دينيّة
11 كانون الأول 2017, 08:00

فرح وزينة عيد الميلاد..

ريتا كرم
"عيّد اللّيل، زهّر اللّيل. صوت العيد ضوّا اللّيل. موجي يا سما بالعناقيد... واللّعب طايرة ويضحكوا اولاد وأرضنا ناطرة والسّما أعياد"... هكذا هو حال عيد الميلاد الّذي يطلّ عامًا بعد عام بحلل مبتكرة تبهر العيون وتخطف القلوب صوب طفل المغارة الّذي يبارك بيوتنا وكنائسنا وشوارعنا. فنرى الزّينة مزروعة على كلّ الدّروب تخفي اعوجاجها وعيوبها: شجرة العيد تعلوها نجمة الميلاد وتضيئها أنوار الفرح، وفي أسفلها مغارة متواضعة يتوسّطها مذود يسوع ويحيط به الرّعاة والمجوس، وأغنيات العيد وترانيمه تصدح من الكنائس وفي الأحياء مبشّرة بمجيء المخلّص، وأكسسوارت المناسبة تزيّن كلّ الأرجاء بطريقة فنّيّة معزّزة الفرح، وضحكات الأطفال تملأ الدّنيا ينتظرون الهدايا الّتي يحملها إليهم "بابا نويل"، وقمم الجبال تكلّلت بالثّلوج البيضاء مضيفة نقاوة وطهارة إلى هذا العيد المجيد... ولكن ما هي رموز كلّ تلك المظاهر الّتي باتت تقليدًا شعبيًّا مع مرور الزّمن؟

 

لعلّ أبرز ألوان العيد هو أوّلاً "الأحمر" الّذي يلهب القلب حبًّا، وقد بدأ المسيحيّون الأوائل بتلوين الميلاد به تذكيرًا بالدّمّ الّذي سفكه المسيح من أجل خلاص البشريّة؛ وثانيًا "الأخضر" الّذي يُعدّ أجمل خلفيّة للأحمر، لذا تأتي "الشّجرة" الخضراء رمز الحياة وخشبة صليب الخلاص، وبخضرتها إشارة إلى الشّباب والأمل والتّجديد.

ولعلّ أوّل ما تقع عليه العيون في زينة الميلاد هو "النّجمة" علامة الوعد الّتي قادت المجوس إلى مغارة بيت لحم وتقودنا إلى ملكوت الله، وهي توضع في أعلى شجرة الميلاد كعلامة لولادة يسوع.  

أمّا المغارة الّتي تغلّفها الأوراق البنّيّة كجدران تحمي يسوع المقمّط وحوله يوسف ومريم البارّان والرّعاة الفقراء والمجوس الأغنياء المحمّلين بالهدايا حبًّا وشكرًا وطاعة، فهي تمثّل تنازل الله الّذي قرّر أن يتجسّد ويصبح مثلنا إنسانًا ويولد في مغارة باردة تدفئه أنفاس الحيوانات، ويحمل إلينا أمثولة في التّواضع والمحبّة والتّضحية. أمّا الملاك فهو تأكيد على حضور الله الحيّ بيننا.

ومن مظاهر العيد أيضًا: "الجرس" الّذي سيعيدنا رنينه إلى حضن الآب كالخروف الضّال؛ و"الأضواء" نور الله؛ "العكّازة" المعكوفة وتمثّل عصا الرّاعي والحرف الأوّل من اسم المسيح باللّغة الإنكليزيّة "J"، وألوانها الأحمر والأخضر ترمز إلى أنّنا حرّاس الابن الضّالّ.

ولا يكتمل العيد إلّا بـ"الهدايا" الّتي ينتظرها الأولاد من عام إلى آخر يأتيهم بها صاحب العباءة الحمراء واللّحية البيضاء "بابا نويل" تلك الشّخصيّة الوهميّة المستمدّة جذورها من الواقع، من القدّيس نيقولاوس أسقف ميرا الّذي وهب كلّ ثروته ووزّع الهدايا على الفقراء. وفي بال الأولاد يأتي- كما في القصص- على المزلاج تقوده الغزلان وينزل من المدفئة ليضع لهم هداياهم أمام المغارة. ولكن ربّما ما نجهله أنّ هذه الهدايا المتبادلة هي رمز إلى المسيح هديّة الله إلى الإنسان أوّلاً وهدايا المجوس إلى المولود الطّاهر ثانيًا. أمّا "العقدة" فهي لتذكّر الإنسان بروح الأخوّة.

كلّها تقاليد اكتسبناها منذ القديم وطوّرناها من جيل إلى جيل، تقاليد تضفي رونقًا خاصًّا إلى ذكرى ميلاد الرّبّ وتحفر في قلوبنا ذكريات جميلة توقدها الاجتماعات العائليّة، وتخلق فينا أملاً وحبًّا جديدين يلوّنان أيّامنا الّتي باتت متّشحة بسواد، ويزرعان سلامًا افتقدناه طويلاً. ولكن عسانا لا ننسى مع "زحمة" العيد أن نهيّء قلوبنا لمن تجسّد من أجلنا، وليكن فينا نور يشعّ إلى كلّ من التقى دربنا بدربه ونهتف مع الملائكة مسبّحين: "المجد لله في العلى وعلى الأرض السّلام وفي النّاس المسرّة".