دينيّة
09 آذار 2017, 06:30

قدّيسو اليوم: 9 آذار 2017

تذكار الشهداء الأربعين (بحسب الكنيسة المارونية) كان هؤلاء الابطال من الكبدوك قواداً في فرقة رومانية، تحت قيادة ليسياس الوثني. ولما اجتمع الجيش في سيبسطية بارمينيا لتقدمة الذبائح للاوثان، امتنع هؤلاء الاربعون عن الاشتراك في تلك الذبائح. فاستدعاهم الوالي اغركولا وأخذ يحقق معهم فاعترفوا بانهم مسيحيون. فأمرهم بان يضحوا للآلهة. فأبوا. فقال لهم:" ضحوا للآلهة فيعظم شأنكم، والا تجردون من مناطق جنديتكم". فأجابوا:" خير لنا ان نخسر مناطق جنديتنا ولا نخسر يسوع المسيح الهنا".

 

فأرسلهم الى السجن، حيث قضوا الليل بالصلاة. فظهر لهم الرب بغتة يشجعهم ويقويهم على الثبات حتى النهاية لنيل اكليل الشهادة.

وفي اليوم الثاني، اخذ الوالي يتملقهم فلم ينل منهم مأرباً. فأمر باعادتهم الى سجنهم.

وجاء قائدهم ليسياس يسعى في إستمالتهم، فلم ينجح. فتهددهم بنزع مناطقهم. فأجابه احدهم كتديوس:" انتزع مناطقنا فانك لا تقدر ان تزحزحنا عن محبة المسيح". فحنق وأمر فضربوهم بالحجارة على وجوههم، فكانت الحجارة تعود الى الضاربين.

فأمر الوالي بان يطرحوهم في بحيرة قد تجلد ماؤها. فكان يشجع بعضهم بعضاً قائلين:" نزلنا اربعين الى الماء، سنذهب اربعين الى السماء". غير انه، لشدة البرد فرغ صبر احدهم، فخرج من الماء ودخل حماماً، فخارت قواه ومات. فحزن الشهداء لكنهم تشددوا بالصلاة والعون الالهي. وبغتة رأى أحد الحراس نوراً ساطعاً واذا بملائكة يحملون اكاليل لرؤوس التسعة والثلاثين شهيداً. فدهش من هذا المشهد العجيب وحركت النعمة قلبه، فصرخ برفاقه: انا مسيحي! ورمى ذاته في الماء. فنال الاكليل الذي خسره ذلك الجبان المسكين. فاصبح الشهداء، كما تمنَّوا، اربعين شهيداً. وكان ذلك في التاسع من شهر آذار سنة 320.

فالكنيسة الشرقية تفاخر بهؤلاء الشهداء وتقدمهم خير مثال لابنائها، ولا سيما للشبان اقتفاء لآثارهم في بطولة الايمان والمحبة والتضحية بكل شيء في سبيل المحافظة على المبادئ القويمة والآداب السليمة. صلاتهم تكون معنا. آمين.

 

شهداء سبسطية الأربعون (بحسب الكنيسة السريانية الكاثوليكية)

في سنة 376  تكلّل في أرض بابل أربعون شهيداً وهذه أسماؤهم: مار عبدا ومار عبد يشوع الأسقفان - وعبدألاها وشمعون وأبراهيم وأبا وإيهبيل ويوسف وعَنيّ وعبد يشوع وعبدألاها ويوحنّان وعبد يشوع وماري وبرحدبشبّا ورازيقايا وعبدألاها وعبد يشوع الكهنة – وإليهاب وعبد يشوع وعنّي ومارياب وماري وعبدا وبرحدبشبّا وشمعون وماري الشمامسة – وبابا  وأولاش وعبد يشوع وبقيدا وشموئيل وعبد يشوع الرهبان –  ومريم وطيطا وإمّا وأدراني وماما ومريم وماراح الراهبات... وهاك خلاصة أعمالهم:

كان مار عبد يشوع أسقفاً في كشكر (الواسط) وكان يسكن معه واحد من  أولاد أخيه. فوقع في خطأ فاحش، حرمه عمّه الأسقف القدّيس. فلكي يأخذ هذا الشقيّ بثأره من عمّه، إنطلق عند الملك في بيت لاباط، واتّهم عمّه أنّه يقبل في داره جواسيس الروم ويكتب إلى قيصر ليطلعه على كل ما يجري في مملكة الفرس. فقُبض على مار عبد يشوع وعلى عبدألاها الكاهن وسيقا إلى بيت لاباط قدّام أرداشير أخي الملك فأمر بجلدهما. ومن شدّة الجلد إنحلّت أعضاؤهما وتكسّرت أضلاعهما فوقعا على الأرض مغشياً عليهما، فخملوهما وأودعوهما سجناً ضيقاّ. ثم قُبض على مار عبدا أسقف كشكر وعلى شمعون وإليهاب وبابا ورفاقهم الكهنة والشمامسة والرهبان وكانوا جميعاً ثمانية وعشرين. وقُبضَ أيضاً على مريم ورفيقاتها الراهبات الست وسيقوا قاطبة إلى ليدان حيث كان شابور وضُربت كل واحدة منهنّ مئة سوط. ثم ساقوا مار عبدا ورفاقه الثمانية والعشرين إلى خارج المدينة وهناك ذبحوهم واحداً فواحداً كما تذبح الخراف، وذلك في 15 أيار. وقُتل أيضاً معهم أخوان شقيقان إسم أحدهما برحدبشبّا والآخر شموئيل كانا قد لحقا بهم ليقدّموا لهم المساعدة حبّاً بالله تعالى. وفي الغد ضُرب عنقا مار عبد يشوع وعبدالاها. وأما الراهبات السبع فأرسلن إلى بيت لاباط ليقتلن هناك تخويفاً للنصارى. ولمّا أبين التزوج والسجود للشمس أُخرجن إلى ظاهر المدينة وهناك قٌطعت رؤوسهنّ.

 

القديسون الأربعون المستشهدون في سبسطية (بحسب الكنيسة الارثوذكسية)

