دينيّة
12 أيار 2017, 05:30

قدّيسو اليوم: 12 أيار 2017

تذكار القديس ابيفانوس اسقف قبرص (بحسب الكنيسة المارونية) ولد في فلسطين قرب غزة من والدين يهوديين ومات والده وهو صغير وله أخت، فعني بتربيتها أحد اليهود. فتعرف ابيفانوس على راهب من بلده اسمه لوسيانوس فهداه الى الايمان المسيحي هو وأخته وعمدهما. وتثقف ابيفانوس بأنواع العلوم والمعارف وبرع فيها. ثم مضى الى مصر وزار نساكها ودرس عليهم الحياة الروحية والفضائل الرهبانية. وعاد الى وطنه وله من العمر عشرون سنة. فأنشأ ديراً قرب بلدته فتتلمذ له كثيرون. وطارت شهرة قداسته ومعارفه في مصر وسوريا وقبرص. وفي سنة 367، انتخبه أهل قبرص رئيس اساقفة عليهم، فجعل كرسيه في سلامينا. فساس رعيته بكل غيرة وقداسة مدة ست وثلاثين سنة، أنشأ فيها المؤسسات والاديرة، ولم يهمل فرصة لمناصبة الهرطقات وتبّاعها، بهمة لا تعرف الكلل.

 

وقد امتاز بمحبته للفقراء حتى أنفق في سبيلهم كل ما كان يملكه. وكان من أشد المدافعين عن المعتقد الكاثوليكي. وقد كتب مقالة مسهبة الى رهبان المشرق، يثبتهم في ايمانهم ويؤيد عقيدة الثالوث الاقدس وحقيقة الطبيعة البشرية في السيد المسيح وقيامة الاجساد. وقد أبان لتاوفيلوس بطريرك الاسكندية عن زعمه الفاسد في أن لله هيئة وأعضاء بشرية، فعدل عن زعمه وأخذ برأي ابيفانوس. وبعد أن جاهد الجهاد الحسن رقد بالرب عام 403. صلاته معنا. آمين.

 

تذكار الشهيد أبيفانوس (بحسب الكنيسة السريانية الكاثوليكية)

كان من مدينة باكاس في آسيا الصغرى. وتعلّم اللغة اللاتينيّة  والفقه في مدينة بيروت، وقضى فيها سنتين. ولمّا أتم دروسه عاد الى وطنه، وتوجّه الى مدينة نيقوميديّة حيث كان الملك مكسيميانس قد أصدر أمره بأن يضحّي أهل المدينة للأوثان. فحملت الغيرة أبيفانوس، فجاء الى الوالي يسأله أن يرعوي عن ضلاله، ويكفّ عن إضطهاد المسيحيين.

فغضب الوالي وأمر بإلقاء القبض عليه وتعذيبه. فهجم عليه الوثنيون وأثخنوه جراحاً، ثم ألقوه في السجن مغلّلاً. فكان صابراً يسبّح الله، وفي الغد أخرجوه. وبعد أن أذاقوه مرّ العذاب، دهنوا رجليه بالزيت وأحرقوهما بالنار، فلم ينالوا منه مأرباً. أخيراً أغرقوه في البحر. فقذفت الأمواج جثّته الى الشاطئ، فحملها المسيحيّون ودفنوها بإكرام سنة 306.

وكان أخوه اداسيوس فيلسوفاً كبيراً. وبعد سنتين جاهر بإيمان المسيح. فعذّبوه وطرحوه في السجن. ثم حكموا عليه بالأشغال الشاقة في صحراء فلسطين. فاستمرّ ثابتاً في إيمانه. واستطاع المجيء الى الإسكندريّة، وأخذ يوبّخ الوالي على جوره، فأمر به فعذّبوه. ثم أغرقوه في البحر نظير أخيه. فتمّت شهادته سنة 308.

