجتماعي السياسي   political social contract  الذي يقوم على  تقسيم وتوزيع السلطة بين كافة الطوائف الدينية والمعروف بإتفاق الطائف، بحيث يكون رئيس الجمهورية مسيحي موراني، ورئيس مجلس النواب مسلم شيعي،  ورئيس الحكومة مسلم سنّي وينقسم البرلمان 50٪ من المسيحيين و 50٪ من المسلمين . والجدير بالذكر أن هذا النسيج الاجتماعي الديمقراطي والتعددي في لبنان هو الذي  حمى الوطن من  الحكم الديكتاتوري مثل نظام  صدام حسين في  العراق أو نظام الأسد في سوريا.

وأن أي تغييرفي التوازن الديمغرافي اللبناني بسبب دمج اللاجئين السوريين،  سيؤدي إلى عدم الاستقرار في لبنان وإلى دولة ضعيفة وغير فعّالة Failed State   وسوف يؤدي الى  "الإنهيار "  الحتمي  وحرب أهلية.

 

و بناء" على ما تقدم آنفا" فإنه من المؤكد أن لبنان لا يتمتع بالمواصفات المطلوبة لكي يكون بلدا" مضيفا" HOST COUNTRY بإمكانه إستيعاب هذا العدد الهائل من اللاجئين السوريين.

 

ولقد حان الأوان للمجتمع الدولي أن يعترف بأن الدستور اللبناني والميثاق الوطني لا يسمح لأي نوع من الدمج أو إعادة التوطين الدائم للاجئين السوريين في لبنان. و إنه لم يعد بإمكان لبنان من إستيعاب وتحمل أزمة اللاجئين السوريين منفردا"، فلبنان اليوم قد وصل الى درجة عالية من " تعب العطاء والحمل الثقيل " compassion fatigue فلبنان اليوم على حافة الانفجار الاجتماعي والاقتصادي والأمني.

 

كما أشرنا آنفا" إن الكثافة السكانية في لبنان عالية جدا" 500 شخص لكل متر مربع مقارنة"  لكثافة سكانية متدنية كثيرا" في بلدان أخرى في العراق مثلا" 80 شخص لكل متر مربع، و 99 شخص لكل متر مربع في تركيا ، و 33 شخص لكل متر مربع في الولايات المتحدة الأميريكية، ومع وجود المليون والنصف لاجىء سوري و( 600،000 مولود جديد  ومعظمهم غير مسجلين في دوائر النفوس في لبنان و في سوريا مما يجعلهم stateless من دون جنسية) تصبح نسبة الكثافة السكانية في لبنان حوالي  680 شخص لكل متر مربع.

 

إن هذه المقارنة هي بمثاباة دخول  مفاجىء لخمسة و تسعون مليون شخص الى بلد ذو كثافة سكانية متدنية كالولايات المتحدة الأميركية.

 

هل يمكن أن تتخيلوا ماذا يكون  تأثير ذلك التدفق المفاجىء  على بلد كبير مثل الولايات المتحدة؟

و ماذا سيحدث إلى النسيج الاجتماعي والقيم  و الوحدة الوطنية ؟ و لقانون صوت واحد لمواطن  واحد؟ONE Man ONE  Vote

 

خلال فترة ترأسي للمجلس البلدي لمدينة جونية في  الست سنوات الماضية  والتي إنتهت في أيار 2016 لقد إتخذت البلدية  إجرأت عدة لمساعدة اللاجئين السوريين و تسهيل أستيعابهم في مدينة جونيه . ولكن إن هذا التدفق المستمر لللاجئين كان له عدة تداعيات سلبية  على كافةالقطاعات، لا سيما ما يلي:

 

تزايد نسبة الفقر و تفاقم مشكلة النظافة و انتشار الأوبئة : حيث أن مياه الصرف الصحي تصب في البحر بالإضافة الى مشكلة تجميع النفايات و القمامة

 

المنافسة  في قطاع العمل على الوظائف والمشاريع :

ان اللاجئين السوريين مستعدون للعمل برواتب ادنى من  غيرهم كعمال،  و ساعات عمل اضافية و دون ضمان اجتماعي .
ان استبدال اليد العاملة اللبنانية باليد العاملة السورية بات يشكل مشكلة  أساسية لايجاد فرص عمل للبنانيين،  خاصة ان مجال العمل ليس متوفرا" بسهولة للشباب اللبناني الذين يهاجرون بمعظمهم بحثا" عن فرص العمل في الخارج.

 

زيادة الأسعار و نقص في الكهرباء و المياه و غيرها .