لا نعرف بالتدقيق أصل هذه المجموعة الاربعينية ومنشأها. لكننا نعرف انهم كانوا قادةً في الفرقة الرومانية المشهورة والمعروفة بالنارية. وقد ذهبوا في عهد ليكينيوس (بداية القرن الرابع) الى  جبهات ارمينيا لحماية حدود الامبراطورية. طلب الامبراطور ان يقدم الجيش ذبائح للأصنام، فاجتمع الجيش كله لتقدمة هذه الذبيحة. فامتنع اربعون من قادة الفرقة النارية عن الاشتراك في هذه التقدمة . واذ خالفوا بذلك الامر الامبراطوري، قادهم الجند الى الوالي في سبسطية. لما مثلوا امام الوالي سألهم عن أسمائهم، فاجابوا كلهم بصوت واحد "انا مسيحي". حاول الحاكم إرضاءهم وإقناعهم بالرجوع الى ديانة آبائهم، ووعدهم بأن القيصر سوف يكافئهم على خدماتهم بأعلى الرتب. فكانوا يجيبون على كل هذه: "اننا لن نخون ملكنا الذي هو ملك السماوات والارض". بعد ذلك أمر الحاكم بأن يُسجنوا لعلّهم مع الوقت يرجعون عن رأيهم، وطلب ان يعذبوا بعذابات كثيرة، الا انهم لم يتراجعوا عن موقفهم. فصدر الحكم عليهم بالإعدام، وهو أن يُعذَّبوا وسط بحيرة قد جمدت ماؤها من شدة البرد. ولما وصلوا الى ضفاف البحيرة أُمروا بأن ينزعوا ثيابهم وأن ينزلوا الى البحيرة، وكانوا يقولون بعضهم لبعض: "ان الجند نزعوا ثياب المخلّص واقتسموها بينهم، وان يسوع احتمل ذلك لاجل معاصينا . فلننزع الآن ثيابنا لاجل حبه، ونكفر بذلك عن خطايانا". الا ان واحدا منهم خارت عزيمته فخرج من الماء البارد. وكان الحراس الواقفون ينظرون اليهم بإعجاب. فأمتلأ واحد من الحراس ايمانا، وصاح برفاقه وقال :"انا مسيحي". فأمر قائد الحراس بأن يلقى في البحيرة، فعاد الشهداء الى عددهم الاول. وفي اليوم التالي امر الحاكم بأن يُخرجوا من البحيرة لتُقطع اجسامهم، وليُقتل من كان لا يزال حيا بينهم. فأخرجهم الحراس كلهم، ووضعوا تلك الاجسام المائتة والمهشمة في عربة، وذهبوا بها ليحرقوها. هكذا استشهد الاربعون قائدا الذين ضحوا بحياتهم وبمجد العالم وشبابهم في سبيل المسيح.تعيّد لهم الكنيسة المقدسة في التّاسع من آذار.
لهم كنيسة تتجدد في غرزوز (قرنـة الـروم في قضاء جبـيل)، وكنيسة شهيرة في مدينة حمص في سوريا. في الأيقونة المقدسة يستشهدون في بحيرة الجليد بينما نجد احدهم قد ضعف وخرج من الماء ولبس ثيابه ودخل الي قلب المبنى المظلم ، لكن احد الحراس يهم بخلع ثيابه والنزول معهم ايماناً منه بالرب يسوع الذي يستشهدون في سبيله.
وأخيراً لمحة بسيطة عن حياتهم و استشهادهم و أسمائهم: كانوا مختلفي الأوطان ومرتّبين بالعسكرية تحت يد قائد واحد ثم ألقي القبض عليهم لايمانهم بالمسيح وامتُحنوا في المبدأ امتحاناً هائلاً ثم طُرحوا عُراة في البحيرة التي بالقرب من سبسطية في كبادوكية ( إسم اطلق قديماً على البلاد الواقعة غرب تركيا – الأناضول ) وقد كان بَرْدٌ قارس وجليد قوي فقضوا تلك الليلة كلّها على هذه الحال يشجّعون بعضهم بعضاً على الصبر إلى المنتهى وقد أشرفوا على الموت من شدة البرد وعند الصباح كُسِّرَت سيقانهم فاستودعوا أرواحهم في يدي الله وكان ذلك على عهد لِكينيوس سنة 320 م وهم : أنكياس – أغلائيوس – أيتيوس – أثناسيوس – أكاكيوس – الكسندروس – ببهانوس – غائيوس – غرغونيوس – وغرغونيوس أيضاً – دومتيانوس – ذُمنس – أكذيكيوس – أفنويكوس – أفتيشيس ( سعيد ) – أفتيشيوس – اليانوس – الياس – ايراكليوس ( هرقل ) – إيسيشيوس – ثاودولُس ( عبدالله ) – ثاوفيلُس – يوحنا – كلاوديوس – كيرلُُّس – كيريُّن – لسيماخُس – مليطُن – نقولا – أكسنثياس – والريوس – واليس – بريسكُس – ساكردون – سبريانوس – سيسينيوس – أزمارغدُس – فيلوكتيمُن – فلابيوس – خوذيون.

 

تذكار القدّيسين الشهداء الأربعين المستشهدين في سبسطية (بحسب كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك)

إنّ حادث إستشهاد هؤلاء القدّيسين الأربعين، الذين ضحّوا بشبابهم  ورتبهم  ومستقبلهم وحياتهم لأجل المسيح في مدينة سبسطية، لهو من أروع الحوادث التي عرفها التاريخ بهولها وشدّتها.

كانوا قوّداً في الفرقة الرومانية المعروفة بالنارية (La Légion Fulminante)، وكانوا تحت إمرة الإمبراطور ليكينيوس صهر الملك قسطنطين الكبير. وكانوا في حرب في بلاد أرمينيا  على الحدود الشرقية. وكانت تلك الفرقة مشهورة ببسالتها وشدّة بأسها. وكان بين أفرادها رجال مسيحيون، ولكن من المسيحيين  الحقيقيين الذين يعرفون لملك السماء حقوقه، ولأجله يقدّسون ملك الأرض وسلطانه. والرجال المسيحيون في تلك الفرقة هم الذين كانوا يوماً  قد خلّصوا الفرقة بأسرها من أن تموت  عطشاً في الصحراء على عهد مرقس أوريليوس، لمّا جثوا وصلّوا إلى السماء. فجادت السماء عليهم بأمطارة غزيرة أروت الجيش والخيل والبهائم.