وفي مثل هذا اليوم أيضاً : مار يعقوب النصيبيني

ولد يعقوب في الرابع الأخير من القرن الثالث في مدينة نصيبين الواقعة على الحدود بين الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية في بلاد ما بين النهرين. وكانت المدينة إذ ذاك ضمن الإمبراطورية الرومانية تنعم  بكثير من الرخاء والإزدهار، وقد انتشرت فيها الديانة المسيحيّة إنتشاراً واسعاً. كان يعقوب منذ نعومة أظفاره يميل الى العلم والفضيلة، ولمّا بلغ أشدّه، تجلّت فضيلته وزهده. فلمّا مات أسقف المدينة، إتّجهت الأنظار كلّها الى يعقوب، فأقيم أسقفاً لنصيبين في نحو سنة 319 نزولاً عند إلحاح الشعب. لكنّه لم يتخيّل عن نسكه وتواضعه، فكان كثير الصيام يُحيي الليالي في الصلاة، ويرقد على الحضيض، وكانت مائدته بسيطة وثيابه فقيرة. وكان همّه تعزية الحزانى وزيارة المرضى ومساعدة المحتاجين... كان له دور كبير وفضل عظيم في تهذيب القدّيس أفرام الملفان وتثقيفه وإعداده لمستقبله الباهر في كنيسة الله. ويعقوب أول من فكّر في تهذيب الأقليروس والشباب، فأنشأ لهم مدرسة وسلّم إدارتها الى القدّيس أفرام وقد اصبحت أشهر المدارس في المنطقة.

وقد أجمع المؤرخون أن يعقوب حضر مجمع نيقيّة سنة 325 ودافع عن الحقيقة، وشجب البدعة التي إستنبطها آريوس. وكان يعقوب الأسقف الراعي والأب والقائد والمدير. واستطاع بقوّة صلواته وشخصيته أن يرد الجيوش الفارسية  عن مدينته مرّات عديدة. وفي سنة 338، حاصر شابور ملك الفرس مدينة نصيبين بجيوش جرارة وحوّل إليها نهراً قريباً منها وفتح في أسوارها ثغرة، فآمل أن يدخلها صباحاً ويعمل فيها السيف والنار. ولكن يعقوب إستطاع بقوّة صلاته وشخصيته أن يردّ جيش شابور... وفي تلك السنة (338) توفي يعقوب تاركاً لشعبه تراثاً علمياً مجيداً ومثالاً سامياً للقداسة.

 

القدّيس جرمانس رئيس أساقفة القسطنطينية (بحسب الكنيسة الارثوذكسية)

