19 شباط 2015, 22:00
قصة اليوم: الحلواني العجيب
كان العم بشاي الحلواني رجلاً أميناً وبسيطاً للغاية، يسير بعربته التي ملأها بالحلوى في شوارع شبرا يبيع للأطفال، خاصة بجوار احدى مدارس شبرا.كان العم بشاي محباً للإنجيل، يأتيه بعض أصدقائه ليجالسوه فيقدم لهم إنجيله الذي لا يعرف القراءة فيه، ويسألهم أن يقرأوا له منه بعض الفصول أو حتى بعض الفقرات.
وفي أحد الأيام، لاحظ العم بشاي أحد جيرانه قادماً إليه من بعيد وقد ظهرت عليه علامات الارتباك الشديد، وفي هدوء شديد قال العم بشاي: سلام يا أخي! سلام ياعم بشاي! خيراً! كل الأمور تسير في خير، إنما السيدة أم مجدي تشعر بألم وتطلب منك، إن أمكن، أن تترك العربة لأحد أصدقائك و تذهب إليها .
ارتبك العم بشاي قليلاً فقد ترك زوجته، أم مجدي، في الصباح حيث كانت تشعر بقليل من الألم، لكنه لم يكن يظن أن الأمر فيه خطورة، فقد أخفت الكثير من آلامها وراء ابتسامتها الرقيقة وكلماتها الغذبة معه ومع أولادهما الثمانية.
رشم العم بشاي نفسه بعلامة الصليب، ورفع قلبه نحو السماء يصلي لأجل زوجته، ثم سار نحو بيته حيث وجد باب حجرته في الدور الأرضي مفتوحاً وقد التفت النساء الفقيرات حول زوجته المسكينة في الحجرة الوحيدة التى تعيش فيها كل العائلة فقد اعتادت النسوة أن يزرن البيت ويأخذن معونة بسيطة من السيدة أم مجدي.
عندما رأى الرجل هذا المنظر، وبعد بدأت النسوة يعزينه في زوجته التي ماتت، تمالك نفسه قليلاً وفي هدوء طلب منهن أن يتركن الحجرة الى حين ومعهن أولاده، ودخل الرجل حجرته ليقترب من زوجته الممددة على السرير بلا نفس، جثة هامدة. في إيمان عجيب ركع العم بشاي، وهو يصرخ في بساطة قلب، "أنت أعطيتني يا رب ثمانية أولاد وأعطيتني هذه الزوجة عموداً للبيت تربي أولادي فكيف تأخذها منا؟ من يستطيع أن يربي هؤلاء الأولاد؟". انهمرت الدموع من عينيه بلا حساب و هو يعاتب الله متمتماً بكلمات غير مسموعة، وإذ هو غارق في دموعه سمع كلمات واضحة: لقد وهبت زوجتك خمسة عشرة عاماً كما فعلت قبلاً مع حزقيا الملك.
هنا استرد الرجل انفاسه ليشكر الله على عطيته ورعايته، ثم نادى النسوة أن يدخلن الحجرة و طلب منهن أن يقدمن لها طعاماً. في بساطة مملوءة أيماناً، قال الرجل لزوجته: يا أم مجدي قومي لتأكلي". وإذا بالسيدة تفتح عينيها وبعد دقائق راحت تأكل.
خرج العم بشاي من بيته وهو يشكر الله على عظيم رعايته، وإذ وجد أحد معارفه سأله أن يكتب له تاريخ اليوم في ورقة صغيرة ليضعها في محفظته.
مرت الأيام و السنين وإذا بالعم بشاي يشيخ وقد ربى أولاده الثمانية خلال عمله كبائع حلويات. وفي أحد الايام، جاءه رجل يقول له بأن أم مجدي مريضة جداً.
أخرج الرجل الورقة من محفظته وسأله أن يقرأ له التاريخ المكتوب عليها، وإذ عرف أنه قد مرت خمسة عشرة عاماً تماماً أدرك أن وقت موتها قد حان، وعندئذ انهمرت الدموع من عينيه وهو يسرع نحو بيته يقود عربة الحلوى.
دخل الرجل حجرته حيث ارتمى بجوار السرير وهو يقول لزوجته: " وداعاً يا أم مجدي! وداعاً! أشكرك يارب لأنك تركتها لي كل هذا الزمان لتربي أولادها وتعينني. الآن استريحى يا أم مجدي في الرب. اذكريني عند ربي يسوع المسيح!"
ما أعذبك يا خالقي، تهبني عذوبة وتهليلاً في حياتي اليومية. وتمنحني سلاماً وبهجة في رحيلي. إن عشت فلك أعيش، وإن مت فلك أموت . أنت هو حياتي ومجدي الأبدي!