دينيّة
02 حزيران 2017, 05:30

قدّيسو اليوم: 2 حزيران 2017

تذكار الانجيليين الأربعة: متى ومرقس ولوقا ويوحنا (بحسب الكنيسة المارونية) كان متى ويوحنا من الرسل الاثني عشر. ومرقس من المبشرين الاثنين والسبعين. أما لوقا فآمن على يد بولس الرسول وصحبه بالتبشير وهو كاتب الانجيل واعمال الرسل. كتب متى انجيله في اورشليم باللغة الآرامية اي السريانية بين سنة 45 و58 للميلاد، بناءً على طلب المؤمنين، ومرقس تلميذ بطرس الرسول وكاتبه الخاص كتب انجيله في روما بين سنة 46 و50 باللغة اليونانية، بتلقين معلمه القديس بطرس الرسول، بناء على طلب المؤمنين في روما. ولوقا كتب بشارته في اخائيَّا باللغة اليونانية بين سنة 55 و60، آخذاً من معلمه بولس الرسول وسائر الرسل المعاينين الكلمة، كما يقول في فاتحة بشارته. ويوحنا كتب بشارته باللغة اليونانية في أفسس سنة 98 للميلاد، بعد كتابة الاناجيل الثلاثة، متوخياً اثبات الوهية السيد المسيح، دون ان يروي جميع ما رواه الانجيلييون قبله من اعمال المخلص.

 

أما الحيونات الاربعة التي ذكرها يوحنا في "رؤياه" وحزقيال في نبوءته، وهي الاسد، والثور، والانسان، والنسر، فانما ترمز الى هؤلاء المبشرين الاربعة. فخصوا الانسان بمتى، لانه بدأ بشارته بنسبة المسيح الانسانية. والاسد بمرقس، لانه بدأ بشارته بصوت يوحنا المعمدان الصارخ كالاسد في البرية. ولوقا بالثور لانه بدأ بشارته بكهنوت زكريا الذي يقضي بتقديم ذبائح العجول والثيران. أما يوحنا فبالنسر، لانه بدأ بشارته، محلقاً كالنسر في اجواء لاهوت الكلمة. صلاتهم معنا. آمين.

 

نيكفوروس المعترف بطريرك القسطنطينية (بحسب الكنيسة الارثوذكسية)

ولد القديس نيكفوروس في القسطنطينية، سنة 758، وكان ابوه ثاودوروس رئيس ديوان الملك قسطنطين الخامس (احد الأباطرة الذين حاربوا الايقونات). وكان ثاودوروس رجلا مؤمنا محافظا على الايمان المستقيم، فاراد  الملك ابعاده عن اكرام الايقونات لكنه لم يوفَّق. فامر الملك بطرده من وظيفته ومصادرة ممتلكاته ونفاه مع عائلته. ولكن ثاودوروس ما لبث ان رقد بالرب في منفاه. فتولت إفذوكيا ام نيكفوروس تعليمه علوم ذلك العصر وتعليم الكنيسة المقدسة.

مات الملك قسطنطين فخلفه ابنه قسطنطين السادس (780 – 797) وكان لا يزال قاصرا. فاصبحت امه ايريني الوصية على العرش، وهي التي اعادت اكرام الايقونات. وأرادت ايضا رد الاعتبار الى عائلة ثاودوروس، فعيّنت ابنه نيكوفوروس رئيسا للديوان الامبراطوري، فقام بمهمته احسن قيام.

في سنة 787 م انعقد المجمع المسكوني السابع، فحضره نيكفوروس ممثلا الملك، فلفت اليه انظار آباء المجمع لما رأوه فيه من معرفة لاهوتية.

