ثقافة ومجتمع
25 نيسان 2016, 11:05

قصة اليوم : صحوة ضمير

كنت جالسا في مكتبي صباح يوم ممطر من أيام يناير بعد انتهاء القداس الإلهي الذي حضره عدد محدود، أخذت أقرأ كتاب "طريق السماء" للقس منسى يوحنا، أخرجني من انهماكي في القراءة صوت طرقات على الباب، التفت لأرى شاباً في الـ30 من عمره، يبدو عليه الارتباك والحيرة والخجل، ملابسه تقطر ماءً، منظره يثير الشفقة، كانت المرة الأولى التي أراه فيها لكن هذا لم يمنعني من أن أقول له "تفضل يا بني!" دخل وجلس في الكرسي المقابل، لاحظت إنه يتشبث بمجموعة من الأوراق، يحتضنها بشدة، يحاول أن يجففها رغم الأمطار التي أذابت الحبر، وقال "ممكن، إذا سمحت أن أتكلم مع قدسك قليلاً، فأنا أريد أن أتكلم مع قدسك، ضروري جداً، أرجوك، يجب أن أتكلم".

لا شك إنني لاحظت أن عبارته متلعثمة للغاية، فابتسمت في وجهه مشجعاً قائلاً "على الرحب والسعة".

أمسك بالأوراق التي معه وبدأ يقرأ ويقرأ، لك أن تتخيل أن تلك الأوراق التي يمسك بها هي خطاياه، أربع أوراق كاملة، بداخلها أبشع الخطايا بتفاصيلها، جلس معي قرابة ساعة كاملة وأنا أنصت إليه بأذني، بينما روحي تصلي فرحة بتوبة هذا الخروف الضال. لما انتهى من كلامه، كان مازال يرتجف من رهبة الموقف، أخذت منه الأوراق وقمت بتمزيقها تماماً قائلاً له "هذا ما فعله الله، لقد مزق خطاياك تماماً ولم يعد يتذكرها". ابتدأ يهدأ، سألته "لماذا لم أقابلك من قبل"؟  أجاب "أنا لم أدخل الكنيسة منذ 15 عاماً". كان السؤال الذي يحيّرني وطرحته عليه مباشرة "ما الذي جعلك ترجع إلى أحضان السيد المسيح؟ ما الذي أتى بك إلى هنا الآن؟ هل سمعت عظة اخترقت شغاف قلبك؟ هل قرأت آية أذابت الجليد؟"  قال لي "نعم إنها عظة، لكني لم أسمعها بل رأيتها أمام عيني، نعم إنها آية لكني لم أقرأها بل حدثت أمامي". سألته في فضول "هل ترغب في أن تحكي لي ما حدث؟"  ما أن سألت ذلك السؤال حتى اندفع يتكلم قائلاً "لم تكن نشأتي سيئة، بل كنت الولد الوحيد في أسرة متدينة، لكن يبدو أن الاستجابة لكل رغباتي أفسدتني، عرفت طريق الأصدقاء "أصدقاء الجحيم"، فهم السبب فيما وصلت إليه، كنا نمتلك السلاح النافذ الذي يشق الطريق بسرعة الصاروخ للخطية، المال، كنا نمتلك الكثير منه، ارتكبنا كل الخطايا التي ذكرتها لك من قبل، كنت أشعر بأنني أمتلك الدنيا بقبضتي، لم أشعر قط بذلك الكائن الغريب الذي تطلقون عليه اسم الضمير، إنه كائن هلامي، قل لي أين يوجد؟ في المخ؟ في القلب؟ في الرئة؟ إنه هراء، هكذا كانت كلماتي دائمًا. ثم جاء هذا اليوم، كنت مع صديق عمري الذي اشترك معي في كل الخطايا، لكني رغم ذلك كنت أحبه، كنا عائدين من سهرة ارتكبنا فيها من المعاصي ما يثقل ضمير أمّة كاملة من دون أن يهتز لنا رمش، أوصلني بسيارته إلى منزلي قبل أن يذهب هو الى بيته، ارتميت على السرير غائباً في نوم عميق، أيقظوني بعدها بساعتين فقط وقالوا لي "مات، صديقك مات، صديقك الذي كان منذ ساعة واحدة يمرح ويضحك ويقهقه ويسكر مات، صديقك الذي كان يمتلأ بالحياة مات". صدمة عنيفة، انهيار كامل، لم أبك قط، فحالة ذهول كانت تسيطر علي، عدم تصديق، تسألني كيف مات؟ يقود سيارته بسرعة 120 كيلومتر في الساعة، تأتي عربة نقل ضخمة تستقر أمامه، يحاول جاهداً الضغط على الفرامل، لكن من دون جدوى، إنها القصة التقليدية، لكني كنت أظن أنها تحدث للآخرين فقط، لن تحدث لصديقي أبداً، المذهل في الأمر إنني كنت أفكر في المبيت عنده في تلك الليلة، لكني قمت بتغيير رأيي، ماذا كان سيحدث حينئذ؟ لا أحب أن أفكر في هذا الاحتمال، كلا، يجب أن أفكر في هذا الاحتمال، يجب أن أفكر وأفكر وأفكر، هذا ما قلته لنفسي وبعد تفكير طويل وجدت نفسي أمسك بورقة وأكتب وأكتب وأكتب، ضاقت الورقة، فأخذت ورقة ثانية وثالثة ورابعة، 4 أوراق كاملة، إنها خطاياي، إنها آثامي، ثم أسرعت وأتيت إلى الكنيسة، لم أكن واثقاً إنني سأجد كاهناً، لكني قلت في نفسي لو وجدت كاهناً، فهذا يدل إن الله سيقبل توبتي".