ثقافة ومجتمع
25 كانون الثاني 2015, 22:00

قصة اليوم : المدّرب الخفيّ

كان "فابيو" طفلاً خجولاً وهادئًا. وكان يدرس فقط لينجح. وكان يسعى ليكون لديه مجموعة فنيّة تضّم بطاقات تستعمل للهاتف، وبالرغم من ذلك لم يكن لديه أكثر من إحدى وعشرين. في البيت كان طفلاً منتظمًا ويتصرّف بلطف وتهذيب حتى مع جدّته وجدّه والجيران.وبالرغم من كل ذلك، كانت أمّه مهمومة. هذا لأنها كانت تراقب عودة الأطفال من المدرسة سيرًا على الأقدام. إبنها "فابيو" كان لوحده دائمًا. في حين كان الآخرين يسيرون جماعات جماعات صغيرة يضحكون ويتحادثون... حتى "فابيو" كان يشعر بشيء من الإنزعاج بسبب هذا الوضع. لم يكن لديه صديق حقيقي. لقد رغب كثيرًا أن يكون لديه أقلّه واحدًا، لكن لم يكن يدري من أي يبدأ في التفتيش والعمل على ذلك.

في المدرسة، كان دائمًا في الزاوية، مثل الخرائط المعلّقة على الحائط. كان بودّه هو أيضًا أن يخبر قصصًا كثيرة مشوّقة مثل باقي رفاقه، لكنه لم يكن لينجح أبدًا. ولاحظ أن رفاقه الذي يلعبون كرة القدم، يقدّرهم الجميع ويصغي إليهم كل الرفاق. وكانوا يركضون في الممرات ويقفزون، ويتكلّمون بصوتٍ عالٍ، ويتحدثون مستعملين كلامًا بذيئًا. هكذا قرّر أن ينزل هو أيضًا إلى الساحة.
في صباح أحد الأيام نجح بأن يُعدّ ويندس ضمن إحدى الفرق. واختير ليلعب في الدفاع. وحاول أن يقوم بالدور الموكل إليه بكل قواه. ولكنه كان يصل دائمًا متأخراً إلى الكرة. فقط مرّة واحدة، رأى الكرة تصل إليه. وصوّب نحو الهدف بانتباه، وأغمض عينيه، ورفس الكرة بكل قواه. لكنّه لم يصب الكرة. وانتهى به الأمر على الأرض بسبب دورانه على ذاته.
ووصل إلى المنزل في آخر الصف، مثل العادة. وكان يطبق شفتيه لئلا يجعل أمّه تشعر بحزنه الشديد. ومثل العادة، يلقي نظرة على صندوق البريد قبل أن يدخل. وهذه المرّة، لم يجد فقط بطاقات الدعايات، بل مغلّف بريد أبيض مميز. وفتح صندوق البريد وأخذ المغلّف الأبيض. لقد كان موجّه إليه شخصيًا. "لفابيو" فقط، وبدون أي عنوان.
لقد كانت المرّة الأولى التي تصله رسالة خاصة به. ففتحها وقلبه ينبض بسرعة. ووجد سطران مكتوبان بالحبر الأزرق : " هل أنت بحاجة لمدّرب؟" ولم يفكّر طوال السهرة إلاّ بهذا السؤال. وقبل أن ينام، عاد فقرأ الرسالة. "ليته يكون لدّي مدّربتمتم قبل أن ينام.
في اليوم الثاني، وجد رسالة ثانية. وكان الحبر أيضًا أزرق ونفس الخط. وكتب فيها : "عليك أن تركض في الحديقة العامة دورتان خلال 15 دقيقة". الإمضاء : مدرّبك. وقام بإنهاء دروسه في وقت قليل جدًّا. وانتعل حذاءً خاص ولبس ثياب الرياضة واتجّه نحو الحديقة العامّة القريبة من منزله. ونظر إلى ساعته وانطلق يعدو. في المرّة الأولى إستطاع أن يحقق الدورتان بـ 17 دقيقة. فارتاح على أحد المقاعد وحاول مجدّدًا : 16 دقيقة. وبالرغم من الألم الذي بدأ يشعر به في رجليه وجنبيه، فقد تابع المحاولة تلو الأخرى.