كان ليكينيوس الإمبراطور رجلاً متكبّراً جاهلاً. فلمّا قطع صلته بقسطنطين جاهر المسيحيين بالعداء، على مثال من تقدّمه من القياصرة. وكان إذ ذاك على رأس جيش جرار في إقليم أرمينيا. وكانت الفرقة تحت قيادة ليسياس الوثني.

واجتمع الجيش بأمر ليكينيوس لتقدمة المذابح للأوثان. فامتنع أربعون من قوّاد تلك "الفرقة النارية" عن الإشتراك في تلك المذابح. وعلم بذلك والي مدينة سبسطية، حيث كانوا معسكرين. فجاء إلى مقرّ الجند لتنفيذ أمر الإمبراطور.

واستدعى أغريكولا الوالي أولئك الضباط وأخذ يحقّق معهم. فكان كلّما سأل أحدهم ما إسمك، أجاب: أنا مسيحي. ومن بديع كلام القدّيس باسيليوس في تعليقه على جواب هؤلاء الأبطال قوله: "إنّ هؤلاء الرجال، على مثال الأبطال الذين يأتون إلى المشهد فيسجّلون أسماءهم بين المصارعين، تقدّموا فسجّلوا أسماءهم أيضاً. ولكن أبطالنا تناسوا أسماء عيالهم فلم يقل أحد منهم: أنا فلان، لأنّهم كانوا كلّهم أخوة المسيح من أسرة واحدة. بل أجابوا كلّهم على سؤال الحاكم: أنا مسيحي.

إلاّ أن الحاكم إغريكولا عمل أولاً على إرضائهم وإقناعهم وإرجاعهم عن غيّهم. فذكر لهم شجاعتهم ومواقفهم البديعة وتاريخ حياتهم المجيد. ووعدهم بأن القيصر سوف يكافئهم على خدماتهم، وإن عليهم أن ينقادوا لإرادته ويخضعوا لأوامره.

فأجابه أولئك الرجال القدّيسون: إذا كنّا قد عملنا أعمالاً مجيدة في سبيل الملك الأرضي، كما تقول، فما عساه أن يكون موقفنا في خدمة ملك السماوات؟ كن على ثقة إنّنا سنبقى أبطالاً، فلا نخون ذلك الملك. وسوف ننال الإنتصار.

فغضب أغريكولا وانتقل من الوعد إلى الوعيد والتهديد. وقال لهم: إن لم يرجعوا عن غيهم، فأن الإمبراطور سوف يسقطهم من مناصبهم ويجرّدهم من أسلحتهم ويذيقهم مرّ العذاب. أمّا هو فيترك لهم الوقت الكافي لينظروا في أمرهم. ثم أرسلهم إلى السجن.

فدخل أولئك الأبطال السجن، وما كانوا عرفوا إلى ذلك الحين سوى ميادين القتال. وقضوا الليل وهم يصلّون ويرددون هذا المزمور: "الساكن في عون العلي في ستر إله السماء يسكن". فظهر لهم الربّ يسوع بغتةَ وشجّعهم وقال لهم: كما بدأتم حسناً أتمّو حسناً. فأن الإكليل معدّ للذي يثبت إلى المنتهى.

وفي اليوم الثاني أرسل الحاكم في طلبهم. فأتوا ووقفوا أمام منبره. فأخذ يثني على ماضيهم ويعلن أمام رفاقهم شهامتهم، حتى تطرّق إلى القول بأنّ عليهم أن يذعنوا لأوامر ملكهم  وأن لا يكونوا من العصاة المجرمين. لكنّه إصطدم مرة ثانية بثباتهم على عزمهم وتمسّكهم بإيمانهم وعقيدتهم. فأعادهم إلى السجن.

فقام أحدهم فيهم خطيباً وهو كريون وقال لهم: أيّها الرجال الأخوة، لقد شاءت عناية المولى أن تجمعنا في فرقة واحدة وفي إيمان واحد. فيجب ألاّ نفترق البتّة، لا في الحياة ولا في الموت. فكما خدمنا القيصر، وهو رجل مائت، كذلك علينا الآن أن نخدم ملك السماء. فإن الله أمين، وهو يعين الذين يتألّمون لأجل إسمه تعالى.