وُلد في حدود العام 634م. كان والده بطريقاً معروفاً اسمه يوستنيانوس، وقيل من سلالة الإمبراطور يوستنيانوس الأول. هذا قتله الإمبراطور قسطنطين الرابع بوغوناتوس حسداً وخصى ابنه جرمانوس ليحول دون تبوّئه مركز المشيخة. كما ألحقه بالكنيسة الكبرى, كنيسة الحكمة المقدّسة، وجعله من صغار رجال الإكليروس فيها. لكن استحالت الضرورة الموضوعة على قدّيس الله سبباً للمجد. فقد سلك جرمانوس في حياة شبيهة بحياة الملائكة. انصرف من المجد الباطل إلى تسبيح الله ودراسة الكتب المقدّسة ليل نهار.
من هذا المَعين استمدد قدّيسنا معرفته اللاهوتية الواسعة التي دافع بها عن الإيمان القويم. آباء المجمع المسكوني الثاني قالوا فيه: "تكرّس لله منذ فتوّته نظير صموئيل النبي واقتدى بالآباء القدّيسين فانتشرت كتاباته في كل العالم. صدح بمديح الله بالصوت الملآن وتناول الكلام الإلهي كسيف ذي حدّين شهره في وجه كل المناهضين للتقاليد الكنسيّة".
صُيِّر رئيس أساقفة على كيزيكوس وقاوم هرطقة المشيئة الواحدة. تعرّض للنفي زمن الإمبراطور فيليبيكوس (711-713). في العام 715 اختير بطريركاَ للمدينة المتملّكة, القسطنطينية. تعلّق الشعب به لفضائله وموهبة النبوّة لديه. في غضون عشر سنوات حمل الإمبراطور لاون الثالث حملة شعواء على الإيقونات ومكرميها .يُذكر القدّيس جرمانوس، بخاصة، في التاريخ الكنسي، لمقاومته للإمبراطور في تلك الحقبة من الزمان. في إحدى رسائله كتب دفاعاً عن إكرام الأيقونات: "حين نكرم رسوم يسوع المسيح فإننا لا نعبد طلاء على الخشب بل الله غير المنظور بالروح والحقّ".
أنكر جرمانوس على لاون حقّه في التدخّل في شؤون الكنيسة وتعدّيه على التقاليد الموقّرة المؤسّسة منذ الزمن الرسولي. فإن كلمة الله بتجسّده صار إنساناً على صورة الناس. وقد اتّخذ طبيعتنا ليجدِّد فينا صورة الله التي بَهُتَت بالخطيئة. لذا فإن الإمبراطور بتعرّضه للأيقونات المقدّسة يتعرّض لسرّ التجسّد. على هذا أعلن جرمانوس أنه مستعدّ لأن يموت من أجل أيقونة السيّد ودعا القيصر إلى الكفّ عن إقلاق الكنيسة بمثل هذه التعدّيات. هذا الكلام تفوّه به قدّيسنا في محضر لاون الذي اغتاظ لجسارة البطريرك. وإذا لم يجد ما يردّ به عليه صفعه وطرده.ثم استدعى مدير المدرسة البطريركية واستفسره في شأن عراقة إكرام الأيقونات في الكنيسة. ولما سمع منه كلاماً لم يعجبه أن الأيقونات راسخة في تراث الكنيسة اشتدّ غيظه وأبى أن يذعن للحقّ. لهذا بعث بعسكره الذين حاصروا مواقع المدرسة وأحرقوها و ألقوا في البحر الآلاف من مجلّدات المكتبة فيها.
ثم أن الإمبراطور استدعى جرمانوس من جديد وأوقفه أمام الشيوخ وكبار الموظّفين وحاول إجباره على التوقيع على مرسوم يأمر بالإبادة العامة للأيقونات المقدّسة في كل الإمبراطورية. دافع جرمانوس عن الإيمان القويم دفاعاَ جميلاَ ختمه بقوله: "إذا كنتُ يونان جديداً فألقني في البحر. ولكن ليكن معلوماً عندك، أيها الإمبراطور، أنه من دون مجمع مسكوني ليس مسموحاَ لي أن أستصدر شيئاً جديداً في مسائل الإيمان!". وعلى الأثر توجّه إلى كنيسة الحكمة المقدّسة ووضع الأوموفوري، أي قطعة الثياب التي تشير إلى أسقفيته، أقول وضعه على المذبح وانكفأ في مِلكية عائلية، تعرف باسم "بلاتونيون"، حيث ختم حياته في الصلاة والسكون بعدما حَرّر العديد من المقالات ضدّ الهرطقات. تاريخ وفاته كان في حدود السنة 740 م.

 

تذكار أبوينا الجليليين في القدّيسين جرمانس رئيس أساقفة القسطنطينيّة (بحسب كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك)

ولد جرمانس في مدينة القسطنطينيّة، في الرابع الثاني من القرن السابع، على عهد الملك هرقل، الذي كان قد انتصر على الفرس واستعاد منهم عود الصليب الكريم وأرجع للمملكة البيزنطيّة مكانتها السياسيّة والحربيّة. وكان أبوه يدعى يُستنيانس، وكان من عظماء الدولة ومن كبار رجال البلاط، وتوصّل بجدّه واجتهاده ونزاهة حياته الى رتبة البطريق الساميّة. وكان معروفاً بفضائله، يقرّبه الكبير والصغير بلا خوف، واثقين بعطفه وعدله ورحابة صدره.