وفي سنة 805 توفى البطريرك طراسيوس، فانتخب المجمع المقدس نيكفوروس بطريركا خلفا له، وكان لا يزال حينها علمانيا. فمانع في بدء الامر، الا انه عاد فخضع لإرادة الرب. وتقبل درجات الكهنوت في ايام معدودة ورُسم بطريركا على القسطنطينية في عيد الفصح في سنة 806، وتعهد بان يكون الراعي الصالح الذي يبذل نفسه عن الرعية، ويكون امينا على الوديعة التي تسلمها. بدأ عمله باصلاح الإكليروس، واعاد بعث الروح والفضائل المسيحية في المجتمع في القسطنطينية، وتمكن من ذلك في مدة قصيرة.

لم ينعم نيكفوروس بالراحة طويلا، ولم يفرح بثمار جهوده. ففي سنة 813 استلم العرش لاون الخامس(الارمني) الذي عاد الى محاربة الايقونات. وبدأ بذلك اضطهاد شديد ضد الذين يكرمون الايقونات. حاول الملك اولا  استمالة نيكوفوروس الى بدعته، لكنه لم يلقَ سوى جواب واحد من البطريرك:" ليس في وسعنا ان نغيّر شيئا في تعليم الكنيسة وتقاليدها القديمة. اننا نكرم الايقونات كما نكرم وتكرمون انتم كتب الاناجيل. فالمسيح جاء الى العالم منذ ثمانماية سنة، ومنذ تلك الايام يصوَّر ويُسجد له. فمن يجسر على الغاء هذا التقليد القديم؟.

فما كان من الملك الا ان عقد مجمعا مؤلفا من عدد من الاساقفة المحاربين للايقونات، واتهموا البطريرك بالهرطقة. فحكموا عليه بعزله من منصبه وامروا بنفيه.

بقي نيكفوروس في منفاه في دير القديس ثاودوروس بالقرب من القسطنطنية مدة 14 عاما. ورقد بالرب سنة 828 بعد ان حمل صليبه سنين طويلة بصبر وشجاعة.

وانقضى زمن لاون وتبعه ميخائيل الثاني وثيوفيلوس وكلاهما كان محارباً للإيقونات. فلما فاز ميخائيل الثالث وأمه ثيوذورة بالحكم سنة 842م وأضحىَ القديس ميثوديوس بطريركاً جرى نقل رفات القديس نيكيفوروس بهمَّتهم من بروخونيس إلى القسطنطينية  حيثُ أُودعت كنيسة الحكمة المقدَّسة، ثمَّ نقلت إلى كنيسة الرسل القديسين التي كانت العادة أن يدفن الأباطرة والبطاركة فيها. وقد ورد أن جسده لم يكن يومذاك، قد انحلَّ بعد. كما ورد أنهُ نفي في الثالث عشر من آذار سنة 827م, واستُعيد في نفس اليوم بعد ذلك بتسعة عشر عاماً.

تعيّد الكنيسة في 2 حزيران و13 آذار لتقل رفاته.

 

تذكار أبينا الجليل في القدّيسين نكفورس المعترف رئيس أساقفة القسطنطينيّة (بحسب كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك)

ولد نكفورس في مدينة القسطنطينيّة، في النصف الثاني من القرن الثامن. وكان أبوه ثاوذورس رئيس ديوان الملك قسطنطين الزبلي الإسم. ولم تكن تلك الوظيفة السامية إلاّ لتزيد ذلك الوزير الخطير تقوى وفضيلة وتمسّكاً بأهداب الدين الصحيح. وكان الملك قسطنطين من محاربي الأيقونات المقدّسة في ذلك القرن الثامن، الذي ضحّت فيه الكنيسة الجامعة بدماء عزيزةٍ من دماء أبنائها، في الدفاع عن عبادة وإكرام الأيقونات. فأراد الملك أن يستميل إلى تلك البدعة الأثيمة رئيس ديوانه ثاوذورس، فوجد عزمه ثابتاً في المحافظة على الإيمان المستقيم. فتهدده بأشد العقوبات، فلبث أميناً في خضوعه لتعليم الكنيسة. فطرده من وظيفته وحجز أملاكه وأرسله إلى المنفى مع عيلته. فآثر ذلك الرجل الكبير القلب العالي الهمة الشريف النفس، أن يخسر دنياه ومستقبل أولاده، على أن يخون ربّه وإيمانه. كذلك تكون العظمة الحقّة عند الرجال العظام. فحمل عيلته وسار إلى المنفى ومات هناك موت الأبرار الصالحين.

