عيد الظّهور الإلهيّ، يوم انفتاح أبواب السّموات
الخالقُ الذي اتّخذَ صورةَ إنسانٍ يقفُ إلى جانبِ العبدِ ليعتمدَ، فيُمانعه يُوحنّا بقولِهِ: أنا محتاجٌ أن أعتمدَ منك، أوَأنت تأتي إليّ!" (مت 14:3)، إلّا أنَّ الرّبَّ تمَّم كلَّ برٍّ، علمًا أنَّه فوقَ كلِّ خطيئةٍ لا بل هو "حملُ الله الرَّافعُ خطيئةَ العالم". (يو 1: 29).
لقد اعتمد الرَّبُّ بعد أن تجسَّد آخذًا طبيعتَنا ليُتمِّمَ النَّاموس بحذافيره، وليعتِقنا من اللَّعنة الّتي ورِثناها إزاء العصيان المُرتكَبِ من قبل الجدَّين الأوَّلين، وليخلِّصنا من الخطيئةِ والموت، وليُعيدنا إلى الشَّركة مع الله. وعندما تمّ ذلك انفتحت السَّموات وروح الله حلَّ على السيِّد "وإذا صوتٌ من السَّماء قائلًا: هذا هو ابني الحبيب الّذي به سررت" (مت 17:3).
وبحسب القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفَمّ، فإنَّ هذا الاستعلانَ ونزولَ الرّوح بشكل حمامةٍ على الرَّبِّ يسوع، أتى ليوضح للنّاس أوَّلًا، منزلةَ المُعَمَّد أيّ المسيح الرَّبّ مقارنةً بالمُعَمِّد أيّ يوحنّا خاتمة الأنبياء، الذي انتهت رسالتُهُ عند هذا الحدِّ وانتهى معها العهد القديم. وثانيًا أنَّ الرُّوح القدس هو روحُ وداعةٍ لذلك اتَّخذ شكل حمامةٍ، علمًا أنَّ هذه المشهديَّة أعادتنا لقصَّةِ نوح والطّوفان الذي أعلنت الحمامةُ الحاملةُ في منقارها غصنَ زيتونٍ انتهاءَهُ، وانتهاءَ الغضبِ الإلهيّ معه. والفارقُ في معموديَّة السَّيِّد هنا، هو أنَّ الحمامةَ لم تظهر حاملةً غصنَ زيتونٍ، إنَّما أشارت إلى المسيح الذي سيخلِّص شعبهُ من كلِّ الشَّدائِد.
ويعدُّ هذا الاستعلانُ دعوةً لكلِّ مسيحيٍّ ليُدركَ أنَّه بمعموديَّته، تنفتحُ السَّماء أمامهُ ويدعوهُ اللهُ إلى موطنهِ الأصليّ. وأيضًا، لكي يُؤمن حتّى لو لم يُعاين بناظريه. فاليهود وعلى الرَّغم من كلِّ ما حصلَ أمامَ أعيُنهم، بقي عددٌ كبيرٌ منهم جاحدًا ولم يؤمِن بالصَّوت الآتي من السَّموات.
لقد أكَّدت معموديَّةُ الرَّبّ يسوع على تواضعه وطاعته وعلى أهميَّة المُمارَسات القديمةِ وصحَّتِها في ذلك الوقت، ولكنَّها بحصولها أنهَت معموديَّة اليهود وأعلَنَت عن بدء معموديَّتِنا، مؤكِّدَةً على حقيقةٍ ما كانت لتكون واقعًا، لولا الرَّبّ يسوع المسيح، ألا وهي نعمة الرُّوح القدس الكائنة في معموديَّتِه فقط.