لكن الفضيلة ما زالت في كل زمان ومكان، ولا سيّما إذا لمعت عند الرجال العظام، هدفا ً لسهام الحسد الدنيئة. ولذلك حسده بعض المقرّبين الى الملك، وأوغروا صدر إبنه قسطنطين عليه. فقتله، وأرسل إبنه جرمانس فحجزه في الدار البطريركيّة، ليبقى هناك بين صغار أعضاء الإكليرس، ولدا ً يتيما ً. لكن العناية الإلهية، التي تدبّر الكون وتسهر على حياة الكنيسة بفطنةٍ وقدرة تقف أمامها خباثة البشر ومطامعهم صاغرةً، سمحت للأشرار ان يواروا جرمانس في ظلمات النسيان، لتجعل منه نوراً يلمع، وتستضيء الكنائس والأساقفة والجماعات بأشعّته.

فخصّص جرمانس أيام الوحدة لمطالعة الكتاب المقدّس وإستيعاب معانيه. وأخذ في تحصيل مختلف العلوم، فبرع فيها.

فما كان من الأساقفة والشعب إلاّ أن دعوه الى كرسي أسقفيّة كيزيكو، فظهرت فيه مواهبه بأجلى بيان، لما أخذ يسوس الشعب بحكمةٍ ساميّة وفضيلة راهنة كانت حديث الكبار والصغار.

ورقد بالربّ البطريرك يوحنا سنة 715، فاتّجهت الأنظار الى جرمانس. ورغم أن القوانين الكنسية كانت تحظّر بشدّة على الأساقفة الإنتقال من كراسيهم الى غيرها، فلكي لا يحرم الكرسي القسطنطيني رجلاً نظير جرمانس ، عقد الأساقفة مجمعاً كبيراً في مدينة القسطنطينيّة، وقرّروا إستثناء جرمانس من ذلك القانون، ودعوه الى البطريركيّة في تلك العاصمة العظيمة.ووافق البلاط والإكليرس والشعب على ذلك القرار.فجلس جرمانس على تلك السدّة العليا، ودقّت أجراس الكنائس تبشّر الشعب براعيه الجديد.فعمّت الأفراح واستبشر بالبطريرك الجديد.

فوجّه جرمانس عنايته أولاً الى رجال إكليرسِه، في الدار البطريركيّة وفي سائر كنائس العاصمة وضواحيها.فجعل يتعهّدهم بعطفه، ويسهر على نفوسهم سهر الأب على راحة بنيه وخيرهم، وينفق عليهم بكرم ٍ ممّا كان يجود به المحسنون ومن واردات الأوقاف، ويحميهم من تهجّم الناس الأشرار، ويأخذ بأيديهم أمام البلاط والحكّام وكبار القوم. ولم تكن عنايته بالفقراء بأقل غيرة من عنايته برجال الكنيسة، بل كان يحسب ان مال الأوقاف هو مالهم، وأنّه وكيل عليها وعليهم، وأن على الوكيل أن يكون أميناً، كما قال الربّ في الإنجيل. فكان باراً يحيي الليالي بالصلاة، وضيعاً لا يأنف من خدمة المسكين والبائس.

لكن ذلك الرجل الوديع المتواضع والشيخ الطاعن في السن بدا أسداً  أمام القيصر لاون الأيصوري، لمّا قام هذا يحطّم الأيقونات ويعرّي منها الكنائس، ويأمر الشعب أن يترك عبادتها وتقدين الإكرام لها.فوقف جرمانس بوجهه، يدافع عن الإيمان المقدّس، ورغم شسخوخته أخذ يحذّر شعبه من تلك البدعة الجديدة الأثيمة، ويبيّن له فسادها، ويشرح بأجلى بيان حقيقة المعتقد الكاثوليكي.

