ثقافة ومجتمع
25 تموز 2016, 10:09

عن مشاعر الغضب الطّائشة..

ماريلين صليبي
نفخ الله ترابًا فصار كائنًا حيًّا على صورته ومثاله، أصبح إنسانًا جبله بالحكمة والنّطق والأحاسيس وطبع حياتَه بأحداثٍ مخطوطةٌ حكاياتُها بحبر يثبّت آثارَه طويلًا.

 

وقد تكون الأيّام المُفرحة حينًا والعسيرة حينًا آخرًا حقل تجارب يوضع فيها الإنسان وسط ساحة من اختبارات تكشف شخصيّته وتُظهر قدرته على التّحمّل وطريقته في التّعامل، ليبقى الإنسان بهذا رهن حياة رسمها الله له وأكمل هو مسارها.

حالات الإنسان متبدّلة إذًا باستمرار، لكلٍّ مزاجه ونفسيّته وأحاسيسه، إلّأ أنّ الإحساس بالغضب شعور يزور الجميع بدون استثناء بشكل شبه دائم، لأسباب عديدة ومختلفة وبنتائج كثيرًا ما يُخشى منها.

الغضب هو هذه السّلبيّة في المشاعر، حالة تعكس عدم الرّضى وغياب الامتنان، لا بل تدلّ على الامتعاض الشّديد من أمر ما، يرافقها تغيّرات واضحة في المظهر الخارجيّ سهلٌ تمييزها.

الغضب شعور طبيعيّ يعيش الإنسان تداعياته، إلّأ أنّه في كثير من الأحيان مضرٌّ بالصّحّة ومسبّبٌ لمشاكل ونزاعات يختلط فيها التّلاسن بالأذيّة والاتّهامات الباطلة والصّوت العالي والضّجيج الصّاخب والتّصادم الجسديّ.

فالإشكاليّة الأبرز في هذا الخصوص قد تتناول إمكان الإنسان التّحكّم بغضبه والسّيطرة على كلامه وتصرّفاته عندما تشتعل نيران الانزعاج في قلبه وعقله ووجدانه.

"لأَنَّ غَضَبَ الإِنْسَانِ لاَ يَصْنَعُ بِرَّ اللهِ" (رسالة يعقوب 20:1)، يجدر بالمرء أن يحكّم عقله قبل التّصرّف وألّا يتسرّع بالكلام واتّخاذ القرارات فالنّدم رفيق الغضب الدّائم، يطلّ بعده مرفوقًا بالحسرة والضّلال.قد لا ندعو إلى تجنّب الغضب بشكل تامّ، لا بل في كلامنا حقٌّ كامل لتبيان هذا الشّعور الفطريّ، إّلا أنّه ينبغي السّير خلف العقل والمنطق وغضّ الطّرف عن قلبٍ كثيرًا ما يقود صاحبه إلى هاوية التّهوّر الطّائش.

يجب أيضًا أن يتّخذ الإنسان من الهدوء والتّأمّل والصّبر أوسمة تكلّل شخصيّته وأحكامه وتصرّفاته، لأنّ الغضب نقاب مظلم يحجب الرّؤية السّليمة عن عيون يحرقها الامتعاض القاهر.

وقد يُعتبر الغضب المُلحَق بالحقد الدّائم والنّميمة المستمرّة خطيئة تبنيها القساوة والعصبيّة وعدم المغفرة والبغض والإدانة والعنف في آن.

الغضب من أجل الحقّ والمعبَّر عنه بالشّكل الصّحيح السّلميّ واجب فطريّ طبيعيّ إنسانيّ يُبرّأ الإنسان من خطيئته، في حين أنّ الغضب الجاهل يلطّخ الفكر والرّوح والجسد بتصرّفات سيّئة وخاطئة.

الحياة بحر لامتناهٍ، تعتليها أمواج عاتية وأخرى لطيفة، يخترق سكونها مدّ وجزر مهدّد، هي مليئة بالآلام والأحداث غير المتوقّعة، فلنبني جميعنا من المحبّة والتّفاؤل والأمل والإيجابيّة سورًا حصينًا في وجه العواصف والرّياح الهائجة.