ثقافة ومجتمع
17 كانون الثاني 2017, 08:09

قصة اليوم: الجزّار ورجل التّقوى

قيل إن معلّمًا عظيمًا نشأ منذ طفولته على التّقوى، كرّس كلّ مواهبه وطاقاته ووقته للعبادة ودراسة الكتاب المقدّس والتّعليم، وقد تتلمذ على يديه ثمانون قائدًا. رفع هذا المعلّم عينيه نحو السّماء مشتهيًا أن يرى ما أعدّه الله له، فسمع في حلم صوتًا يناديه "تهلّل يا بيترسون، فإنّك أنت وخافيير تجلسان معًا في الفردوس وتنالان مكافأة متساوية".

 

إستيقظ بيترسون من نومه منزعجًا، وكان يصرخ في داخله قائلاً: "ويحي! لقد كرّست حياتي للرّبّ منذ طفولتي، وقدّمت كلّ إمكاناتي لخدمته، فاستنار بي ثمانون قائدًا روحيًّا، وأخيراً نلت مكافأة الجزّار ذاتها الّذي كرّس طاقاته لعمل زمنيّ ولخدمة أسرته! أَلعلّي لم أبلغ، وسط كلّ هذا الجهاد الشّاقّ، إلّا ما بلغه هذا "العلمانيّ"؟!
جمع بيترسون تلاميذه الثّمانين، وقال لهم: "حيّ هو اسم الرّب، إنّني لن أدخل بيت الدّراسة معكم، ولن أناقش معكم أو مع غيركم أمرًا في الدّين حتى ألتقي الجزّار خافيير"!
جال بيترسون مع تلاميذه في كلّ البلاد يسألون عن هذا الجزّار، وبعد مشقّة عرفوا بوجود جزّار فقير جدًّا يحمل الاسم نفسه ويعيش في قرية بعيدة. أسرع بيترسون إلى أقرب مدينة حيث خرج الكثيرون يحيّونه منتظرين أن يسمعوا منه كلمه منفعة ... أمّا هو فطلب استدعاء الجزّار. عندها سأله الشّعب الملتفّ حوله: "لماذا تطلب هذا الرّجل وهو إنسان جاهل ونكرة؟!"
قصد المرسلون إلى الجزّار بيته وقالوا له: "بيترسون أعظم خدّام مدينتنا الّذي أضاء عقولنا بتعاليمه يطلب أن تلتقي به". فأجابهم في دهشة وبسخرية: "لقد أخطأتم الشّخص. من أنا حتّى يطلب هذا المعلّم العظيم الّلقاء بي؟! " ورفض أن يذهب معهم.
عاد الرّسل إلى بيترسون يقولون له: "أيّها المعلّم العظيم أنت هو النّور الّذي يُضيء عقولنا، والتّاج الّذي يكلّل رؤوسنا ... ألم نقل لك إنّه رجل ساذج؟! لقد رفض أن يأتي معنا".
فقال بيترسون: "حيّ هو اسم الرّبّ، لن أفارق هذه المنطقة حتّى ألتقي به، سأذهب إليه بنفسي". ثمّ تحرّك بسرعة نحو القرية الفقيرة، ولمّا اقترب من بيت الجزّار رآه الرّجل فخاف جدًّا، وأسرع إليه يقول: "لماذا تريد أن تراني يا إكليل مدينتنا؟"، أخذه بيترسون إلى جواره وقال له: "جئت أسألك أمرًا واحدًا، أخبرني أيّ صلاح فعلته في حياتك؟"، أجابه الرّجل: "أنا إنسان فقير لا أفعل شيئًا غير عاديّ!". وإذ أصرّ بيترسون أن يعرف بعض التّفاصيل عن حياته فقال له: "إنني أمارس حياتي اليوميّة ككلّ البشر، والدي ووالدتي عجوزان ومريضان، أقوم بغسل أرجلهما وأيديهما، وألبسهما ثيابهما، وأجد لذّتي في خدمتهما وتقديم كلّ ما يحتاجان إليه". عندما سمع بيترسون ذلك انحنى أمامه وقبّل جبهته قائلًا له: "مبارك أنت يا بنيّ، ومباركة هي أعمالك وحياتك. كم أنا سعيد أن أكون في رفقتك في الفردوس!".
ليست رتبة الإنسان ولا مركزه الدّينيّ وراء إكليله الأبديّ وإنّما أمانته وحبّه !
رصيدنا في السّماء هو حبّنا العمليّ وطاعتنا خاصّة للوالدين والمرشدين الرّوحيّين، واتّساع قلبنا لكلّ إنسان بروح التّمييز !