ووجد القيصر لاون من يتملّقه ويقول قوله حتى من الأساقفة. وأخذ يضطهد المؤمنين إضطهاداً هائلاً. فجرت الدماء من جديد في الكنيسة كالأنهار، وجاد الكثيرون بحياتهم دفاعاً عن إيمانهم ومعتقداتهم، ولاسيّما الأساقفة والرهبان.فتألّم قلب جرمانس لما حلّ بكنيسة الله من المحن،وجعل يقضي أيامه ولياليه جاثياً في الكنيسة أمام الله، يصلّي ويتضرّع. وأرسل الى الحبر الأعظم البابا غريغوريوس كتابا ً يشرح له فيه ما جرّت تلك البدعة من البلايا على المؤمنين وعلى الكنائس والديورة، وما أحدثت من الشغب والإضطرابات، ورجا منه أن يبيّن بسلطانه الأعلى ما هو معتقد الكنيسة الجامعة منذ العصور الأولى. فشدّدت تلك الرسالة البابوية عزائم البطريرك، فجدّ في مقاومة تلك البدعة، وفي تحريض المؤمنين على نبذها، ولو كلّفهم ذلك سفك دمائهم. وأخذ هو يستعد للموت، لأنّه نظر الشرّ في عين لاون القيصر الظالم الكافر.

وظنّ ذلك القيصر أنّه يقدر ان يستميل إليه البطريرك، فيكسب بذلك المعركة الكبرى في تلك الحرب الدينية التي أثارها. فاستدعاه إليه وأخذ يتملّقه تارةً ويتهدّده أخرى، فوجد أمامه جيلاً لا تزعزعه الرياح ولا تناله العواصف.

فلمّا رأى الملك تلك الصلابة الرسوليّة، أوعز الى بعض صنائعه ان ينزلوا بالبطريرك القدّيس أصناف الإهانات، وأن يطردوه من الدار البطريركيّة. فما كان من أولئك الابطال إلاّ أن هجموا على الشيخ البار وأوسعوه ضرباً ولكماً وشتائم، وأنزلوه قهراً من داره وطردوه الى الشارع. فخرج جرمانس ذليلاً، حاملاً صليبه على مثال معلّمه الإلهي، وهو صامت، يقدّم للفادي الإلهي تلك الآلام في نفسه وجسده، لأجل شعبه ولأجل نصرة الكنيسة على الأثم والأثمّة.

والتجأ جرمانس الى أحد الديورة. فلبس هناك الثوب الرهباني، وعكف على الصوم والصلاة والإماتات كأحقر الرهبان، الى أن رقد بالربّ. فطارت نفسه الى الأخدار العلويّة لتنضم الى صفوف القدّيسين المعترفين. وكان قد خدم الكرسي القسطنطيني مدّة أربع عشرة سنة.

وفي مثل هذا اليوم أيضاً : القدّيس أبفانس

ولد إبفانس في بلاد فلسطين في جوار مدينة إلِفثروبولس (بيت جبرين) بقرب غزّة، في الربع الأول من القرن الرابع. وتثقّف منذ حداثته بأنواع المعارف والعلوم، وبرع على الأخص في اللغات، فكان يعرف منها خمساً: اليونانية العبرانية والسريانية والقبطية واللاتينية.

ومال منذ حداثته الى جمال الحاة النسكيّة، لأن طريقة إيلاريون الملائكيّة كانت قد تركت في قلبه أثراً عميقاً. وكان أيضاً قد زار، وهو في السن العشرين، الصحاري المصريّة، ورأى بعينه رجال الله القدّيسين يقضون العمر في الصوم والصلاة والطاعة والفقر وشغل الأيدي. فعاد الى بلاده وأنشأ ديراً في "عاد العتيقة" (بيت صدوق)، في جوار إلفثروبولس نفسها. فما عتم ان ذاع علمه وقداسته. فعيّن أسقفا على قبرص وجلس على كرسي مدينة قسطنسيا (سلامينا) سنة 367

فحمل الى قبرص، والى رعيّته فيها، قلباً أبويّاً وقداسة رهبانية. وبقي طوال حياته الراهب العابد المتواضع، العطوف على كهنته وشعبه. وكان يضع فضيلة الطهارة في أساس الحياة الروحيّة، ويجعلها المحرّر الذي تدور حوله سائر الفضائل.

ومنحه الله صنع العجائب. فكان يشفي المرضى ويطرد الشياطين، ويعيد الى الله قلوباً متحجّرة ونفوساً قد كفرت به تعالى. فلُقّب بصانع العجائب.