ونجح في المحاولة الخامسة. وارتمى على أديم الحديقة من شدّة التعب، ينهش مثل عجوز، لكنه كان يعيش سعادة لم يعرفها مرّة أبدًا. أمّا الرسالة في اليوم الثالث فقالت له فقط : " إفتح ذراعيك أكثر، وابقي رأسك عالي، وحاول أن تصل إلى 10 دقيقة. "مدرّبك". وأطاع فابيو، مع أنه لم يفكّر أنه سيكون هكذا صعب الوصول لتحقيق ذلك في عشرة دقائق. لكنّه استطاع بعد شهرين من التمرين أن يصل إلى أن يحقق الدورتين بوقت 10 دقائق. أمّا والدته فبقيت مشغولة البال بشأنه. ولم تكن تفهم إهتمام فابيو بالركض. "لماذا لا ترى بعض الشيء التلفزيون؟كانت تقول له. ولكنّ فابيو، كان كل مرّة يعود ليشارك في لعبة كرة القدم، كان يستطيع أن يحصل على الكرة أكثر من مرّة. وبدأ يشعر أكثر فأكثر بثقة في ذاته، ولكن بقي لديه المشكل الأكبر : "ليس لدي رفاق ! لكن"، كان يفكر دائمًا ويركض نحو المنزل. وفي صندوق البريد الرسالة الخاصة به من مدرّبه : "إبدأ أنت"، تقول له بكل بساطة.
في اليوم الثاني، أخبر والدته بأن يريد أن يرسل بطاقات معايدة لكل رفاقه بمناسبة عيد فالنتينو. وشعرت الأم برعشة غريبة في قلبها. لكنها بالرغم من ذلك، قرّرت أن تساعده. فاشترت له كل ما هو بحاجة إليه من كرتون ملّون وأقلام ومغلّفات والتلزيق. ولمدّة ثلاث أسابيع، ليلة بعد ليلة، صنع فابيو 21 بطاقة بمناسبة عيد القديس فالنتينو. ولمّا حلّ عيد القديس فالنتينو، كان فرحه لا يوصف. ووضع البطاقات بعناية فائقة في محفظته ونزل بسرعة من البيت. أمّا والدته فقد قررّت أن تصنع له الحلوى المفضّلة لديه ليجدها جاهزة لدى عودته من المدرسة. لقد كانت تشعر بأن آماله ستخيب، وبأنها بهذه الطريقة يُمكنها أن تخفف من حدّة ألمه. لقد كانت تتألم حين تفكّر بأنه لن يصله أي بطاقة بمناسبة عيد القديس فالنتينو. وحضرّت له الحليب والبسكويت والحلوى بعد الظهر لدى عودته من المدرسة. وحين سمعت صوت الأولاد عائدين، أسرعت إلى النافذة لترى. وكما توقّعت الكل يركض ويضحك، وفابيو ابنها وراء الجميع يمشي لوحده. لكنّه في هذه المرّة، كان يمشي بسرعة أكثر من المعتاد. وكانت تنتظر والدته أن يجهش بالبكاء لدى وصوله إلى المنزل. ولم يكن لديه أي شيء في يده، لاحظت الأم، وحين فتح الباب، خنقت هي الدموع في حلقها وقالت له : "لقد حضرّت لك يا حبيبي أمّك البسكويت والحلوى والحليب". ولكنه، بالكاد سمع كلماتها. وتابع سيره، وصوته مخنوق، وكل ما استطاع قوله : ولا حتى واحد. ولا حتى واحد. وشعرت الأم بقلبه يعتصر أسىً. ومن ثمّ أضاف الولد قائلاً : "لم أنس واحدًا، ولا حتى واحد". وشعر في الهواء صوت صفّارة. المدرّب الخفيّ يشجعّه ويصّفق له. ويضحك فابيو. المسألة كانت مسألة وقت فقط.