قصة اليوم : أخيراً عرفت الحب
وهكذا افترق الأخان وذهب كل منهما في طريقه وبعد 3 أيام أنهى يوحنا عمله وباع كل ما لديه واشترى حاجيات الدير المطلوبة وذهب للمكان المتفق عليه وأخذ ينتظر أخيه أندراوس ...
وطال انتظاره وبدأت الشمس في المغيب ولم يظهر أندراوس بعد ... فأخذ القلق يدب فيه شيئاً فشيئاً ماذا حدث لاندراوس، وهكذا بات ليلته في العراء على أمل أن يجد أخيه أندراوس غداً ليعودا معاً للدير ...وفي اليوم التالي ظل منتظراً كمثل اليوم السابق وبدأت أفكاره توجهه أن يعود هو للدير لعل أندراوس يكون قد مات أو أذاه أحد لكنه قاوم هذه الأفكار وبدأ رحلة البحث عن أخيه أندراوس في المدينة الواسعة الأطراف وظل 3 أيام أخرى يبحث عن أندراوس، حتى وجد من يقول له نعم رأيت راهباً أمس وهو الآن موجود داخل هذا البيت ...صلى يوحنا صلاة قصيرة طالباً من الرب المعونة ثم ذهب وقرع على هذا البيت ففتحت له إحدى الفتيات فسألها هل عندكم ههنا راهب تستضيفونه ؟؟ ...أما هي فلما رأته صرخت في وجهه : "لا يوجد عندنا ههنا رهبان هنا بيت للمتعة فقط اذا كنت تريد، والآن اذهب" ثم همت أن تغلق الباب في وجهه لكنه ركع على رجله متوسلاً " أرجوكِ فقط هل رأيتي ...." ثم احتبست كلماته في حلقه حينما رأى أخيه أندراوس وقد برز من داخل إحدى غرف المنزل وقد نزع عنه ثياب رهبنته الذي لما رآه صرخ "يوحنا !!!" ثم سارع بالاختباء سريعاً داخل الحجرة. وهنا فقط شعر يوحنا كأنما ضربة شديدة قد أصابته في رأسه وجلس على الباب بعد أن أغلقته الفتاة في وجهه وظلت عشرات الأفكار تدور برأسه كيف أنه ترك أخوه وأنه هو سبب سقوط أخيه الضعيف في هذه الخطية وكيف كسر نذر رهبنته وكيف سيعود للدير بدونه ؟؟ وهكذا أخذ يفكر ويفكر...كان يمكنه بسهولة أن يعود لديره شاكياً لائماً ذلك الراهب الضعيف الذي ضعف وخان رهبنته بينما عاد هو ... لكن شيئا كان يحترق داخله شئ يعرفه جيدا وهو الحب الذي كان بينه وبين أندراوس ..نعم حب وحب روحي حقيقي يدفع الجميع للسماء وليس مجموعة عواطف باهتة ...فما أن تذكر يوحنا هذه النقطة حتى وجد نفسه يقرع بشدة على باب ذلك البيت مرة أخرى ولما فتخت له الفتاة البوابة لم يمهلها بل اندفع للداخل يبحث عن أخيه أندراوس حتى وجده يبكي داخل إحدى الغرف ...فاحتضنه بقوة ثم قال له : هيا بنا يا أخي نعود للدير ونرجع لحياتنا مرة أخرى .
فأجابه أندراوس : لا يا أخي لقد أغواني الشيطان فسقطت وزنيت مع هذه المرأة ودنّست جسدي ولم أعد أصلح للرهبنة بعد. فقال له يوحنا : كم أنت أبر مني يا أخي ...فأطل أندراوس بعينيه في دهشة فأطرق يوحنا رأسه خجلاً وقال له : بعد أن تركتني سقطت أنا أيضاً في ذات الخطيئة لكني خشيت الاعتراف بها قلت في نفسي أن أكتمها ولا يعرف بها أحد. أما أنت فقد اعترفت فوراً بخطيئتك، وقد قال الكتاب "أمّا إذا اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل، يغفر لنا خطايانا ويطهّرنا من كل شر." (1يو 1 : 9) لذلك فأنت أبر مني.
هنا بدأ أندراوس يعيد تفكيره وقال ليوحنا : وهل تظن يا أخي أنهم يقبلوننا في الدير بحالتنا المزرية هذه بعد أن نقضنا نذر بتوليتنا وأفسدنا رهبنتنا
فقال يوحنا : يا أخي الحبيب ان كان الله قد قبل الابن الضال ولم يأنف من رائحته الكريهة التي للخنازير، تجعل الأباء بنعمة الرب يقبلوننا في الدير وبكلام مثل هذا بدأ يوحنا يطيب قلب أخيه أندراوس حتى أقنعه أنه مشترك معه في خطيئته وأقنعه أيضاً بالرجوع للدير ....وعادا فعلاً للدير ولكن عجباً لهذا الحب فقد تقدم يوحنا في الكلام واعترف لأباء الدير بأنه وأخيه أخطئا في خطية زنا ويطلبون الصفح والتأديب فجمع الأباء مجمعا لمحاكمتهما قرر فيه الأباء أن الراهبان لا بد أن يخضعا لتأديب صارم من جهة الدير ووضعوا عليهما قانون تأديب وحبس في القلاية (لم يكن هذا بشئ هين على الاطلاق بل قانون قاس جداً في التوبة) وما أن خرجا حتى أخذ يوحنا يحث أندراوس على أن يتمما معاً قانون التوبة.
وعاد يوحنا لقلايته ويا للعجب لقد بدء هو أيضاً في تتميم قانون توبة أخيه برغم أنه كان يمكن أن يعتذر ويكشف الأمر لأب اعترافه سراً و يكفيه فخراً أنه عاد بـأخيه من الهلاك للحظيرة مرة أخرى لكن الحب لا يعرف الأعذار.
واستمر يوحنا يتمم قانون التوبة هذا عدة شهور حتى أن السماء لم تحتمل المنظر أن يبذل أحد نفسه هكذا بالكامل عن أخيه. ففي نصف مدة التأديب ظهر السيد المسيح بنفسه لرئيس الدير وقال له : اعف عن الراهبان لأن أحدهما مظلوم ويحمل ثقل أخيه. فعفوا عنهما معاً وعادا لمجمع الدير مرة أخرى.
أخي الحبيب .. هل عرفت أخيراً معنى الحب، إنه ليس ذاك الذي تصوره لنا الأفلام بمجموعة عواطف ملتهبة أو كلمات ومشاعر وأحاسيس، هو ليس أني أحب اصدقائي وإخوتي بالكلام، بل هو حب باذل يقاس بمقدار العطاء والتضحية والتعب، فالعواطف سريعاً ما تفتر وتبرد أما الحب الباذل فهو لا يفتر أبداً وهكذا أيضا علّمنا الكتاب، لأنه "هكذا احب الله العالم حتى وهب ابنه الأوحد، فلا يهلك كلّ من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 3 : 16). فلا يوجد حب بدون بذل ...فاذا وجد احكم عليه بنفسك إنه....غير حقيقي. وصدقني أيضاً ليس حب حقيقي كامل مثل حب ربنا يسوع.
قول أباء :
"الهي، أنت تحتضن وجودي برعايتك، وكأنك لا تتطلع لآخر سواي، تسهر عليّ وكأنك نسيت الخليقة كلها، تهبني عطاياك وكأني أنا وحدي موضوع حبك. ليتني أحبك يا إلهي كما أحببتني أولاً" .(القديس أغسطينوس)