ثقافة ومجتمع
11 شباط 2015, 22:00

قصة اليوم : عطش جوني الى العاطفة

في قلب كل إنسان رغبة عارمة تدفعه بأن يُحبّ وأن يُحَبّ. فالجوع إلى الحب في القلب الإنساني هو جوع وضعه الله في قلب الإنسان.وقد ذكر C. S. Lewis الفيلسوف المسيحي في كتابة The Four LOVES أن هناك أربعة أنواع من الحب: الحب الطاهر، الحب الشهواني، حب الأصدقاء، حب الطبيعة والحيوان. لكن الجوع إلى الحب الطاهر، وإشباع هذا الجوع هو طريق السعادة الحقيقة.وهنا أذكر قصة الصغير "جوني" الذي أخذه والداه إلى مستشفى الأطفال في مدينة "أبيوود" بأنجلترا، إذ أُصيب بمرض يحتاج إلى علاج طويل ثم مضى شهر ولم يزر الوالدان ولدهما... ثم شهران، ثم ثلاثة...كان الصغير يتطلع كل لحظة إلى الباب متوقعاً أن يرى والديه، ولكنهما لم يعودا لرؤيته... اتصلت إدارة المستشفى بالعنوان الذي تركه الوالدان، فلم تجد لهما أثراً... ومضت أعوام والصغير المسكين يرى الأمهات والآباء يزورون من معه في الغرفة من الصغار ويحملون لهم الهدايا، وهو وحده في سريره لا يزوره أحد ولا يفكّر فيه أحد.

كان الصغير جائعاً إلى الحب... فبدأ يكذب على رفقائه الصغار لينفي عن نفسه عار الوحدة والنسيان... وراح يقول لهم: "لقد زارتني أمي في الليل أمس أثناء نومكم وأمطرتني بالقبلات، وأبي أيضاً جاء معها... وأدركت كبيرة الممرّضات في المستشفى أن جوع الطفل إلى الحب هو الذي اضطرّه إلى الكذب...
فنشرت قصته وصورته في الصحف. وفي اليوم التالي كان الكثيرون يقفون أمام باب المستشفى وهم يحملون الهدايا للصغير "جوني"..
وبكت سيدة أمام الباب لما منعوها من الدخول، فقد ركبت ثلاث قطارات وقطعت مسافة كبيرة لتزور هذا الصغير الجائع إلى الحب فسمحوا لها بالدخول، وأخذ "جوني" الهدايا التي أحضرها من زاروه، وراح يوزّعها على رفقائه، وأحسّ بالدفء يسري في كيانه بعد البرودة، وبالحب الذي غمره به الكثيرون يحوّله إلى إنسان سعيد. كان "جوني" جائعاً إلى الحبّ!
وبعد عمر .. أصبح " جونى " شاباً، وتعافى بنسبة كبيرة من مرضه. كان الجميع يعلم أن شفائه لم يكن يوماً بفضل الأدوية ولا الأمور الطبية. شفاؤه تمَّ عندما امتلأ قلبه دفئاً و حياة بفضل لمسات المحبة التى أعادته الى الحياه، حتى وإن كانت تلك اللمسات من أشخاص لا تربطه بهم علاقة دم أو قرابة .. إنما كان كافياً له علاقة القلوب وامتزاج الارواح حتى يشفى جسدياً و نفسياً ، فأصبح أكثر تعلّقاً بكل ما منحته إياه الظروف .. أكثر وعياً وتقديراً لما حُرم منه حتى أنه كان بإمكانه أن ينطلق خارج المستشفى ليحيا حياة طبيعية ويكوّن أسرة سعيدة كحلم أي شاب الا أن المحبة التى غمرت قلبه، جعلته يكرّس باقي أيام حياته، لخدمة هؤلاء الأطفال المُهملون من قبل الكبار والأهل وأخذ على نفسه الا يترك طفل محتاج أو محروم للحب.
ربما لم يكن شخصية مشهورة، يتردد اسمه على الالسن لكن الاكيد، أنه كان سبب في إعادة إحياء قلوب كثيرة رغم قسوة الحياة من حولهم.
قال سفر النشيد: "مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة، والسيول لا تغمرها" (نش 8: 7).
اهتم بنشر بذور المحبة .. فهي تعطي حقولاً مثمرة لا تحصى...