وقضوا في السجن أسبوعاً كاملاً. ولم يكن الحرّاس يسمعون منهم سوى أصوات التسابيح ونغمات النشائد. وفي غضون ذلك وصل قائدهم "ليسياس". فاستدعاهم إليه. وفيما هم سائرون كان كريّون يقول لهم : "إنّ أعداءنا ثلاثة، وهم الشيطان والحاكم وقائدنا. أو بالأحرى إن عدوّنا واحد وهو إبليس، الذي يستخدم هذين الإثنين للتنكيل بنا.

فلمّا مثلوا بين يدي قائدهم، بدأ أولاً فتملّقهم بغية أن يستميلهم. فلم ينجح. فوعدهم بالرتب والأموال. فلم ينجح. حينئذٍ إستشاط غضباً وأمر الجند أن يكسروا لهم أسنانهم بالحجارة بحضرته. فأخذ الجند حجارة وجعلوا يرمونهم بها على وجوههم. لكن الله أراد أن يشجّعهم، فوقاهم أذى تلك الحجارة، بل كانت بفعل إلهي تعود على من كان يرشقها وتدميه. فنسب ليسياس ذلك إلى فعل السحر. وأخذ هو حجراً ورمى به أحداً أولئك الرجال القدّيسين. فذهب ذلك الحجر وضرب الحاكم على رأسه فشجّه. حينئذٍ كفّوا عن ضربهم وأعادوهم إلى سجنهم.

فعادوا إلى تلاوة التسابيح. وكانت نفوسهم تفيض شكراً على ما أولاهم من ثبات وشجاعة أمام قائدهم، وعلى دفاعه في تلك المعركة الأولى. وكانوا يرددّون المزمور: إليك رفعت عينيّ يا ساكن السماء، كما تكون عيون العبيد إلى أيدي مواليهم. فظهر لهم الربّ يسوع مرةً ثانية، وسمعوا صوتاً يقول لهم: "من آمن بي، وإن مات فسيحيا. ثقوا ولا تخافوا العذاب،  فإنّه سريعاً يزول. جاهدوا جهاداً حسناً لتنالوا الإكليل".

فكانت لهم زيارة يسوع تعزية كبرى. وقضوا الليل بطوله في تلاوة الصلوات والتسابيح. فلمّا كان الصبح قادوهم إلى مجلس الحاكم، حيث سمعوا حكم الإعدام الصادر في حقّهم، وهو أن يعذّبوا وسط بحيرة قد جمد ماؤها من شدّة البرد، إلى أن يموتوا.

فقاد الجند أولئك الأبطال إلى البحيرة القائمة بالقرب من مدينة سبسطية، ليلقوهم في الماء. إلاّ أن الشهداء البسلاء ما كادوا يصلون إلى ضفاف تلك البركة حتى أسرعوا ونزعوا ثيابهم وألقوا في ذلك الجليد، وهم يشجّعون بعضهم بعضاً ويسبّحون الربّ. وكانوا يقولون بعضهم لبعض: "إن الجند نزعوا ثياب الفادي الإلهي واقتسموها بينهم. وإن يسوع احتمل ذلك لأجل معاصينا. فلننزع الآن ثيابنا لأجل حبّه، ونكفّر بذلك خطايانا". وكانوا يصلّون في وسط الجليد ويثبّتون بعضهم بعضاً بكلام ينعش فيهم روح الإيمان ويثير حماستهم. وكانوا يقولون: "نزلنا أربعين إلى الماء، فسنذهب أربعين إلى السماء."

إلاّ أنه لا نعيم على الأرض بغير كدر يشوبه. فبينا كان هؤلاء الأبطال يضحّون بحياتهم في سبيل إيمانهم، خارت قوى أحدهم. فخرج مسرعاً من الجليد الى الماء الساخن. فناداه رفاقه. فلم يسمع لهم. بل أصرّ على النجاة من ذلك العذاب. إلاّ إن ذلك المسكين لقي حتفه قبل أن يعود إلى نعيم الحياة.