ووجّه إيفانس عنايته الى صيانة الإيمان المقدّس من زؤان البدع والفلسفات الكفريّة. وكان خصوصاً العدّو الألد لكل التعاليم التي كانت تستقي من نبع أورجانس. وإنّ شدّة غيرته على الإيمان واندفاعه الزائد في ذلك السبيل حملاه، بدافع الوهم والتسرّع، على مخاصمة يوحنّا أسقف أورشليم، ويوحنا الذهبي الفم بطريرك القسطنطينيّة. فكان ينقص إيفانس شيء من الكياسة ومن السياسة أيضاً.

بدأ ذاك الخصام بوصول الراهب أتيربيوس الى أورشليم سنة 303. وكان قد جاء يتظلّم من يوحنّا الأورشليمي وروفينس وايرونمس أيضاً، ويشكوهم لإنحيازهم الى تعاليم اورجانس. وبعد بضعة أشهر لحق به إيفانس ذاته الى اورشليم، وأعلن إنشقاقه عن يوحنّا أسقفها، ورقّى رغماً عنه الى درجة الكهنوت يولنيانس اخا القدّيس أيرونمس. واتّسع الخرق بين الأسقفين. وبعد أن لبث مدّة ديره القديم، أقلع راجعاً الى كرسيه  في قبرص، وبقي الحال على ما كان عليه من الجفاء والخصام بين الأسقفين. إنّ شدّة القدّيس إيفانس على نفسه حدّته الى التصلّب في معملته مع أقرانه وأخوانه.

وقام البطريرك الإسكندري ثاوفلس بدوره، وشهر الحرب على تعاليم أورجانس وعلى كل من يقول قوله. واتّهم يوحنّا الذهبي الفم بممالقته لمريدي اورجانس وعطفه عليهم، ولا سيّما بإنتصاره لبعض الرهبان الأورجانيين الذين زعم أنّهم هربوا من وجه ثاوفلس واستغاثوا بيوحنّا فأغاثهم. فصفّق ابفانس لتلك الحرب التي قامت على الأورجانيين، رغبةً منه في إستئصال شافة تلك التعاليم الضالة، أينما وُجدت.

ورغم سنّه وشيخوخته، قام وذهب بنفسه الى القسطنطينيّة. واتّصل بأعداء يوحنّا فم الذهب، وكاد يشهر الحرب عليه، لو لم يرسل الله إليه من أناره وأفهمه الحقيقة. فرضخ للحق وأسرع في العودة الى كرسيه. ومات على الطريق، وهو إبن ثمانٍ وثمانين سنة.

وهكذا يبقى القدّيس ابفانس على مدى الدهر أباً للكنيسة، وعلّماً للمسكونة، وقدّيساً عظيماً إشتهر بفضيلته وعلمه وغيرته بين كبار القدّيسين.

 

نياحة البابا يوحنا الأول الـ29  (بحسب الكنيسة القبطية الارثوذكسية)

في مثل هذا اليوم من سنة 221 ش. (29 أبريل سنة 505 م.) تنيح البابا القديس يوحنا التاسع والعشرون من باباوات الكرازة المرقسية. وقد ولد هذا الأب بمدينة الإسكندرية من أبوين مسيحيين ومال منذ حداثته إلى حياة الرهبنة فترهب ببرية القديس مقاريوس واختير للبطريركية بعد سلفه البابا أثناسيوس فتمنع ولكن الأساقفة والكهنة والأراخنه أخذوه قهرا ورسموه في أول بابه سنة 213 ش. (29 سبتمبر سنة 496 م.) فلما جلس علي الكرسي اهتم اهتماما زائدا بالتعليم والوعظ وتثبيت المؤمنين علي الإيمان المستقيم وهو أول بطريرك أخذ من الرهبان.

