ثقافة ومجتمع
19 أيلول 2024, 07:00

غضب الله لأجل لبنان

تيلي لوميار/ نورسات
بقلم البروفسّور الأب يوسف مونّس

 

ونظر موسى إلى الشمال (لبنان) نحو جبال لبنان، وسأل الله بعد أن أتى من الجنوب عابرًا الصحراء، وأطلّ على هذا الجبل الأخضر، فانذهل وانبهر لجماله، فسأل الله هل سيعطيه ملكًا له؟ وهذا الجبل لمن؟

ويقول أحد نصوص الكتاب المقدّس، فغضب الله، وقال لموسى: موسى أغمض عينيك، هذا الجبل لن تطأه قدماك، لا أنت ولا الذي سيأتي من بعدك (الكتاب المقدّس، تثنية الاشتراع 3/25 ).

لذلك أقول للخائفين على لبنان، لا تخافوا! فهناك قدرة إلهيّة تحمي لبنان، والتاريخ هو بين يديّ الله وليس بين أيدي البشر، وبخاصّة الذين يظنّون أنّهم يصنعون التاريخ.

يجب أن نعرف أنَّ اسم لبنان يرد أكثر من 81 مرّة في الكتاب المقدّس، ويجب أن نعرف أنْ، من نعم الله على لبنان، أنّه وضعه على خطّ الطول الجغرافيّ الأجمل بين خطوط الجغرافيا، وهو الخط الحادي والعشرون الذي يمرّ في بيروت. وأقام الله  له سلسلة الجبال الشرقيّة، لتمنع عنه الرياح الحارّة،  

وهجوم رياح الصحراء وكثبان رمالها.

ووهبه سلسلة جبال غربيّة منفتحة على البحر، وهي تحجب الغيوم الحاملة الندى وتمنعها من العبور عن المنحدر الغربيّ لهذه الجبال، حيث يكثر الخير والغلال والمواسم والخصوبة والينابيع والمياه.  أنّه وطن، وأرض تحلّ البركة عليها.

لبنان، حافظوا عليه. فهو لكم نعمة من نِعم الله: نعمة البحر والجبال والمياه، ونعمة فيض من الثلج والمطر، واعتدال لمواسم الجغرافيا في بيئة صحراويّة. لم يُعطَ أيّ وطن آخر اعتدال الطقس والفصول كما أعطي لبنان، وتجلّيات ذلك في الفكر والفلسفة والشعر والأدب والصلوات والأناشيد والملاحم وطقوس الموت والحياة.

وللعبور من زمن إلى زمن، ومن فصل إلى فصل، بطريقة منتظمة وجميلة، وفي تجلّيات سلوكيّة مساندة على المحبّة والرحمة والاعتدال والشفقة والرقّة، بعيدة عن القساوة والعنف، كان لبنان وطن التنوّع الحضاريّ والروحيّ والثقافيّ والدينيّ والفولكلوريّ والطقوسيّ وجمال اللباس وطيب المأكل والمشرب (تبّولة، عرق، دبكة، رقص..)  

كلّكم زائلون ولبنان باقٍ، حافظوا على بيئة لبنان وأرضه وترابه فهو وحده إرثنا العظيم الذي أعطانا الله إيّاه.

لا تخرّبوا وطنكم بأيديكم، وحافظوا على أخوّته الإنسانيّة وتعدّديّته، وتنوّعه وغناه البشريّ والروحيّ والثقافيّ والحضاريّ والوجوديّ والإنسانيّ، وإلّا ستبكون جميعكم عليه دمًا وندمًا حين لا ينفع الندم.

وحدها قِيَم الرحمة والمحبّة والغفران والمسامحة هي إجابة المسيحيّة لبناء تاريخ إنسانيّة عادلة وشغوفة في الوطن لبنان، مع مجتمع بعيد عن شهوة الجسد والمال والسلطة، كما يقول يوحنّا الإنجيليّ "الموقف السامريّ" هو موقف المسيحيّة النابع من كلام يسوع المسيح، هذه هي رسالة المحبّة. رسالة المسيح هي المحبّة والسلام وقبول الآخر المختلف. والرحمة لبناء مجتمع العدل والمساواة واحترام حقوق المرأة التي أقرّها المجمع اللبنانيّ سنة 1736 قبل الثورة الفرنسيّة (1789) بخمسين سنة.

هلّا عرفتم أنَّ مطبعة غودنبرغ وصلت إلى جبل لبنان قبل أن تصل إلى أوروبا. فيا لتعاسة لبنان من هذا الجيل الجاهل اليوم، الذي ولد بعد جيل العظماء ويوم كان لبنان جوهرة الشرق وجامعته ومستشفاه وفندقه ومصرفه ومدرسته ومثاله.

لبنان أرض زارها المسيح وزارتها مريم العذراء، أتى يسوع  إلى جنوبه وجليله وجبله وبقاعه، وكان في عرس قانا، وأتى إلى صور وصيدا، والمرأة الكنعانيّة بنت أرضنا، ومريم العذراء زارت مغدوشة وانتظرت ابنها يسوع هناك.

فكيف تخرّبون أرضًا مقدّسة اسمها لبنان، زارها يسوع وأمّه مريم العذراء وتقدّست بهما وفيها القدّيسون والطوباويّون والشهداء والأبرار .

صلّوا لكي لا ينزل عليكم غضب الله ويضربكم بالعمى لأنّكم لم تروا جمال لبنان وفرادته وعظمة رسالته، وما قال فيه سفر نشيد الأناشيد في الكتاب المقدّس.