ان زيادة الطلب على الشقق المستأجرة قد  تسبب برفع مستوى الايجارات
نقص في مستوى الكهرباء و المياه و ذلك نتيجة كثرة الطلب مع ازدياد عدد السكان

 

التأثير على القطاع  الصحي:

ان ازدياد الطلب على المساعدات و الخدمات الصحية في المدينة يؤثّر سلبا" على المستشفيات و المستوصفات،  اذ أن عدد اللاجئين الذين يحتاجون الى الخدمات الصحية  المجانية و الدواء يزداد يوميا" ،  مما يشكّل  عبئا" اضافيا" على القطاع الصحي

 

التأثير على القطاع التعليمي :

ان معظم المدارس الرسمية في  المدينة لا يمكنها استيعاب هذا العدد المتازيد من التلامذة
ان العدد الكبير من اللاجئين السوريين الذين لا  يمكنهم الالتحاق بالمدارس في لبنان  سوف يبقون أمييّن و من دون علم، مما سوف ينتج  حتما" في السنوات القليلية المقبلة، بخلق ووجود  -  جيلا" ضائعا" - غير متعلّم  و تائه  مما يشكّل  – أرضا" خصبة" للارهاب والتطرف.

التأثير على الأمن و السلامة العامة:

ارتفاع عدد السرقات و أعمال العنف

اليوم إن نسبة السوريين الموجوين  في السجون اللبنانية تتعدى ال40 %  مما يشكل  عبأ" كبير على  الجسم القضائي في لبنان .

 

خطر الإرهاب:  إن مخيمات اللاجئين تشكل أرضا خصبة  "للخلايا النائمة الإرهابية "TERRORIST  DORMANT  CELLS

ففي عرسال  علىى سبيل المثال و التي هي منطقة على الحدود السورية اللبنانية ويبلغ عدد سكانها 30،000  يوجد فيها  100،000 لاجىء سوري ، و هذه المنطقة أضحت اليوم أرض خصبة و معقل للإرهاب مما يجعل الجيش اللبناني بحالة تأهب دائمة  للحفاظ  على الأمن من خطر التحركات وعمليات  التوغل لحركة داعش .

 

التأثير على المستوى  الاجتماعي: الاتجار بالبشر و الدعارة

 

الحلول :

مما لا شك فيه ، ان لبنان  - منفردا" - لا يمكنه وضع حدّ و ايجاد الحل لمشكلة النازحين و اللاجئين السوريين التي تتكاثر و تتفاقم  يوميا"،  و التي تهدد أمن و استقرار الوطن . 

لذلك يجب على المجتمع الدولي أن يقدم دعما كبيرا لمساعدة لبنان في مواجهة هذه الأزمة و تداعياتها السلبية على كافة الأصعدة  و ذلك من أجل صيانة  سيادة لبنان .

و في هذا السياق ينبغي أن تكون الأهداف العليا للمجتمع الدولي هي التالية :

 

أولا المساعدة وتسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، والحاجة إلى وضع خارطة طريق لحق العودة للاجئين .Right  Of  Return
ثانيا مساعدة لبنان لتنفيذ  استراتيجية للبقاء strategy for survival و لحماية لبنان كدولة ذات سيادة وكنموذج للتعايش و العيش المشترك ..

و حيث أن مساحة لبنان لا تتعدى  5٪ فقط من حجم سوريا يجب أن يتم  إعادة اللاجئين السوريين   الموجودين في لبنان إلى "منطقة آمنة"  داخل  الأراضي السورية - ،  و مما لا شك فيه أنه  يمكن  إيجاد ال  5٪ من الحجم الإجمالي لسوريا  حيث تكون  هذه المنطقة تحت حماية قوات الأمم المتحدة. (على سبيل المثال في لبنان هناك 15،000 جندي للامم المتحدة على الحدود الإسرائيلية اللبنانية مما  يؤمن إنشاء منطقة آمنة و عازلة )

 

إن لبنان لا يستطيع البقاء على قيد الحياة،  و لن يكون بعد اليوم   لبنان  الذي تعرفون،  هذا البلد  ذو المجتمع التعددي،  و ذلك  إذا تم أي دمج للاجئين السوريين،خصوصا أن أزمة اللاجئين تتفاقم وتهدد وجود لبنان، وتحدد الديمقراطيةالتوافقية اللبنانيةLebanon  CONSOCIATIONAL Democracy  !!!

 

إن أكبر كاتدرائية في وسط بيروت ملاصقة لأكبر مسجد في البلاد ... حيث أن أجراس الكنيسة تتناغم مع دعوات المؤذن للصلاة من المسجد .. وإن  هذا التعايش بين الطوائف المختلفة،  و  هذه الهوية التعديدة التي  يتغنى و  يتميّز بها لبنان عن غيره من الدول باتت  مهددة،  في حال  لم يوضع حد لأزمة اللاجئين و تأمين عودتهم الى بلادهم في القريب  العاجل .

 

فلبنان بإمكانه أن يكون بلدا" مضيفا" مؤقتا" للاجئين السوريين، شرط أن لا يكون هذا سببا" لزوال  وضياع لبنان. هذا الوطن الصغير الذي وصفه البابا يوحنا بولس الثاني بالرسالة  قائلاً: 

- لبنان هو أكثر من وطن، أكثر من بلد أنه "رسالة" – رسالة في العيش المشترك  السوي بين المسلمين والمسيحيين، ورسالة للغرب الأوروبي والاميركي مثلما هو رسالة للشرق العربي والإسلامي أي انه رسالة عالميّة." و من واجبنا جميعاً كلبنانيين وكمجتمع دولي ابقاء -  لبنان الرسالة حيّاً.