فما كان مثال ثاوذورس وامرأته افذوكيّا التقيّة الفاضلة إلاّ ليطبع في قلب نكفورس الصغير روح الشهامة المسيحيّة والمحافظة على المبادىء السامية. ولمّا مات ذاك الأب القدّيس توآت الأم تربية ولدها بحنانٍ جعلت عظماء الدولة ينظرون إليها بإكبار وإعجاب.

ومات قسطنطين الهرطوقي، وخلفه على سرير الملك قسطنطين السادس وأمّه إيريني، وكانا حسني العبادة. فأعادا أفذوكيّا وإبنها من المنفى. وكان نكفورس هذا قد قرن إلى ما يتحلّى به من الفضائل علماً غزيراً ونباهة نادرة. فأرادت الملكة إيريني وإبنها الملك أن يعوّضا على أسرة ثاوذورس ما نالها من أعمال الظلم والإضطهاد، فأعادا نكفورس إلى وظيفة أبيه في رئاسة الديوان. فقام وزيرنا الشاب بتلك المهمّة أحسن قيام، واستحق كل مديح وثناء. لأنّه كان الرجل المستقيم الرصين ، رجل الواجب، كما كان أبوه من قبله.

وفي سنة 787 إلتأم  المجمع المسكوني السابع، على عهد البطريرك طراسيوس الوزير السابق أيضاً.فحضره نكفورس بإسم الملك. فلفت إليه أنظار آباء المجمع، لمّا رأوه فيه من المزايا العالية والنفس الكبيرة والتقوى الصحيحة. وتعاقبت السنون يتلو بعضها بعضاً، فكان نكفورس كلّما إزداد عمراً إزداد فضلاً وازداد الخاص والعام به تعلّقاً وله إعتباراً.

وفي سنة 806 رقد بالربّ البطريرك العظيم رقد بالربّ البطريرك العظيم  والقدّيس الكبير طراسيوس، فحامت الأنظار حول نكفورس. فاختاره البلاط والأساقفة والشعب ليكون خليفةً لطراسيوس الوزير القديم. فمانع كثيراً، إلاّ أّنّه عاد فخضع لإرادة الربّ وقبل أن يكون البطريرك القسطنطيني، وعاهد الله إلى الكنيسة منذ يومه الأول، أن يكون الراعي الصالح والأسقف الأمين على وديعة الإيمان.

فما كاد البطريرك نكفورس يتسلّم عصا الرعاية حتى بدأ عمله بجد ونشاط. إلاّ أن ذاك البطريرك لم ينعم طويلاً بالراحة والسلام، ولم يفرح بثمار جهوده بل دعاه الله إلى تقديس رعيّته بواسطة  الصليب والآلام. ففي سنة 813 نودي بلاون الأرمني ملكاً على الشعب الروماني البيزنطي، وكان من أفظع دعاة الضلال ومن أشد محاربي الأيقونات. فانطلق يبشّر بتلك البدعة ويدعو الناس إليها.ولم يترك وسيلةً ولا حيلةٍ إلاّ استخدمها ليصل بها إلى غايته.

فجمع الملك أساقفته وأرسل فطلب البطريرك وجماعته. فذهب نكفورس إليه، ومعه رهط من الأساقفة الكاثوليك والرهبان القدّيسين المحنّكين. فلمّا مثلوا بحضرة الملك أخذوا يتضرّعون إليه ليترك رجال الكنيسة وشأنهم يدبّرون أمور الدين كما يلهمهم  روح الربّ.

