قديسو اليوم: 18 تشرين الثاني 2016
فحنق الوالي وامر به فجلدوه بمقارع في اطرافها قطعٌ من الرصاص، حتى سالت دماؤه وهو صابر يشيد باسم الرب يسوع امام الجماهير المحتشدة ويقول للحاكم:" كم تشتهي نفسي ان تستنير انت ومليكك بنور المسيح"! فدُهش الجميع من جرأته هذه. اما الحاكم فتميَّز غيظاً وامر فسلخوا خاصرتي الشهيد وهشَّموا صدره حتى بانت احشاؤه ومزَّقوا وجهه بالجراح، فالتفت وهو على هذه الحال، وقال للحاكم:" اشكرك، على انك اوليتني اوفواهاً كثيرة اشيد بها بمديح ربي والهي". ورأى بين الجميع طفلاً ممسكاً بيد امِّه وكان ولداً مسيحياً يدعى بارولا. فسأله رومانوس:" اجبنا ايها الطفل، الله كم واحد ولمن تجب العبادة؟ - فأجاب الطفل حالاً:" الله واحد فقط وله وحده تجب العبادة".
فاستشاط الحاكم غيظاً وامر بضرب عنق الطفل البريء، امام امه المتفجعة، لكنها اعتصمت بالصبر، متعزّية بأنه انضمَّ الى الشهداء، اطفال بيت لحم في السماء.
اما رومانوس فأمر الحاكم ان يُحرق حياً. وما اضرموا النار حتى هطل المطر سيلاً جارفاً اطفأ النار ونجا القديس من الحريق. اما ذلك الحاكم الغاشم، فأمر بقطع لسان رومانوس فاستمر يمجد الله بصوت عالٍ سمعه الحاضرون فآمن منهم كثيرون. وعندما يئس الحاكم من ذلك البطل المسيحي امر بأن يخنق في سجنه، وبذلك تمت شهادته في السنة 303. صلاته معنا. آمين.
رومانس الشهيد (بحسب الكنيسة السريانية الكاثوليكية)
ولد في قيصرية فلسطين في نحو سنة 275، وكان من أسرة شريفة. تثقف بالعلوم وارتقى في الدرجات الكنسية حتى صار شماساً إنجيلياً في كنيسة قيصرية فلسطين. وترك بلدته وحلّ في انطاكية. وفي ذلك الزمان ثار فيها اضطهاد شديد على المسيحيين. فطفق رومانس يحثّهم جهراً ويشدّد عزمهم على الثبات والاحتمال. ولما عرف الحاكم اسكليبازوس بما كان، أرسل فقبض على رومانس الذي اعترف بكل جرأة أنه هو الذي منع المسيحيين من تقديم البخور للأوثان، وأنه مستعد ليبذل حياته عن إيمانه. فاغتاظ الوالي عليه وعلى أعوانه، وعذّبهم اشد العذابات. فلم يتزعزع القديس، بل قال للوالي : "كفّ عن مقاومة الله القدير على كل شيء". فازداد الوالي حنقاً وأمر بجلده بمقارع في اطرافها قطع من الرصاص، حتى سالت دماؤه وهو صابر يشيد باسم الرب يسوع أمام الجماهير المحتشدة... أما الحاكم فتميز غيظاً وأمر فسلخوا خاصرتي الشهيد وهشموا صدره حتى بانت أحشاؤه، ومزقوا وجهه بالجراح.
ومن عجيب ما حدث في جهاد رومانس، أنه أراد أن يبين صحة إيمانه، فأحضر صبياً عمره تسع سنوات اسمه بارُلاّ فسأله قائلاً : "قل لنا يا بني ما بدا لك في شأن عبادة الإله الواحد والإيمان بيسوع المسيح. وفي شأن عبادة آلهة كثيرة. أيّ الأمرين تظنه الأصوب والأوفق للحق؟" فقال الطفل وهو يبتسم : "إن الذي يعبده الناس هو الله الواحد وله وحده تجب العبادة". فاستشاط الحاكم غيظاً وأمر بضرب عنق الطفل البريء أمام عيني أمه. فعرّاه من ثيابه، وعلّقه على عمود، وجلد ذلك الجسد اللطيف الطري جلداً قاسياً، فجرت دماؤه من كل جهة، ثم أمر الوالي بإحضار رومانس للتعذيب من حيث أنه صار سبباً لهذه البلبلة كلها.
