دينيّة
11 تشرين الأول 2017, 13:00

في حامات.. العذراء مريم شعّت نورًا

تمارا شقير
مَن مِن اللّبنانيّين لم يزر دير سيّدة النّوريّة في حامات؟ من منهم لم يُذهل بالمناظر الخلّابة الّتي يطلّ عليها؟ ومن منهم لم يشعر بخشوع كبير في أرجائه ومغارته؟

 

يستمتع المؤمنون خلال زيارة هذا الدّير بمناظرة خلّابة للسّاحل اللّبنانيّ الشّماليّ تمتدّ حتّى عاصمة الشّمال - طرابلس- إذ يقع على ارتفاع 175 مترًا في نجد حامات، ويبعد 75 كيلومترًا عن شمال بيروت، مطلًّا على جرف صخريّ يصبّ في البحر مشكّلًا بذلك رأس الشّقعة.

أطلق على هذا الدّير اسم "سيّدة النّوريّة" لظهور العذراء مريم مشّعة بالنّور، فلعلّ الأسطورة الشّعبيّة المتعلّقة بسيّدة النّوريّة هي الّتي ساعدت على أن تُحفظ في الذّاكرة الشّعبية كارثة الزّلزال الضّخم الّذي وقع تحت سطح البحر في العام 551 م. وتروي هذه الأسطورة قصّة العهد الّذي قطعه البحّارة على أنفسهم، هم الّذين واجهوا خطر الموت في عرض البحر الهائج بسبب الزّلزال، إلّا أنّ العذراء مريم ظهرت لهم مشّعة بالنّور حاملةً الطّفل على ذراعيها، قائلةً: "لا تخافوا، أنا معكم" وأرشدتهم إلى برّ الأمان.

بُني الدّير في مغارة داخل الجرف الصّخريّ، ولم يكن مزوّدًا إلّا بحائط جداريّ واحد، ينقسم إلى صوامع رهبانيّة بحسب ما كشفه رّحالة روس زاروا الدّير. وفي ثمانينات القرن التّاسع عشر عمل مثلّث الرّحمة المطران غفرائيل شاتيلا على إعادة  بناء الدّير، فطلب من سكان بلدة حامات بناءه وفق مخطّط تقليديّ مع ساحة داخليّة يحيط بها رواق مقفل وأبنية ديريّة .

من جهة أخرى، تُزيّن كنيسة الدّير أيقونات كُتبت بحرفيّة عالية تعود إلى القرن العشرين، فإلى جانبي المدخل الرّئيسيّ أيقونتان لسيّدة النّوريّة، وإلى يمين الباب الملوكيّ ويساره رُفعت أيقونتان للمسيح وللعذراء مريم. وعلى جدران الكنيسة أيضًا أيقونات عديدة، منها أيقونة الصّلب، وأيقونة العذراء الجالسة على العرش حاملةً يسوع المسيح بين ذراعيها، وأخرى لرقاد السّيّدة العذراء كُتبت وفق النّمط البيزنطيّ وتُصوّر سرير العذراء في الوسط، فوقه المسيح حاملاً روحها إلى السّماء، ويقف إلى يمينها ويسارها القدّيس بطرس والقدّيس بولس.

 يشتعل قلب كلّ زائر يدخل مغارة الدّير إيمانًا وخشوعًا، ففي هذه المغارة الصّغيرة، المزوّدة ببضعة مقاعد ومذبح صغير وأيقونات حديثة، ظهرت العذراء مريم للبحارة. وفي زاويتها الدّاخليّة تقودك الأدراج نزولاً إلى تجويف أرضيّ يُعتقد أنّ شعاع نور مريم العذراء خرج منه.

على أرض لبناننا المقدّس، في حامات، ظهرت العذراء مريم مشّعة بالنّور لتُخلّص حياة البحارة، ومن أرض لبناننا المقدّس نتضرّع اليوم إلى والدتنا سيّدة النّوريّة طالبين منها أن تضيء عقولنا وتنير طريقنا فتملأ قلوبنا إيمانًا ومحبّة ورجاء لنسير على الدّرب الصّحيح وننشر الرّسالة المسيحيّة في العالم أجمعين.