ولكن خيانة أحدهم، وإن آلمت قلوبهم، لم تكن إلاّ لتثبّتهم في جهادهم. فصمدوا بنفس جبّارة للموت الذي كانوا يرونه مسرعاً إليهم. وانتصف الليل والشهداء يتألّمون، ولكنّم يسبّحون ويجاهدون. أمّا الحرّاس الواقفون فكانوا ينظرون إليهم بإكبار وإعجاب. وقبل الفجر بقليل، في تضاعيف ذلك الظلام الدامس، ظهر بغتة نور سماوي أضاء البحيرة وأذاب الجليد وسخّن الماء. ونزلت الملائكة من السماء وفي يد كل منهم إكليل فوضعوها على رأس كل شهيد من أولئك الشهداء التسعة والثلاثين.

وشاهد تلك الأعجوبة أحد الحرّس، فحركت نعمة الروح القدس قلبه، وامتلأ من الإيمان وصاح برفاقه وقال: أنا مسيحي، وأريد أن أموت لأجل المسيح بدل ذاك الذي خانه وهرب من ميدان الجهاد. ثم نزع ثيابه ورمى بنفسه في الماء. فعاد الشهداء إلى عددهم الأول، وأضحوا أربعين ، وفاضت نفوسهم بالشكر لتدابير المولى عزّ وجلّ.

فلمّا كان الصباح كان الكثيرون من أولئك الشهداء البسل قد ماتوا ونالوا في السماء إكليل الإستشهاد. ولمّا علم أغريكولا بما حدث في الليل اغتاظ جدّاً وأمر بأن يُخرج الجند الشهداء من البحيرة، وأن تكسر سوق من بقي منهم حيّاً، وأن تحرق أجساهم جميعاً في النار.

فأخرجهم الحرّاس كلّهم، وكسروا ساقَي كل من وجدوه حيّاً بعد. ووضعوا تلك الأجسام المائتة والمهشّمة بعضها فوق بعض في عربة، وذهبوا بها ليحرقوها. وكان البعض من أهالي أولئك الشهداء، وغيرهم أيضاً من المسيحيين، قد أتوا ليتبرّكوا خلسةً بنظرةٍ إلى أولئك الأبطال أو بقبلة أجسامهم المائتة. وحدث أن الجند الذين هشموا أجسام أولئك القدّيسين أبقوا على واحد منهم كانت الحياة لا تزال قويّةً فيه، وكان الشباب يتدفّق من عينيه، على أمل أن ما قاساه من الآلام يثني من عزمه فيكفر بالمسيح ويعود إلى الحياة. فتركوه ملقىً على الحضيض وساروا بالباقين.

وكانت والدة ذلك الشاب بين الحضور. فلمّا رأت ما كان، بدل أن تفرح بأمل عودة إبنها إليها، خافت عليه أن يفوته إكليل الإستشهاد. فركضت إليه تلك الأم القدّيسة وأعانته على الجلوس، وأخذت تشجّعه وتكلّمه عن أفراح السماء وأمجاد القدّيسين، وتقول له: يا نور عينيّ، تشجّع حتى تذهب إلى أنوار الملكوت فتعزّي قلبي الكسير وتجعلني أسعد الأمهات على الأرض. ثم حملته وركضت وراء العربة وألقته بين رفاقه. فشتمها الجند ولكموها، وحملوا ذلك الشاب مع سائر الشهداء إلى النار. فتبعته وهي تصلّي وتتضرّع إلى الله، لكي يثبت ويقبل ذبيحة قلبها.

وهكذا قضى أولئك الشهداء الأربعون، بعد أن ذاقوا جميع أنواع العذابات، وصمدوا لها حبّاً لذاك المعلّم الإلهي والفادي الكريم الذي عاش ومات لأجلهم. وذهبوا إليه في ملكوته، لينعموا معه في الأفراح السماوية مدى الأبدية. وكان ذلك في اليوم التاسع من شهر آذار (مارس) سنة 320.

وقامت الدنيا من بعد إستشهاد أولئك الجنود البسّل، تكرّمهم وتحتفل بيوم وفاتهم وإنتصارهم. ويقول القدّيس غريغوريوس أسقف نيصص أن عبادتهم كانت قد انتشرت في بلاد الشرق والغرب، وأن الكنائس كانت تتهادى عظامهم كذخائر مقدّسة ثمينة.