أما رومانس، فأمر بالحاكم أن يُحرق حياً، وما أن أضرموا النار حتى هطل المطر سيلاً جارفاً أطفأ النار ونجا من الحريق. فأمر الحاكم بأن يقطع لسانه ويشدد عليه بسجنه، لكنه واصل تمجيد الرب بصوت يسمعه السجناء. أخيراً ضجر الحاكم وقال للجلادين إنه يريد التخلص منه، فخنقوه في سجنه وبذلك تمت شهادته في السنة 303.
القديسين الشهيدين رومانوس وبارولا الإنطاكيين (بحسب الكنيسة الارثوذكسية)
رومانوس من أصل أنطاكي أو ربما فلسطيني. كان شماساً وطارداً للأرواح الشريرة في الكنيسة. كان في أنطاكية عندما اندلعت موجة جديدة من الاضطهاد على المسيحيين في زمن الإمبراطور ذيوكليسيانوس (303م). لم يطق رومانوس، اثر ذلك، أن يرى عدداً كبيراً من المسيحيين يتهافتون على حاكمية أنطاكية ليكفروا بالمسيح ويقدّموا العبادة للأوثان خوفاً على أنفسهم. وإذ دبّت فيه الغيرة الإلهية شرع يطوف عليهم في بيوتهم وحوانيتهم يقوّيهم ويشدّد عزائمهم. فوصل خبره إلى الحاكم، اسكلبياذوس فأمر بإلقاء القبض عليه. وفيما كان الجنود يبحثون عنه، إذ به يعترض الحاكم في طريقه على هيكل الأوثان لتقديم ذبائحه: "تخطئ أيها الحاكم، إذ تذهب إلى الأصنام. فالأصنام ليست آلهة. وحده المسيح هو الإله الحقيقي". فبهت الحاكم من جسارة هذا الوقح. وإذ عاد إلى نفسه وهمس أحد الجنود في أذنه بأنه هو المطلوب بتهمة تحريض المسيحيين على عصيان الأوامر الملكية، أمر للحال بإلقاء القبض عليه وسوقه إلى الديوان.
في الديوان، أخذ الحاكم يقرّع رومانوس على عمله الشائن فكان جوابه أنه يفتخر بان يعصى الأوامر الجائرة للملوك وبأن يحضّ المسيحيين على عصيانها لأن الله أولى من الناس بالطاعة. فأشار الحاكم إلى الجنود بأن يجلدوه فجلدوه بعنف بمجالد مزوّدة في أطرافها بقطع من الرصاص، كما مزّقوا جسده بأمشاط من حديد. بعد ذلك دنا منه ليرى إن كان بعد على قحته أم رضخ، فقال له رومانوس: "كم تشتهي نفسي أن تستنير أنت وملكك بنور المسيح وتسلكا بحسب إنجيله، إذن لأضحى ذيوكليسيانوس ملكاً حقيقياً ووكيلاً أميناً لملك السموات على الأرض !" ثم أضاف: "ليس الصنم شيئاً، والوثنية حماقة. المسيح هو رب المجد. واضطهاد ذيوكليسيانوس للمسيحيين ظلم واستبداد".
وعدّ الحاكم كلام رومانوس تجديفاً على الملك فأمر به جنده من جديد فسلخوا جلد خاصرتيه. فالتفت شهيد المسيح إلى اسكلبياذوس وقال له: "أترى هذا الولد هناك؟" فأدار الحاكم وجهه فأبصر ولداً ممسكاً بيد أمه وسط جمع من الناس. فقال له رومانوس: "هذا الولد يفهم أكثر منك لأنه يعرف من هو الإله الحقيقي وأنت لا تعرف. سله فيجبك!" فاختلط الأمر على الحاكم إزاء الجمع وارتبك وصرخ بالولد فجيء للحال به فسأله: "قل لي يا ولد هل هناك إله واحد أم آلهة متعددة؟" فأجاب الولد وكان اسمه بارولا: "بل هناك إله واحد خالق السماء والأرض". فسأله الحاكم: "وهل أنت مسيحي؟" فأجاب: "نعم، أنا مسيحي وأؤمن بالرب يسوع المسيح". فتطلع الحاكم بغضب إلى أم الولد ووبّخها على إفسادها إياه وسوء تربيتها له. ثم اقترب جندي من الولد وانهال عليه ضرباً قصاصاً له. فخرجت الأم عن صمتها وأثنت على ولدها وأخذت تشجعه، فاشتد غيظ الحاكم وأمر بقطع رأس الولد أمام أمه، فقطع، فأحصي في عداد شهداء الكنيسة.