ما أصدق صوت الحق، وما أجمل جرأة القدّيسين. لكن الظلم والإستبداد والتكبّر ما كانت قط في زمن من الأزمان لتذعن لروح الله وتسمع لصوت الضمير. فاستشاط الملك غضباً وطرد أولئك الأساقفة والرؤساء القدّيسين من حضرته، وأخذ يفكّرفي طريقة يتخلّص بها من البطريرك نكفورس قبل كل شيء، لأنّه كان يرى في سلطانه وعلمه وقداسته وجرأته حصن الكثلكة الحصين. فجمع في قصره من ماشاه من الأساقفة محاربي الأيقونات، فألفّوا شبه مجمع قانوني، واتّهموا البطريرك بتهم جائرة باطلة، ودعوه إلى مجمعهم كأنّهم يريدون أن يسمعوا دفاعه عن نفسه ثم يحكمون عليه. فاعترض البطريرك على قانونيّة مجمعهم على قانونيّة مجمعهم، وذكّرهم القوانين التأديبيّة الكنسيّة التي تقع على كل أسقفٍ يتعاطى عملاً كنسياً  رسمياً خارج نطاق ولايته وفي أبرشية غير أبرشيته. ثم أوعز إليهم بإسم القوانين الكنسية أن يرحلوا عن أبرشيته ويتركوا العاصمة.

فحكموا عليه بالعزل، إرضاءً لخاطر الملك وعملاً يإشارته. فأسرع الملك لاون وأمر بنفيه إلى بلاد بعيدة. فاضطر البطريرك القدّيس أن يترك رعيته تمزقها الذئاب ويذهب إلى منفاه. ولجأ إلى دير القدّيس ثاوذورس الذي كان قد شيّده، وعكف هناك على حياة العزلة والصلاة والكتابة، والتضرّع إلى الله لكي يرأف بكنيسته ويخلّصها من أنياب الوحوش الضارية.

وبقي نكفورس في منفاه أربع عشرة سنة، وبقيت الكنيسة تتألّم وتجاهد وتصلّي ثم مات لاون الأرمني الأثيم وخلفه ميخائيل الألثغ، وكان هذا أيضاً من محاربي الأيقونات، فترك نكفورس في منفاه. ومات نكفورس في منفاه سنة 828، وبعد أن حمل صليبه سنين طويلة بصبرٍ وشجاعة وفضيلة سامية. وذهب لينضم إلى الآباء القدّيسين الذين عطّروا الكنيسة وقدّسوها بصلواتهم ودموعهم وكتاباتهم ومثلهم.

 

استشهاد القديس كولوتس الانصناوي (الشهير باسم أبو قلته) (بحسب الكنيسة القبطية الارثوذكسية)

في مثل هذا اليوم استشهد القديس كولوتس الأنصناوي (الشهير باسم أبو قلته). كان القديس ابنا لوالدين يخافان الله وكان والده واليا علي أنصنا وظل يطلب من الرب يسوع المسيح أن يرزق ولدا. فرزقه هذا القديس ز فأدبه بالآداب المسيحية وعلمه الكتابة. فحفظ كثيرا من كتب وتعاليم الكنيسة. وكان طاهرا منذ صغره. أراد أبوه أن يزوجه فلم يقبل. أما أخته فأنها تزوجت أريانا الذي تسلم الولاية بعد والدها، ولما توفي والدا هذا القديس بني فندقا للغرباء. ثم درس الطب حتى أتقنه وكان يداوى المرضي بلا أجر.

