ثقافة ومجتمع
05 آب 2019, 07:00

عن لوحة الحياة... مع الله

ماريلين صليبي
خلق الله الكون في أيّامٍ سبعة مباركة، رسم فيها بريشته المقدّسة الفضاء والنّجوم والكواكب والطّبيعة والأرض والحيوانات، ليكلّل عمل الخلق هذا بنحت الإنسان، هذا الهيكل الذي أضفى عليه الله الحكمة والنّطق.

 

الله إذًا فنّانٌ خارقٌ حيّك العالم بأنامل دقيقة ومميّزة، بخيطان ذهبيّة طرّز فيها زخرفات رائعة توّجت العالم بالجمال والعظمة والرّقيّ؛ عالمٌ يعيش فيه الإنسان حياةً تمثّل مسيرة زمنيّة مستمرّة أبدًا، يخضع فيها لتدابير الله ومشيئته، لكلّ ما يخترقها من أفراح وأحزان، من أحداث وتطوّرات.

والإنسان بدوره، أنعم الله عليه مواهب ونعمًا لامتناهية، سرّب في روحه وخياله إبداعًا خلّاقًا يسخّر الحواس كلّها للابتكار، فالإنسان أيضًا فنّانٌ يساند الله في الخلق الجماليّ؛ هو رسّامٌ على غراره يحوّل الورقة البيضاء البسيطة إلى عالم واسع خياليّ.

إلّا أنّ هذا العالم الذي يطبعه الفنّان على الورقة، لا يتناغم مع عالمنا الذي كوّنه الله ولا يتّصل به بأيّ صلة..

فاللّوحة المرسومة تحتضن كلّ ما هو جميل ومناسب لأبطالها، أبطالٌ جامدون لا حركة ولا دور لهم، في حين أنّ حياة المرء الواقعيّة مبنيّة على قراراته المصحوبة أحيانًا بموجات من المشاكل والعراقيل والأخطاء..

اللّوحة المرسومة تسمح بتصحيح الأخطاء وإزالتها ببساطة وسرعة وهدوء، في حين أنّ حياة المرء الواقعيّة دقيقة يضطرّ الإنسان فيها أن يتّمم الأمور الصّحيحة ويتجنّب الخطأ لأنّ لا ممحاة ولا تعديل عليها، بل النّدم والتّحسّر...

اللّوحة المرسومة ورقة رقيقة تُمزَّق، إن لم تعجب البعض، في حين أنّ لا عودة إلى الوراء في حياة المرء الواقعيّة ولا إزالة تامّة لها، بل يقبلها الإنسان كما هي ويتحمّل معاناتها...

حياتنا لوحة تحمل إمضاء الخالق، لا تقدَّر بثمن أو قيمة مادّيّة؛ لا تُمحَى هي ولا تمزَّق، لأنّها مرسومةٌ بألوان الإيمان والمشيئة الإلهيّة، وتشعّ أملًا ورجاء، فلا يمزّقها الأشرار ولا يمحيها الجهل، بل يثبّتها الخالق بالفرح والمحبّة والاستمراريّة...