أما رومانوس فأمر الحاكم بنزع لسانه وألقاه في السجن وأثقل وثقه وأيضاً كسر الجنود ساقيه، وأخيراً خنقوه.
تذكار القديسين الشهيدين أفلاطون (بحسب كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك)
كان هذا القديس الشهير من مدينة أنكرة، من إقليم غلاطية، وكان من أسرة شريفة وغنيّة. وطبع والده في قلبه، منذ حداثة سنّه، حب الفضيلة والحنان على المساكين، فشبّ على التقوى والأعمال الصالحة. ونبغ في العلوم أيضاً، فأضحى من خيرة شبّان ذلك العصر. لكنّه امتاز على الأخص بغيرته المسيحية وتفانيه العظيم، لأنّه ما كاد أرث والديه حتى وزّع تلك الأموال على الكنائس والفقراء والمحتاجين، وجعل حياته وقفاً على خدمة بشارة الإنجيل بين المؤمنين والوثنيين، في ذلك القرن الثالث للمسيح.
فلمّا هبّت نار الإضطهاد على الكنيسة، في أيام الملكين ذيوكلسيانس ومكسيمانس، كان الشهيد أفلاطون من أول الضحايا التي أروى الحكّام غليلهم من دمائهم في تلك المدينة، واشتهر القديس أفلاطون بما أظهر من الشجاعة والبطولة في إحتمال الآلام، التي يعسر على العقل البشري تصديقها، لمّا أظهر فيها أغريبان، نائب الملوك، من الوحشية الفظيعة.
حتى أن هذا الوالي، لشدّة حنقه عليه، كان ينزل من كرسي الرئاسة ويساعد الجلاّدين على الضرب والتمزيق والإحراق. وأنهى أفلاطون إستشهاد المجيد بقطع هامته الكريمة. وهكذا فاز بإكليل المجد المعدّ للأبطال المجاهدين، سنة 304. وشرفه الله بعد موته بعجائب عديدة كبيرة. وقد أضحى على الأخص شفيع الأسرى في القيود والسجون. ولقد أثبت آباء المجمع المسكوني النيقاوي الثاني، سنة 787، حقيقة المعجزات التي أجراها الله على يده في سبيل أولئك الأسرى المساكين.
وفي مثل هذا اليوم أيضاً : تذكار القديس الشهيد رومانس
كان رومانس من أنطاكية، سليل أسرة شريفة عريقة في الحسب والنسب، وكان قد تقدّم في الدرجات الكنسية حتى صار شمّاساً إنجيليّاً في أواخر القرن الثالث للمسيح. وكان شديد الغيرة على بث روح الإنجيل في قلوب المؤمنين وغير المؤمنين من اليهود والوثنيين.
فلمّا ثارت على النصرانية زوبعة الإضطهاد في مطلع القرن الرابع، وأخذ إسكلبياذس الحاكم العام على بلاد الشرق يعيث فساداً في كنيسة الله، ويزجّ المؤمنين في السجون، ويميت شرّ ميتة من لا يخضع لأوامر الملوك، دبّت الحمية في قلب الشمّاس رومانس، وأخذ يطوف على المسيحيين في بيوتهم وفي حوانيت تجارتهم، يشجّعهم ويقوّي عزائمهم، ويثبّتهم في الإيمان.
فمثل تلك الشجاعة والحمّية لم تكن لتبقى مكتومة عن أعين الرقباء. فقبضوا عليه وقادوه أمام الحاكم العام، وأخبروه بأمره. فاستشاط هذا غضباً عليه، وأخذ في توبيخه على عصيانه أوامر الملوك، ولا سيّما حمله الناس على العصيان. فلمّا رأى رومانس أن المعركة قد بدأت، رام أن يكون إستشهاده موعظة للمسيحيين، وخاتمةً رسولية لهم. فتشجّع، ووطن النفس على الجهاد بشهامةٍ، ليكون عبرةً صالحة للمؤمنين في محنتهم وشدائدهم.
فردّ رومانس على توبيخ أسكلبياذس بكل بسالةٍ، وقال أنّه يفتخر بأن يعصي أوامر الملوك الجائرة، وبأن يحمل المسيحيين على عصيانها، لأن الله أحق من البشر بأن يُطاع. وكان ديوان الحاكم مكتظّاً بالحضور من المسيحيين المتسترين، ومن الوثنيين. فسرت بين الصفوف موجة إعجاب وإكبار لتلك البسالة الرسولية. أمّا الحاكم فدهش لتلك الجرأة، وعدّها وقاحة. وأمر في الحال بأن يمزّقوا جسده بأمشاط من حديد. فسالت دماؤه أمام الجميع. ثم أمر أيضاً به، فجلدوه بعنف بمجالد ذات فروع متعدّدة، في رأسها قطع من الرصاص. فكان يحتمل تلك الآلام بصبر عجيب، ويشيد بإسم الرب يسوع أمام الجماهير المحتشدة الواقفة تتفرّج.