ولما كفر دقلديانوس انحاز إليه أريانا حفظا لمركزه. وصار يعذب المسيحيين، فتقدم القديس كولوتس شقيق زوجة أريانا وصار يوبخه علي تركه عبادة الإله الحقيقي، كما لعن آلهة الملك المرذولة. فلم يمسه أريانا بأذى إكراما لأخته، بل أرسله إلى والي البهنسا حيث أودع السجن ثلاث سنوات وتوسطت أخته في إخراجه إلى أن تولي والي آخر وعرف خبره، فاستحضره وهدده فلم يلتفت إلى تهديده فغضب وأمر بتعذيبه. وكان ملاك الرب يأتي إليه ويعزيه. وأخيرا أمر الوالي بقطع رأسه فنال إكليل الشهادة فكفنه محبيه ووضعوه في مكان إلى أنقضاء زمن الاضطهاد حيث بنوا له كنيسة. وكانت تظهر من جسده آيات عظيمة.

ولهذا القديس كنيسة أثرية في رفا مركز أسيوط ويقام له سنويا احتفال عظيم في يوم استشهاده وينال زائروه - ببركة هذا القديس وبشفاعته - الشفاء من الأمراض المختلفة. ومما يذكر أنه يوجد في هذه الكنيسة حجر أثري له تأثير عظيم في أبعاد العقارب عنها إلى يومنا هذا. صلاته تكون معنا. آمين.

وفي مثل هذا اليوم ايضاً : نياحة المعلم إبراهيم الجوهري

في مثل هذا اليوم من سنة 1511 للشهداء الأبرار تنيح الأرخن العظيم والمحسن الكريم المعلم إبراهيم الجوهري نشأ هذا الرجل الكامل والعصامي الكريم في القرن الثامن عشر للميلاد، من أبوين فقرين متواضعين. وكان اسم والده يوسف جوهري وكانت صناعته الحياكة في بلدة قليوب. وكان أبواه مملوءين نعمة وأيمانا. ربياه التربية الدينية في كتاب البلدة فتعلم الكتابة والحساب وأتقنهما. واشتهر منذ حداثته بنسخ الكتب الدينية وتقديمها إلى الكنائس علي نفقته الخاصة وكان يأتي بما ينسخه من الكتب إلى البابا يوحنا الثامن عشر البطريرك السابع بعد المائة الذي تولي الكرسي من سنة 1486 إلى 1512 للشهداء (1769 – 1796 م)

وقد لفتت أنظار هذا البابا كثرة الكتب التي قدمها إبراهيم الجوهري وكثرة ما تكبده من النفقات في نسخها وتجليدها فاستفسر منه عن موارده فكشف له إبراهيم عن حاله فسر البابا عن غيرته وتقواه وقربه إليه وباركه قائلا: "ليرفع الرب اسمك ويبارك عملك وليقم ذكراك إلى الأبد " وتوثقت العلاقات بعد ذلك بينه وبين البابا.

والتحق إبراهيم في بدء أمره بوظيفة كاتب لأحد أمراء المماليك ثم توسط البابا لدي المعلم رزق رئيس الكتاب وقتئذ فأتخذه كاتبا خاصا له واستمر في هذه الوظيفة إلى أخر أيام علي بك الكبير الذي ألحقه بخدمته. ولما تولي محمد بك أبو الذهب مشيخة البلاد اعتزل المعلم رزق رئاسة الديوان وحل محله المعلم إبراهيم فسطع نجمه من هذا الحين. ولما مات أبو الذهب وخلفه في مشيخة البلاد إبراهيم بك تقلد المعلم إبراهيم رئاسة كتاب القطر المصري وهي اسمي الوظائف الحكومية في ذلك العصر وتعادل رتبة رئاسة الوزارة.

ولم يؤثر هذا المنصب العظيم في أخلاق إبراهيم الجوهري بل زاده تواضعا وكرما وإحسانا حتى جذب إليه القلوب ومن فرط حب إبراهيم بك له أولاه ثقته حتى آخر نسمه من حياته فأخلص له الجوهري كل الإخلاص وتزوج المعلم إبراهيم من سيدة فاضلة تقية شاركته في أخلاقه الطيبة وعاونته في أعمال البر والإحسان وشجعته علي تعمير الكنائس ورزق منها بولد اسمه يوسف وابنة اسمها دميانة. وكان يقطن بجهة قنطرة الدكة.

