ثقافة ومجتمع
07 أيار 2015, 21:00

قصة اليوم : المزرعة الصغيرة والبقرة

كان أحد الحكماء يتجوَّل في الغابة مع تلميذه، يتناقشان في أهمية مواجهة الكوارث غير المتوقَّعة. وكان رأي الحكيم أن كلُّ ما يدورُ حولنا يُعطينا الفرصة لنتعلَّم أو لنُعلِّم.وعند هذه اللحظة، عبرا على بوابة مزرعة صغيرة، التي كانت بالرغم من أنها في موقع جيد، إلاَّ أنها كانت تبدو مُهمَلة وتنحدر إلى أسوأ.

فقال التلميذ لمعلمه: انظر إلى هذا المكان، فأنت على حقٍّ. فما تعلَّمته من هذا أن كثيرين يعيشون في فردوس، ولكنهم للأسف لا يحسُّون بذلك، بل يقضون حياتهم في أسوأ حالة!
فردَّ عليه الحكيم: لقد قلتُ: "نتعلَّم ونُعلِّم". ولا يكفي أن ننظر من الخارج ما هو ظاهر لأعيننا، ولكن لابد أن نعرف الأسباب، فلكي نعرف العالم لابد أن نستقصي الأسباب. وقرعا باب المزرعة، فاستقبلهما أصحاب المزرعة: زوجان وأطفالهما الثلاثة، والجميع يكتسون بالملابس الرثة والقذرة.
وقال الحكيم لصاحب المزرعة: أنت تعيش في وسط الغابة حيث لا دكان يبيع المنتجات حولك، فكيف تعيش هكذا؟
وأجاب الرجل بمنتهى الهدوء: يا صديقي، عندنا بقرة تُنتج لنا بضعة لترات من اللبن كل يوم، نبيع بعضاً منها أو نُبادلها مع سكَّان المدينة القريبة منا مقابل بعض الطعام، والباقي نُصنِّعه جبناً وزبادي وسمناً لأنفسنا. وهكذا نعيش. وعند خروج الحكيم، وجد البقرة خارجاً ترعى، فقال لتلميذه: خُذْ البقرة، وقُدْها إلى الجُرف المنحدر على الجبل، وادفعها لتسقط في هوَّة الجُرف! فردَّ عليه التلميذ: لكن البقرة هي الوسيلة الوحيدة لمعيشة هؤلاء الناس! فلم يردَّ الحكيم. وإذ وجد التلميذ أنه لا خيار أمامه، فعل كما أمره الحكيم. وسقطت البقرة من على الجُرف، وماتت!
وظل المنظر محفوراً في ذاكرة التلميذ. وبعد سنواتٍ عديدة، وبعد أن صار هذا التلميذ رجل أعمالٍ ناجحاً؛ عزم على أن يعود إلى هذا المكان مرة أخرى، ليبوح لهذه العائلة بكل ما حدث، وليسألهم المغفرة، وليُقدِّم لهم المعونة المادية. ولا تتخيل ما أصابه من اندهاش حينما وجد الموضع قد تغيَّر تماماً إلى مزرعة جميلة بأشجارٍ باسقة مُثمرة، وسيارة قابعة في جراج، والأطفال في الحديقة يلعبون! وصُدم التلميذ من المفاجأة، ظنّاً منه أن العائلة الفقيرة اضطرت لبيع المزرعة حتى يستطيعوا أن يعيشوا بعد موت البقرة التي كانت وسيلة معيشتهم الوحيدة. وقرع باب المزرعة، وفتح له خادم بشوش الوجه. فسأله التلميذ: ما الذي حدث للعائلة أصحاب المزرعة الذين كانوا يعيشون هنا منذ 10 سنوات؟
فأجابه الخادم: إنهم مازالوا يمتلكون المزرعة!?
وأسرع التلميذ إلى المنزل داخل المزرعة، وتعرَّف عليه صاحب المزرعة، وسأله عن حال الحكيم معلِّمه؟ ولكن التلميذ كان على أحرِّ من الجمر ليعرف ماذا عمل الرجل ليرتفع بمستوى المزرعة إلى هذا الحدِّ، وكذلك بمستوى معيشته هو وأسرته وأطفاله هكذا بطريقة مفاجئة!
فبدأ الرجل يسرد للتلميذ ما الذي حدث منذ أن زاره هو ومعلِّمه:
حسناً، لقد كنا نعتمد على البقرة التي كانت لنا، لكنها لسوء الحظ سقطت من على الجُرف، وماتت. ثم، ولكي أعول أسرتي، كان لابد أن أزرع بعض الأعشاب والخضروات. وقد مرَّ وقت إلى أن نَمَت هذه المزروعات، فبدأتُ أقطع الأشجار لأبيع خشبها. وكان لابد لي، طبعاً، أن أشتري شجيرات صغيرة لأستبدلها بهذه الأشجار التي أقطعها. وحينما ذهبتُ لأشتري الشجيرات، تذكَّرتُ ملابس أطفالي الرثة، ففكَّرتُ في أن أحاول زرع القطن مـن أجل ملابس أطفالي. ولقد عانيتُ ظروفـاً صعبة في السنة الأولى، ولكن بمرور الوقت بـدأ المحصول يظهر. فبدأتُ أبيع الخضروات والقطن والنباتات العطرية والأعشاب.
ولم أكن أبداً أعرف كم أن هذه المزرعة تزخر بكل هذه الإمكانيات القوية. إنها ضربة حظ أن تموت البقرة التي كانت عندي.
أما التلميذ فكان يستمع إلى صاحب المزرعة وهو يعتريه الذهول والإعجاب!
"أنتم تعرفون كيف يجب أن يُتمثَّل بنا، لأننا لم نسلك بلا ترتيب بينكم، ولا أكلنا خبزاً مجاناً من أحدٍ، بل كُنَّا نشتغل بتعبٍ وكَدٍّ ليلاً ونهاراً لكي لا نُثقِّل على أحدٍ منكم.
ليس أن لا سلطان لنا، بل لكي نُعطيكم أنفسنا قدوة حتى تتمثَّلوا بنا. فإننا أيضاً حين كنا عندكم أوصيناكم بهذا أنه إن كان أحدٌ لا يُريد أن يشتغل فلا يأكل أيضاً" (1تس 3: 7-10).