فكاد الحاكم يجن من شدّة الغيظ، وأمر الجلاّدين بأن يشدّدوا في تعذيب الشمّاس رومانس. فسلخوا جلد خاصرتيه، وهشموا الصدر الذي جسر على العزّة الملكية بمثل ذلك التجديف. فلم يعبأ الشهيد بتلك الآلام، بل تابع كلامه مبينيّاً أن الصنم لا شيء، وأن الوثنيّة حماقة، وأن المسيح هو رب المجد، وأن إضطهاد ذيوكلسيانس للنصرانية هو ظلم وإستبداد.
ثم التفت إلى الحاكم وقال له: عليك بأي طفل صغير تشاء، فسأله في حقيقة الله يحبّك بأن الله واحد، ولا يمكن أن يكون إله سواه. فالتفت أسكلبياذس إلى الحضور، فرأى ولداً صغيراً ممسّكاً بيد أمّه، فأدناه إليه. فعرفه رومانس، وكان ولداً مسّيحيّاً، وكان يُدعى بارولا. فقال له رومانس، أجبنا، أيها الطفل، الله كم واحد؟- فأجاب الطفل بلا تردّد: الله واحد فقط. فقال رومانس: من هو الله؟ فأجاب الولد على الفور: الله روح أزلي كلّي الكمال، خالق السماء والأرض، سيّد ورب الكل.
فخجل الحاكم وغضب وانتهر الولد وقال له: ومن علّمك أن تقول هذا؟ قال: أمّي علّمتني، والله هو الذي علّم أمّي. فأدنى الحاكم أم الطفل إليه، فدنت بكل إحتشام وبغير تهيب. فوبّخها على إفساد ولدها وإبعادها عن عبادة الآلهة. وأمر الجند بضرب الولد أمام عينيها قصاصاً لها. فأخذت تلك الأم القديسة تشجّع طفلها على احتمال العذاب، وتعده بالسماء التي ينعم فيها الأولاد المكّابيون وأطفال بيت لحم. حينئذٍ أمر الحاكم بإحراق رومانس بالنار، وبضرب عنق الولد. فسرى بين الجموع همس كلّه سخط وتذمّر وإستياء.
ورافقت الأم ولدها إلى مكان الإعدام، وهي تذكي في قلبه شعلة الإيمان والحماسة، إلى أن ضرب الجلاّد عنقه، فطارت نفسه حمامة بيضاء إلى أعالي السماء. فلفّت تلك الأم المسيحيّة الجبّارة جثّة ولدها في أزارها، وذهبت فدفنتها في دارها ذخيرةً ثمينةً وكانت كل صباح وكل مساء تجثو أمام ذلك الضريح وتشكر لله ما أولاها من شرف أثيل ونِعَم لا يقابلها شكر ولا ثناء. هكذا تكون البطولة عند النساء المسيحيّات الحقيقيّات.
أمّا رومانس فأنّهم لم يوقدوا النيران ويزجّوه فيها حتى أخذت السماء تكفهرّ بالسحب وتجود بأمطار بل بِسيول أطفأت النيران وطردت الناس من ذلك المكان. فحار الحاكم في أمره. فأمر بأن يقطعوا له لسانه، وبأن يشدّدوا عليه في سجنه. فقطعوا له لسانه، وأثقلوا له وثاقه، فكان رغم ذلك يمجّد الله بصوتٍ عالٍ يسمعه سائر السجناء.
أخيراً ضجر الحاكم من ذلك المسيحي الذي لم تنجح فيه الحيَل، ولم تثنِ عزمه الآلام، ولم تظفر بعناده الوعود ولا المواعيد. فانتهر الجلاّدين وقال لهم أنّه يريد التخلّص منه. فتألّبوا عليه وخنقوه في سجنه. وهكذا أنهى حياته بالإستشهاد المجيد، ونال إكليل الظفر في الدهر الأبدي السعيد، وكان بالحقيقة رسولاً في حياته وفي مماته.