ولما ترعرع ابنه عزم علي تأهيله فأعد له دارا خاصة به جهزها بأفخر المفروشات واثمن الأواني والأدوات واستعد لحفلة الزفاف ولكن شاءت إرادة الله أن تختاره وتضمه إلى الأحضان الإبراهيمية قبل زواجه فحزن عليه والداه حزنا شديدا وأغلق المعلم إبراهيم الدار التي جهزها له وبقيت مغلقة إلى أن نهبت.

وقد كان لوفاة هذا الابن الوحيد أثر كبير في نفس إبراهيم وزوجته فازداد رغبة في مساعدة الأرامل واليتامى والمساكين وتعزية الحزانى والمنكوبين فأدهش جميع عارفيه بصبره الغريب واحتماله آلام الفراق وخيبة الأمل ولما أرادت زوجته الاعتراض علي أحكام الله، تر آي لها القديس أنطونيوس الكبير كوكب البرية في حلم وعزاها قائلا: "اعلمي يا ابنتي أن الله أحب ولدك ونقله إليه شابا كما أحب والده لحكمة قصدها لحفظ اسم المعلم الكبير تقيا إذ ربما أفسد ولده شهرته وعاب اسمه وهذا خير جزاء من الله تعالي لزوجك علي بره وتقواه فتعزيا وتشجعا واستأنفا أعمالكما المرضية " قال هذا واختفي. وقد ترآى القديس أنطونيوس في الوقت ذاته للمعلم إبراهيم وعزاه وشجعه. ولما استيقظت الزوجة توجهت إلى زوجها وقصت عليه الرؤيا فأجابها بأنه رأي نفس الرؤيا في هذه الليلة فسلما الآمر لله واستبدلا لباس الحداد باللباس العادي وامتلأ قلباهما عزاء وشاركته زوجته في جميع أعماله الخيرية وصدقاته حتى يوم وفاته وقد توفيت كريمته دميانة بعده بزمن قليل وهي عذراء في ريعان الشباب.

استمر المعلم إبراهيم في رئاسة الديوان حتى حصل انقلاب في هيئة الحكام وحضر لمصر حسن باشا قبطان موفدا من الباب العالي فقاتل إبراهيم بك شيخ البلد ومراد بك أمير الحج واضطرهما للهرب إلى أعالي الصعيد ومعهما إبراهيم الجوهري وبعض الأمراء وكتابهم ودخل قبطان باشا القاهرة فنهب البيوت وأنزل الظلم والعدوان بالأهالي واضطهد المسيحيين ومنعهم من ركوب الدواب المطعمة ومن استخدام المسلمين في بيوتهم ومن شراء الجواري والعبيد وألزمهم بشد الأحزمة وتسلط العامة عليهم فاختبئوا في بيوتهم وكفوا عن الخروج أياما وأرسل يطلب من قاضي القضاة إحصاء ما أوقفه المعلم إبراهيم الجوهري عظيم الأقباط علي الكنائس والأديرة من أطيان وأملاك وغير ذلك وبسبب هذه الأحوال اختفت زوجة المعلم إبراهيم الجوهري في بيت أحد المسلمين وكان لزوجها عليه مآثر كبيرة فبحث عنها أعوان السوء ناكرو الجميل والإحسان ودلوا حسن باشا علي مكان اختفائها فأجبرها علي الاعتراف بأماكن مقتنياتهم فأخرجوا منها أمتعة وأواني ذهب  وفضة وسروج وغيرها وبيعت بأثمان عالية ودل بعضهم علي مسكن المرحوم يوسف ابن المعلم إبراهيم فصعدوا إليه وأخرجوا كل ما فيه من المفروشات وأثمن الأواني والأدوات وأتوا بها إلى حسن باشا فباعها بالمزاد وقد استغرق بيعها عدة أيام لكثرتها واستمر حسن باشا في طغيانه إلى أن استدعي إلى الأستانة فبارحها غير مأسوف عليه وبعد فترة عاد إبراهيم بك ومراد بك إلى منصبيهما ودخلا القاهرة في 7 أغسطس سنة 1791 م. وعاد المعلم إبراهيم الجوهري واستأنف عمله وعادت إليه سلطته ووظيفته ولكنه لم يستمر أكثر من أربع سنوات وقد ظل محبوبا من الجميع لآخر أيامه.