وكان باسيليوس وإميليا أبوا القدّيس باسيليوس من سبسطية. فلمّا تركاها وجاءا على أراضيهما في الإيريس، حملا معهما من ذخائر القدّيسين الشهداء الأربعين ما حملا. وبنيا فيها كنيسة لأجل إكرامهم وحفظ عظامهم. وأنشأت إبنتهما ماكرينا  ديراً للراهبات على إسمهم. وكانت أول رئيسة لهذا الدير.

ولا تزال كنيستنا الشرقية تعيّد لهم كل سنة في مثل هذا اليوم، طالبةً شفاعتهم لينالوا لنا الثبات في الجهاد ضد أعداء خلاصنا حتى النفَس الأخير، فنفوذ على مثالهم بالإكليل المعدّ لكل من يجاهد جهاداً شرعيّاً.

 

نياحة البابا الأنبا كيرلس السادس (بحسب الكنيسة القبطية الارثوذكسية)

في هذا اليوم تذكار نياحة البابا الأنبا كيرلس السادس. صلاته تكون معنا ولربنا المجد دائمًا أبديًا آمين.

وفي مثل هذا اليوم أيضاً: وجود رأس القديس يوحنا المعمدان

في هذا اليوم نعيد بتذكار وجود رأس القديس يوحنا المعمدان. وذلك انه لما أمر هيرودس بقطع رأسه وإحضاره إليه وتقديمه إلى الفتاة هيورديا علي طبق كما طلبت قيل انه بعد انتهاء الوليمة ندم علي قتله يوحنا فابقي الرأس في منزله واتفق إن اريتاس ملك العرب صهر هيرودس حنق عليه لأنه طرد ابنته وتزوج بامرأة أخيه وهو حي، فأثار عليه حربًا ليثار لابنته فغلب هيرودس وشتت شمل جنوده وخرب بلاد الجليل. وقد علم طيباروس قيصر إن السبب في هذه الحروب هو قتل هيرودس لنبي عظيم في شعبه وطرده ابنة اريتاس العربي وتزوجه من امرأة أخيه. فاستدعاه إلى رومية ومعه هيروديا. فاخفي هيرودس رأس القديس يوحنا في منزله وسافر. فلما وصل إلى هناك أمر طيباروس بخلعه وتجريده من جميع أمواله ثم نفاه إلى بلاد الأندلس حيث مات هناك. وخرب منزله وصار عبرة لمن يعتبر.

واتفق بعد مدة من السنين إن رجلين من المؤمنين من أهل حمص قصدا بيت المقدس ليقضيا مدة الصوم الكبير هناك وأمسى عليهما الوقت بالقرب من منزل هيرودس فناما فيه ليلتهما. فظهر القديس يوحنا لأحدهما واعلمه باسمه وعرفه بموضع رأسه وأمره إن يحمله معه إلى منزله. فلما استيقظ من نومه قال ذلك لرفيقه وذهبا إلى حيث المكان الذي كان رأس القديس مدفونا فيه، وحفرا فوجدا وعاءً فخاريًا مختومًا، ولما فتحاه انتشرت منه روائح طيبة ووجدا الرأس المقدس، فتباركا منه ثم أعاداه إلى الوعاء. وأخذه الرجل الذي رأي الرؤيا إلى منزله ووضعه في خزانته وأضاء أمامه قنديلًا. ولما دنت وفاته اعلم أخته بذلك فاستمرت هي أيضًا تنير القنديل. ولم يزل الرأس ينتقل من إنسان إلى إنسان حتى انتهي إلى رجل اريوسي، فصار ينسب ما يصنعه الرأس من الآيات إلى بدعة اريوس، فأرسل الله عليه مَنْ طرده من مكانه وبقي مكان الرأس مجهولا حتى زمان القديس كيرلس أسقف أورشليم، حيث ظهر القديس يوحنا لأنبا مرتيانوس أسقف حمص في النوم وأرشده إلى موضع الرأس. فأخذه وكان ذلك في الثلاثين من شهر أمشير. صلاة هذا القديس تكون معنا. ولربنا المجد دائمًا أبديًا آمين.