وكان يملك علي القسطنطينية وقتئذ الملك زينون البار. ولهذا اشتد ساعد البابا البطريرك في نشر الإيمان المستقيم في أنحاء البلاد المصرية، وقد أمر هذا الملك البار بإرسال طلبات برية شيهيت من القمح والزيت والخمر والمال لتجديد مباني قلاليهم وترميمها وكانت أيام هذا البابا أيام هدوء وسلام ولما أكمل سعيه الصالح مرض قليلا ثم تنيح بسلام بعد أن قضي علي الكرسي المرقسي ثماني سنوات وسبعة أشهر.

وفي مثل هذا اليوم أيضاً : نياحة البابا يوأنس الخامس البطريرك الثاني والسبعين 

في مثل هذا اليوم من سنة 882 ش. (29 أبريل سنة 1166 م.) تنيح البابا يوأنس الخامس البطريرك (72) وهو يوحنا الراهب من دير أبي يحنس. تولي الكرسي في يوم 2نسي سنة 863 ش. (25 أغسطس سنة 1147 م.) وكان قديسا صالحا عفيفا. وفي أيامه لما تولي الوزارة العادل بن السلار في خلافة الأمام الظهر أمر الصاري مصر والقاهرة بشد الزنانير وخلع الطيالس ولم يدم ذلك طويلا لأن الله انتقم منه سريعا إذ قام عليه والي مصر وقتله وأخذ منه الوزارة.

استولي الإفرنج علي عسقلان وهدمت كنيسة مار جرجس بالمطرية بعد تجديدها علي أنقاض القديمة بجانب بئر البلسم وقام نصر بن عباس وقتل الخليفة الظاهر ونصب مكانه الفايز وقتل ابن عباس واستولي مكانه طلائع بن رزيك ونعت نفسه بالملك الصالح وكان مبغضا للنصارى وأمر أن يكون لعمائمهم ذوايب وحصل في أيامه غلاء في الأسعار ووباء في الأبقار ومات الأمام الفايز وقام بعده الأمام العاضد وفي أيامه مات الوزير طلائع واستولي مكانه ولده. قم قام علي الأخير شاور والي الصعيد واستولي علي الوزارة وقتل سلفه. وتحرك ضرغام علي شاور وخلعه وحل مكانه أما شاور فهرب إلى الشام وعاد منها صحبة أسد الدين شيركوه وقتل ضرغام. ولما حاصر شيركوه شاور في القاهرة واستولي عليها امتدت اليها أيدي النهب. فنهب رجاله الأهالي وصاروا يمسكون النصارى أهل البلاد والأرمن الإفرنج ويقتلون منهم ويبيعون منهم بالثمن البخس. واستشهد علي أيديهم الراهب بشنونه الذي من دير أبي مقار في 24 بشنس سنة 880 ش. (1164 م.) وأحرقوا جسده لامتناعه عن تغيير دينه وحفظت عظامه في كنيسة أبي سرجه. وهدموا كنيسة الحمرا (مار مينا) بحارة الروم البرانية وكنيسة الزهري وعدة كنائس في أطراف مصر بعد نهب ما فيها ثم أذن الله بتجديد مبانيها علي يد الأرخن أبي الفخر صليب بن ميخائيل الذي كان صاحب ديوان الملك الصالح الوزير.

وفي أيام هذا البطريرك آمن بالسيد المسيح شاب إسرائيلي يسمي أبو الفخر بن أزهر وتعلم القبطية قراءة وكتابة وسمي جرجس. وقد قبض علي البطريرك في أيام العادل بن السلار وألقي في السجن لأنه امتنع عن رسامة مطران للحبشة بدل مطرانها الشيخ الكبير المعروف بأنبا ميخائيل الاطفيحي وهو علي قيد الحياة وقد كان مرسوما من يد البابا مقاره وأفرج عنه بعد أسبوعين من اعتقاله لوفاة العادل. وفي أيام هذا البطريرك أضيف إلى الاعتراف لفظة " المحيي " بعد " هذا هو الجسد " فصار يقال " هذا هو الجسد المحيي الذي أخذه الابن الوحيد.. الخ " وجرت بسببها مجادلات ومناقشات كثيرة وتنيح البطريرك في أيام شاور بعد أن تولي علي الكرسي مدة ثمان عشرة سنة وثمانية أشهر وأربعة أيام.