وقد أطلق عليه الناس لقب سلطان الأقباط كما دل علي ذلك نقش قديم علي حجاب أحد هياكل كنائس دير الأنبا بولا بالجبل الشرقي والكتابة المدونة علي القطمارسkatameooc المحفوظ في هذا الدير أيضا.

وقال عنه الجبرتي المؤرخ الشهير: "انه أدرك بمصر من العظمة ونفاذ الكلمة وعظم الصيت والشهرة - مع طول المدة - ما لم يسبق لمثله من أبناء جنسه وكان هو المشار إليه في الكليات الجزئيات وكان من ساسة العالم ودهاتهم لا يغرب عن ذهنه شيء من دقائق الأمور ويداري كل إنسان بما يليق به من المدارة ويفعل ما يوجب انجذاب القلوب والمحبة إليه وعند حلول شهر رمضان كان يرسل إلى أرباب المظاهر ومن دونهم الشموع والهدايا وعمرت في أيامه الكنائس والأديرة وأوقف عليها الأوقاف الجليلة والأطيان ورتب لها المرتبات العظيمة والأرزاق المستديمة والغلال.

وقال عنه الأنبا يوساب الشهير بابن الأبح أسقف جرجا وأخميم: "أنه كان من أكابر أهل زمانه وكان محبا لله يوزع كل ما يقتنيه علي الفقراء والمساكين مهتما بعمارة الكنائس وكان محبا لكافة الطوائف. يسالم الكل ويحب الجميع ويقضي حوائج الكافة ولا يميز واحدا عن الأخر في قضاء الحق.

هذا مختصر حياته العامة. أما عمله الطائفي فيمكن تلخيصه فيما يأتي:

"أشتهر المعلم ابراهيم الجوهري بحبه الشديد لتعمير الكنائس والأديرة وإصلاح ما دمرته يد الظلم فبواسطة نفوذه الحكومي وما له من الأيادي البيضاء علي الحكام المسلمين تمكن من استصدار الفتاوى الشرعية بالسماح للأقباط بإعادة ما تهدم من الكنائس والأديرة. أوقف الأملاك الكثيرة والأراضي والأموال لا صلاح ما خرب منها وقد بلغت حجج تلك الأملاك 238 حجة مدونة في كشف قديم محفوظ بالدار البطريركية كما اشتهر بنسخ الكتب الثمينة النادرة وإهدائها لجميع الكنائس والأديرة فلا تخلو كنيسة من كتبه وآثاره.

وهو أول من سعي في إقامة الكنيسة الكبرى بالأزبكية وكان مُحَرَّمًا علي الأقباط في الأزمنة الغابرة أن يشيدوا كنائس جديدة أو يقوموا بإصلاح القديم منها إلا بإذن من الهيئة الحاكمة. يحصلون عليه بعد شق الأنفس فاتفق أن إحدى الأميرات قدمت من الأستانة إلى مصر لقضاء مناسك الحج فباشر المعلم إبراهيم بنفسه أداء الخدمات اللائقة بمقام هذه الأميرة وأدي لها الواجبات اللازمة لراحتها وقدم لها هدايا نفيسة فأرادت مكافأته وإظهار اسمه لدي السلطان فالتمس منها السعي لإصدار فرمان سلطاني بالترخيص له ببناءكنيسة بالأزبكية حيث يوجد محل سكنه وقدم لها بعض طلبات أخري خاصة بالأقباط والاكليروس فأصدر السلطان أمرًا بذلك ولكن عاجلته المنية قبل الشروع في بناء الكنيسة فأتمها أخوه المعلم جرجس الجوهري.