اجتماع مجمع نيقية المسكونى الاول سنة 325 ميلادية (بحسب الكنيسة القبطية الارثوذكسية)
في هذا اليوم من سنة 325 ميلادية اجتمع الآباء الثلاثمائة وثمانية عشر بمدينة نيقية في عهد ملك قسطنطين الملك البار. وكان منهم رؤساء الأربعة كراسي. وهم الأنبا الكسندروس التاسع عشر. وقد صحب معه أثناسيوس رئيس شمامسته وسكرتيره الخاص. وأسطاثيوس أسقف إنطاكية. ومكاريوس أسقف أورشليم.أما سيلفستروس أسقف رومية فانه لكبر سنه لم يحضر، وأرسل اثنين من الكهنة نيابة عنه. وكان سبب اجتماع المجمع هو محاكمة اريوس الذي كان قسا بالإسكندرية، وجدف على ابن الله الرب يسوع المسيح قائلا "إنه لم يكن مساويا لله أبيه في الجوهر. وانه كان هناك وقت لم يكن فيه الابن". فاستقر رأي رؤساء الكنيسة على عقد المجمع. وكان بين هؤلاء الآباء القديسين من هو في منزلة الرسل قادرا على إقامة الموتى، وإبراء الأسقام وعمل الآيات العظام. وفيهم من عذب في سبيل الإيمان. ومنهم من سملت عيناه، أو قطعت يداه ورجلاه، أو قلعت أضراسه، أو كسرت أسنانه، أو نزعت أظافره، أو كسرت أضلاعه، وكان من بينهم القديس المجاهد بفنوتيوس أسقف الصعيد الذي عذب كثيراً ايام دقلديانوس، إذ قلعوا عينه اليمنى وحرقوا لحم ساقه اليسرى. وربطوه بالسلاسل وأخذوه إلى مقاطع الرخام. ولذلك دعي بالشهيد في الكهنة. وكان شيخاً قديساً محبوباً من الله والناس. وقد اجري الله على يديه معجزات كثيرة حدثت بتوسلاته وصلاح دعواته. ولما اجتمع الآباء جلسوا على الكراسي المعدة لهم. ثم جاء الملك البار قسطنطين وسلم عليهم مبتدئاً بالقديس بفنوتيوس الأسقف إذ احترمه احتراماً عظيماً حتى أنه قبل بإكرام آثار جراحه. ثم وضع أمامهم قضيب الملك وسيفه قائلا لهم "إن لكم هذا اليوم سلطان الكهنوت والمملكة لتحلوا وتربطوا كما قال السيد. فمن أردتم نفيه أو إبقاءه فلكم ذلك". وحدث إن كثيرين من الذين أنار الروح القدس عقولهم، كانوا يعدون المجتمعين فيجدونهم ثلاثمائة وتسعة عشر أسقفاً، وإذا عدوا الكراسي المنظورة يجدونها ثلاثمائة وثمانية عشر. وذلك إتماما لقول السيد المسيح: "لأنه حيثما أجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم". واستحضروا اريوس وطلبوا منه إقراره بالإيمان. فجدّف وقال "كان الآب حيث لم يكن الابن". فلما أفهموه ضلاله ولم يرجع عن رأيه، حرموه هو ومن يشاركه رأيه واعتقاده. ثم وضعوا دستور الإيمان المسيحي وهذا نصه:
نؤمن باله واحد الله الآب ضابط الكل، خالق السماء والأرض، ما يرى وما لا يرى.
ونؤمن برب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور، نور من نور، اله حق من اله حق، مولود غير مخلوق، مساوٍ للأب في الجوهر الذي به كان كل شيء.
هذا الذي من أجلنا نحن البشر، ومن أجل خلاصنا، نزل من السماء وتجسد من الروح القدس، ومن مريم العذراء تأنس.
وصلب عنا على عهد بيلاطس البنطي، وتألم وقبر.
وقام من بين الأموات في اليوم الثالث كما في الكتب.
وصعد إلى السموات وجلس عن يمين الآب.
وأيضا يأتي في مجده ليدين الأحياء والأموات، الذي ليس لملكه انقضاء.
وبعد ذلك، لمّا اجتمع مجمع المائة والخمسين بمدينة القسطنطينية لمحاكمة مقدونيوس عدو الروح القدس، كمّلوا بقية هذا الدستور فقالوا:
نعم نؤمن بالروح القدس، الرب المحي المنبثق من الآب، نسجد له ونمجده مع الآب والابن، الناطق في الأنبياء.
وبكنيسة واحدة مقدسة جامعة رسولية.
ونعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا.
وننتظر قيامة الأموات.
وحياة الدهر الأتي.
و منعوا من إن يزاد عليه أو ينقص منه، وأمروا كافة المؤمنين بقراءته. كهنة وشعباً وشيوخاً وصبياناً ونساءً ورجالاً. وأن يتلى في القداسات والصلوات. وبعدما حرم أباء مجمع نيقية اريوس وأبعدوه عن الكنيسة ووضعوا دستور الإيمان. أصدروا قرارات أخرى فيما يلي:
أولا: فيما يختص بميليتس أسقف أسيوط الذي قاوم رئيسه القديس بطرس الشهيد البابا الإسكندري. فقد قرر المجمع حقوق بطريرك الإسكندرية على مرؤوسيه في القوانين 5, 6, 7.
ثانيا: حسم النزاع الذي كان بين أساقفة أفريقيا وأسيا الصغرى، وبين أسقف رومية حول معمودية الهراطقة، فقرر إن المعمودية التي يجريها الهراطقة باطلة، بخلاف ما كان يراه أسقف رومية وأتباعه.
ثالثا: حدّد يوم عيد القيامة إذ قرر إن يكون يوم الأحد الذي يلي البدر حيث يكون فيه فصح اليهود، حتى لا يعيّدوا قبل اليهود أو معهم، وأناطوا بابا الإسكندرية في تبليغ جميع الكنائس عن اليوم الذي يقع فيه العيد، وذلك لشهرة بطاركة الإسكندرية بسعة العلم والدقة في حساب المواقيت. وثبتوا الكنيسة. وأقاموا منار الدين. ثم انصرفوا إلى كراسيهم.
صلواتهم تكون معنا. ولربنا المجد دائمًا أبديًا آمين.
وفي مثل هذا اليوم أيضاً : نياحة البابا أسحق البابا 41
في مثل هذا اليوم من سنة 679 م. تنيح الأب العظيم القديس الأنبا اسحق بابا الإسكندرية الحادي والأربعون، قد ولد هذا الآب في البرلس من أبوين غنيين خائفين الله، رزقا به بعد زمان طويل من زواجهما، ولما قدماه إلى المعمودية رأى الأسقف الذي تولي عماده صليبا من نور على رأسه، فوضع يد الصبي على رأسه وتنبأ علىه قائلا: انه سيؤتمن على كنيسة الله، ثم قال لأبويه: اعتنيا به فانه أناء مختار لله، ولما كبر قليلا علماه الكتابة والآداب المسيحية والعلوم الكنسية، وكان يكثر من قراءة أخبار القديسين فتشبعت نفسه بسيرتهم الطاهرة، ومالت إلى الرهبنة، فترك أبويه وقصد برية القديس مكاريوس، وترهب عند الأنبا زكريا الإيغومانس، وكان ملاك الرب قد سبق فاعلم الآب الشيخ بقدومه، فقبله فرحا، وفي أحد الأيام رآه أحد الشيوخ القديسين في الكنيسة فتنبأ علىه قائلا "سيؤتمن هذا على كنيسة المسيح"، وحدث إن طلب الاب البطريرك في ذلك الوقت راهبا ليكون كاتبا له وكاتما لسره، فاثني الحاضرون على هذا الآب الفاضل اسحق، فدعاه وأعطاه كتابا يكتبه، فأفسده عمدا حتى يخلي الآب سبيله، لأنه كان زاهدا مجد الناس، فلما علم الآب بقصده قال له "حسنا كتبت فلا تبرح هذا المكان"، ولما تيقن إن الآب البطريرك لن يخلي سبيله، استخدم ما له من العلم والكتابة وظهرت فضائله، ففرح به البطريرك جدا، ولكن لشغفه بالوحدة، عاد بعد حين إلى البرية، ولما دنت وفاة البابا يوحنا، طلب من السيد المسيح إن يعرفه بمن يجلس بعده على كرسي الكرازة، فقيل له في الرؤيا إن تلميذك اسحق هو الذي يجلس بعدك، فأوصى الشعب انه بإعلان الهي وبأمر الرب سيجلس اسحق على الكرسي بعده، فلما تبوأ هذا الآب الكرسي المرقسي استضاءت الكنيسة واخذ في تجديد كنائس كثيرة، منها كنيسة القديس مرقس الإنجيلي وقلاية البطريركية، وقد قاسي شدائد كثيرة، وأقام على الكرسي ثلاث سنين ونصف، ثم تنيح بسلام، صلاته تكون معنا آمين