ولكي لا تتغير مواعيد الصلاة بكنيسة العذراء الكبرى بحارة زويلة لعامة الشعب قام بإنشاء كنيسة صغري باسم الشهيد مرقوريوس أبي سيفين بجوارها حتى يتمكن موظفو الحكومة من حضور القداس معه فيها بما يتفق مع مواعيد العمل في مصالحهم وقام بتجهيز أصناف الميرون ومواده علي حسابه الخاص وأرسلها بصحبة أخيه المعلم جرجس لغبطة البابا البطريرك بالقلاية العامرة

وفي سنة 1499 ش. (1783م) بني المعلم إبراهيم السور البحري جميعه وحفر ساقيه لدير كوكب البرية القديس أنطونيوس بعد أن أهتم ببناء هذا السور من القبلي والغربي في سنة 1498 ش. ويعرف إلى الآن باسم سور الجوهري. وقام أيضا بتجديد مباني كنيسة العذراء المغيثة بحارة الروم في سنة 1508 ش. (1792م) وشيد كنيسة الشهيد أبي السيفين بدير أنبا أبللو وأنبا أبيب (ولكنها هدمت في سنة 1881 م. لتوسيع كنيسة مار يوحنا) وقصر السيدة بالبرموس وقصر السيدة بالسريان وأضاف إلى دير البرموس خارجة من الجهة القبلية، وبني حولها سورا وبلغت مساحتها 2400 مترا مربعا وبالاختصار بني كنائس كثيرة وعمر البراري وبني الأديرة واهتم بالرهبان الساكنين فيها وفرق القرابين وأيضا الشموع والزيت والستور وكتب البيعة علي كل كنيسة في أنحاء القطر المصري ووزع الصدقات علي جميع الفقراء والمساكين في كل موضع واهتم لهمبالطعام والكسوة وكذا الأرامل واليتامى الذين ليس لهم من يهتم بهم ورتب لهم في كل شهر ما يقوم بكفايتهم. وذلك حس ما شهد له به ابن الأبح في مرثية البابا يوأنس البطريرك (107) وظل علي هذه الحال إلى أن أنتقل دار الخلود في يوم الاثنين 25 بشنس سنة 1511ش (31 مايو سنة 1795م) فحزن عليه الجميع كما أسف علي وفاته أمير البلاد إبراهيم بك فسار في جنازته إكراما له وتقديرا منه لمقامه السامي ورثاه البابا يوأنس الذي كان يخصه بعظيم محبته وقد دفن في المقبرة الخاصة التي بناها لنفسه بجوار كنيسة مار جرجس بمصر القديمة وأوقف علي هذه المقبرة وقفا يصرف ريعه علي " قنديل لا يطفأ ليلا ونهارا". نعم. مات هذا الرجل كما مات آباؤه وأجداده من قبله مات ولم يترك نسلا ولكن ذكراه باقية لان ذكر الصديق يدوم إلى الأبد

وقد اهتمت جمعية نهضة الكنائس القبطية الأرثوذكسية بالقاهرة بتجديد مقبرة الجوهري بدرب التقا بمصر القديمة فأصبحت كعبة المعجبين بأعمال هذين الأخوين البارين.

أما سيرة أخيه المعلم جرجس الجوهري فهي مدونة في اليوم السابع عشر من شهر توت سنة 1557 ش. 27 سبتمبر سنة 1810 م. يوم تذكار نياحته – ولربنا المجد دائما. آمين.